مع تترات مسلسل نابليون والمحروسة، تشعر أنك على موعد مع صفحات من تاريخ كفاح الشعب المصرى ضد الغزو الخارجى، الأحداث تبعد عن الزمن الحالى 214 عاما، بالتحديد فى عام 1798، عندما فكر نابليون فى تحقيق أحلامه بقطع الطريق عن تجارة الأسطول الإنجليزى القادم من الهند أكبر مستعمرات الإمبراطورية البريطانية التى كانت لا تغيب عنها الشمس ثم غابت. وكى يتحقق حلم نابليون كان يجب أن يضع يده وقدميه وجيوشه وأسطوله على أرض مصر وبحارها.. موسيقى التترات التى وضعها الموسيقار «رعد خلف» تستلهم رائعة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.. مصر يا أمه يا بهية.. يا أم طرحة وجلابية.الزمن شاب وإنتى شابة هو رايح وإنتى جاية، ثم ينساب هذا اللحن بعيداً ويسكن وجدانك مع تكوينات موسيقية تترجم الصورة التى تراها على الشاشة من معارك حربية بين أسطول مدجج بالسلاح والمدافع يضرب بعنف أهالى المحروسة «مصر» فيخرج آلاف البسطاء من أبناء هذا الشعب للدفاع عن وطنهم، وتلقوا رصاصات الغازى فى صدورهم، الموسيقى هنا عنصر أساسى فى تدعيم الحدث، بالإضافة لكونه عنصراً جمالياً، وتنتهى المقطوعة الموسيقية مع نهاية التتر بترديد «الكورس» جملة غنائية اللى بنى مصر.. كان فى الأصل حلوانى! حلقات مسلسل نابليون والمحروسة التى كتبتها عزة شلبى وأخرجها شوقى الماجرى «قدم مسلسلى أسمهان وهدوء نسبى» هى إحدى سبل مقاومة الإبداع لكل صور التخلف التى تحاول أن تطل برأسها، وتعلن سيطرتها، على حياتنا، والسلاح الذى يستخدمه المسلسل هو تذكرة الناس، بما حدث فى الماضى القريب، مائتى عام لم يتغير فيها المجتمع المصرى، الغالبية العظمى من السكان يعيشون فى حاله فقر مدقع، يعانون سوء الأحوال المعيشية، الفساد ينتشر فى البلاد زمان فى القرن السادس عشر، كان المماليك هم المفسدين فى الأرض، ينهبون قوت الشعب ويبالغون فى فرض الضرائب، ويستبيحون أعراض الناس وحياتهم، وفى القرن العشرين المماليك،هم رجال الأنظمة الفاسدة الذين أحكموا قبضتهم على المجتمع المصرى طوال الستين عاما الأخيرة، اللعب على وتر المشاعر الدينية لدى الإنسان المصرى عامل مشترك ومستمر منذ مئات السنين، المصرى يبدو أنه يعانى من حالة ذهنية ما، تجعله يصدق أن كل صاحب لحية وجلباب هو رجل دين، لابد من تصديقه وتقديسه، مهما ظهر منه من اعوجاج! أعد نابليون حملة على مصر وكانت الحملة مكونة من 36 ألف جندي، وقد وصل الأسطول الفرنسى غرب الإسكندرية عند أبو قير فى أول يوليو 1798، وبادر بإنزال قواته ليلاً على البر ثم سير جيشاً إلى الإسكندرية. أنزلت المراكب الحربية الفرنسية الجيش الفرنسى فى الإسكندرية, ووجّه نابليون فى اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداء إلى الشعب بالهدوء والتعاون وأن نابليون قد اعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامى الإسلام. استولى نابليون على أغنى إقليم فى الإمبراطورية العثمانية، وطبقاً للبروباجندا الحربية ادعى أنه «صديق للسلطان العثماني» وادعى أيضا أنه قدم إلى مصر «للاقتصاص من المماليك» لا غير، باعتبارهم، أعداء الشعب المصرى، وادعى نابليون بونابرت أنه اعتنق الإسلام كى يخدع المصريين الذين يبدو أن لديهم استعداداً فطرياً لتقبل خداع وجبروت كل من يرتدى جلباباً وعمامة ويطلق لحيته ويمسك سبحة ويتكلم باسم الله!! المشاهد الأولى من المسلسل نتابع أسطول نابليون يتقدم من مدينة الإسكندرية «يلعب دوره الممثل الفرنسى جريجوار كولين» ومعه فريق من العلماء والمستشارين، ينظر فى تلسكوب فى يده ليشاهد ملامح مدينة الإسكندرية وقد ظهرت بعض معالمها، وتبدو على وجهه ابتسامة ما، تعلن عن توقع انتصار محقق على شعب لن يقاومه، المعلومات التى بين يديه تؤكد أن الشعب المصرى مستسلم من زمن لسيطرة وفساد المماليك، وهو شعب يمكن السيطرة عليه بحيل بسيطة، وهى الادعاء بأن الإسلام فى خطر، ثم إنه شعب منهك من كثرة الفقر والجهل والعمل الدؤوب المتواصل لدفع الضرائب الباهظة، وعلى الجانب الآخر يقدم المسلسل شرائح من المجتمع المصرى، حوارى تعج بالحركة وحوانيت ومحال وورش الحدادين وما تبقى من الصناع المهرة، العائلات الفقيرة تجتمع لمناقشة الموقف وترقب وصول الجيش الفرنسى للبلاد، مجرد أحاديث لا تؤدى إلى عمل خطة، للدفاع، فى هذه الحوارى الضيقة، يعيش المسيحى مع المسلم، الشامى والأرمنى وكأنهم من نسيج المجتمع، لولا بعض محاولات زرع الفرقة، عندما تصل جيوش بونابرت إلى الإسكندرية ومنها الى المحروسة، يفر الناس ويقررون غلق منازلهم والهرب إلى الصعيد، ولكن اللصوص وقطاع الطرق يتربصون بهم، ويجد المصرى نفسه محاصرا بين عدةمخاطر، الغزو الأجنبى القادم بقيادة نابليون بونابرت، وخطر اللصوص وقطاع الطرق الذين انطلقوا من جحورهم، بعد هرب المماليك أو اختبائهم، ومع ذلك فهم يتلمسون النجاة ويلتفون حول الشيخ عمر مكرم،ويواجهون مدافع بونابرت وجيوشه! استعان المخرج شوقى الماجرى بمجموعة من الممثلين الشباب لم يكن أحدهم عبئا على الحدث، ليلى علوى تؤدى شخصية نفيسة هانم أم المماليك، التى تمتاز بالحكمة ورجاحة العقل، وتعشق المصريين، وهى زوجة مراد باشا، الذى هرب تاركا خلفه كل شىء خوفا من انتقام بونابرت، نفيسة تستضيف رجال بونابرت فى قصرها، اتقاءً لشرورهم، ليلى علوى يتصدر اسمها تترات العمل، ولكنها ليست البطل المطلق للمسلسل، البطل فى هذا المسلسل هو الحدث نفسه، هو المخرج وبقية العناصر الفنية بدءاً من السيناريو والديكورات وتصميم الملابس والتصوير والاضاءة، أما طاقم الممثلين فيبرز من بينهم شريف سلامة، وفرح يوسف، وأروى جودة، وبهاء ثروت، والممثل الفرنسى «جريجوار كولين»، الذى يقدم شخصية نابليون!