مع تترات مسلسل نابليون والمحروسة، تشعر أنك علي موعد مع صفحات من تاريخ كفاح الشعب المصري ضد الغزو الخارجي، الأحداث تبعد عن الزمن الحالي 412 عاما، بالتحديد في عام 8971 عندما فكر نابليون في تحقيق أحلامه بقطع الطريق عن تجارة الأسطول الإنجليزي القادم من الهند أكبر مستعمرات الإمبراطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس ثم غابت!! وكي يتحقق حلم نابليون كان يجب أن يضع يده وقدميه وجيوشه وأسطوله علي أرض مصر وبحارها. موسيقي التترات التي وضعها الموسيقار "رعد خلف " تستلهم رائعة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم .. مصر يا أمة يابهية.. يا أم طرحة وجلابية. الزمن شاب وإنتي شابة هو رايح وانتي جاية.. ثم ينساب هذا اللحن بعيداً ويسكن وجدانك مع تكوينات موسيقية تترجم الصورة التي تراها علي الشاشة من معارك حربية بين أسطول مدجج بالسلاح والمدافع يضرب بعنف أهالي المحروسة (مصر) فيخرج آلاف البسطاء من أبناء هذا الشعب للدفاع عن وطنهم، وتلقوا رصاصات الغازي في صدروهم، الموسيقي هنا عنصر أساسي في تدعيم الحدث، بالإضافة لكونه عنصراً جمالياً، وتنتهي المقطوعة الموسيقية مع نهاية التتر بترديد "الكورس" جملة غنائية اللي بني مصر .. كان في الأصل حلواني! حلقات مسلسل نابليون والمحروسة التي كتبتها عزة شلبي وأخرجها شوقي الماجري الذي قدم مسلسلي (أسمهان وهدوء نسبي) هي أحد سبل مقاومة الإبداع لكل صور التخلف التي تحاول أن تطل برأسها، وتعلن سيطرتها، علي حياتنا، والسلاح الذي يستخدمه المسلسل هو تذكرة الناس، بما حدث في الماضي القريب، مائتي عام لم يتغير فيها المجتمع المصري، الغالبية العظمي من السكان يعيشون في حالة فقر مدقع، يعانون سوء الأحوال المعيشية، الفساد ينتشر في البلاد، زمان في القرن السادس عشر، كان المماليك هم المفسدون في الأرض، ينهبون قوت الشعب ويبالغون في فرض الضرائب، ويستبيحون أعراض الناس وحياتهم، وفي القرن العشرين المماليك هم رجال الأنظمة الفاسدة الذين أحكموا قبضتهم علي المجتمع المصري طوال الستين عاما الأخيرة، اللعب علي وتر المشاعر الدينية لدي الإنسان المصري عامل مشترك ومستمر منذ مئات السنين، المصري يبدو أنه يعاني من حالة ذهنية ما، تجعله يصدق أن كل صاحب لحية وجلباب هو رجل دين، لابد من تصديقه وتقديسه، مهما ظهر منه من اعوجاج! أعد نابليون حملة علي مصر وكانت الحملة مكونة من 63 ألف جندي، وقد وصل الأسطول الفرنسي غرب الإسكندرية عند أبو قير في أول يوليو 8971 وبادر بإنزال قواته ليلاً علي البر ثم سير جيشاً إلي الإسكندرية. أنزلت المراكب الحربية الفرنسية الجيش الفرنسي في الإسكندرية، ووجّه نابليون في اليوم ذاته نداءً إلي الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداء إلي الشعب بالهدوء والتعاون وأن نابليون قد أعتنق الإسلام وأصبح صديقا وحامي الإسلام. استولي نابليون علي أغني إقليم في الإمبراطورية العثمانية، وطبقاً للبروباجندا الحربية أدعي أنه (صديقاً للسلطان العثماني) وأدعي أيضا أنه قدم إلي مصر "للاقتصاص من المماليك " لا غير، باعتبارهم، أعداء الشعب المصري، وادعي نابليون بونابرت أنه إعتنق الإسلام كي يخدع المصريين الذين يبدو ان لديهم استعداداً فطرياً لتقبل خداع وجبروت كل من يرتدي جلبابا وعمامة ويطلق لحيته ويمسك سبحة ويتكلم باسم الله!! في المشاهد الأولي من المسلسل نتابع أسطول نابليون يتقدم من مدينة الإسكندرية يلعب دوره الممثل الفرنسي جريجوار كولين ومعه فريق من العلماء والمستشارين، ينظر في تلسكوب في يده ليشاهد ملامح مدينة الإسكندرية وقد ظهرت بعض معالمها، وتبدو علي وجهه ابتسامة ما تعلن عن توقع انتصار محقق علي شعب لن يقاومه، المعلومات التي بين يديه تؤكد أن الشعب المصري مستسلم منذ زمن لسيطرة وفساد المماليك، وهو شعب يمكن السيطرة عليه بحيل بسيطة، وهي الادعاء بأن الإسلام في خطر، ثم أنه شعب منهك من كثرة الفقر والجهل والعمل الدؤوب المتواصل لدفع الضرائب الباهظة، وعلي الجانب الآخر يضم المسلسل شرائح من المجتمع المصري، حواري تعج بالحركة وحوانيت ومحال وورش الحدادين وماتبقي من الصناع المهرة، العائلات الفقيرة تجتمع لمناقشة الموقف وترقب وصول الجيش الفرنسي للبلاد، مجرد أحاديث لا تؤدي إلي عمل خطة للدفاع، في هذه الحواري الضيقة، يعيش المسيحي مع المسلم، الشامي والأرمني وكأنهم من نسيج المجتمع، لولا بعض محاولات زرع الفرقة، عندما تصل جيوش بونابرت إلي الإسكندرية ومنها إلي المحروسة، يفر الناس ويقررون غلق منازلهم والهرب إلي الصعيد، ولكن اللصوص وقطاع الطرق يتربصون بهم، ويجد المصري نفسه محاصرا بين عدة مخاطر، الغزو الأجنبي القادم بقيادة نابليون بونابرت، وخطر اللصوص وقطاع الطرق الذين انطلقوا من جحورهم، بعد هرب المماليك أو اختبائهم، ومع ذلك فهم يتلمسون النجاة ويلتفون حول الشيخ عمر مكرم، ويواجهون مدافع بونابرت وجيوشه! استعان المخرج شوقي الماجري بمجموعة من الممثلين الشباب لم يكن احدهم عبئا علي الحدث، ليلي علوي تؤدي شخصية نفيسة هانم أم المماليك، التي تمتاز بالحكمة ورجاحة العقل، وتعشق المصريين، وهي زوجة مراد باشا، الذي هرب تاركا خلفه كل شيء خوفا من انتقام بونابرت، نفيسة تستضيف رجال بونابرت في قصرها، اتقاء لشرورهم، ليلي علوي يتصدر اسمها تترات العمل، ولكنها ليست البطل المطلق للمسلسل، البطل في هذا المسلسل هو الحدث نفسه، هو المخرج وبقية العناصر الفنية بدء من السيناريو والديكورات وتصميم الملابس والتصوير والإضاءة، أما طاقم الممثلين فيبرز من بينهم شريف سلامة، وفرح يوسف، وأروي جودة، وبهاء ثروت، والممثل الفرنسي "جريجوار كولين"، الذي يقدم شخصية نابليون!