د. أحمد درة أنا واحد من المصريين الذين افزعهم واقصد مضجعهم مقتل الجند الاطهار علي حدودنا وقد اغتالتهم يد الغدر الفاجرة، واحسبهم عند الله من الشهداء والابرار، احياء يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم. واجزم ان ما جري هو عين الخير لمصر، اراد الله به ان ينبهنا الي جرح نازف من اطرافنا وإلي مرض عضال يتسرب الي اعصابنا ودمائنا ويرشح في خلايا النخوة والرجولة والغيرة علي ارضنا وعرضنا، لا تحسبوه شرا لكم، انما هو الانذار الواضح الذي لا يقبل شكا أو لبسا يقول لنا، ما سكتت عنه من قبل القلوب الخائفة والعقول الموقوفة، ان هناك حقا مثالب كثيرة وعوار في معاهدة السلام مع اسرائيل العدو المتربص بنا الدوائر دوما، وهناك ما يدعونا اليوم للمراجعة واستدعاء العالم أجمع ليعلم كيف ضحي الشعب المصري من أجل استعادة ارضه والعيش في سلام، ثم تقيده هذه المعاهدة وتعوقه عن حماية أرضه. لقد شاهد كل من له عين أو القي السمع وهو شهيد هذه المجزرة البشعة، وهم يدركون الظلم والغمط الذي تعرض له المصريون حين تم توقيع »كامب ديفيد« الأولي ثم هذه المعاهدة التي وضعت السلام في أسوأ موقف له منذ عرف الناس معناه علي الأرض.. ومهما تبرر لي، فإن ما يحزنني الآن اكبر من البحث عن سلام واهٍ ضعيف لا يلبي طموح المشتاقين إليه والمخلصين لاهدافه النبيلة، فنحن في المنطقة التي يعيش فيها مئات الملايين من العرب والمسلمين لم نذق طعم السلام الحقيقي حتي هذه اللحظة، ولم نر من اسرائيل إلا دولة معتدية ظالمة، اغتصبت ارضا عربية وتحاول تهويد المدينة المقدسة التي بارك الله من حواها. والذين يظنون ان السلام كهدف عظيم وكريم ربما يتحقق منه شيء في المستقبل، اقول لهم ان دوام الحال علي ما هو عليه، لا يبشر بخير، ويضعنا أمام خيار وحيد لاستعادة حقوقنا السليبة ومقدساتنا النفيسة التي لا نقبل حيالها أي مساومة، وليس لنا من الأمر شيء ان نقدم فيها اي تنازلات.. لبئس ما يدعوننا إليه اليوم، وهم يتلاعبون بقيم السلام، ويخدعون شعوبا هي شعوب السلام الحقيقية، ولسوف يدرك العالم الآن حقيقة اسرائيل التي تزرع المستوطنات وتصدر الفتن وأسباب الأمراض والهلاك للدول العربية والاسلامية.. ولست أفهم ما معني ان تبقي مصر مكبلة بمعاهدة السلام، واسرائيل حرة طليقة تفعل ما تشاء، فهل ترضي ادني القيم الانسانية ان يتم تحجيم مصر الدولة الكبري في منطقة الشرق الأوسط، وتقليص قواتها القادرة علي ردع أي ذراع تمتد للحدود أو داخل أراضيها. نحن نعجب من هذه البنود التي تعجزنا عن الدفاع بقوة عن سلامة أراضينا وضرب أي عدوان مباغت كالذي جري في »رفح« ولعلها الفرصة الآن قد سنحت لكي نستعيد السيطرة علي سيناء الحبيبة سيطرة حقيقية، ومرجوة من الشعب المصري كله، اننا نقف علي اطراف اصابعنا نشب لنهتف بالحق، فالسلام الذي لا تحميه قوة قادرة علي بسط نفوذها وسيطرتها، هو سلام منقوص أو أي شيء غير السلام.. ولعلي أيضا أضيف سؤالي المحير، مَنْ الذي اعتدي أولا، ومن الذي يقنعنا بأن اسرائيل تريد السلام فعلا؟ لقد انفتح الجرح علي حدودنا ولن نرضي بدواء إلا أن يكون ناجعا ينهي حالة الضعف التي دبت في اوصال خير أجناد الأرض وحالة الاسترخاء التي طالت منذ الضربة القاصمة التي تلقتها اسرائيل عام 3791. ولست مطمئنا الي اتجاه الاجراءات والمطاردات لتكون مقصورة علي الشبح الخفي الذي سموه الارهاب من قبل، وهو يعود بنفس الاسم ونفس الصورة القديمة مفزعا ومروعا، بيد ان العدو الحقيقي لنا يجلس علي الناحية الاخري منتظرا ما تسفر عنه هذه المعارك الطاحنة في بلاد عربية كثيرة، وهذه الحرب التي تشنها القوات المصرية علي شبح الارهاب الذي يسكن سيناء ولا أحد يستطيع ان ينبيء عن مكانه بالضبط، وهل هو العدو الاولي الآن بهذه الحرب التي تدار في سيناء دون ان نحدد بالضبط من هو العدو الحقيقي المتسبب في الحالة القائمة التي تعيشها مصر منذ ابرام معاهدة السلام المعيبة، أم أن الأمور اخطر وأوسع من هذا التصور، لقد دخلت مصر مرحلة جديدة وانتزع الشعب ارادته بثورة عارمة لن تقبل بالدنية أبدا، وعلي كل من يساند إسرائيل أن يفهم جيدا، لن نقبل بالدنية أبدا في حماية أرضنا.