ستارمر: لن تكون حماس جزءًا من غزة مجددًا.. ودعمنا لأمن إسرائيل لا يزال ثابتا    «ميطلعش من عضو».. حتحوت ردًا على رسالة مسؤول الزمالك: مضيتوا ليه؟    «لم يركل الكرة بعد».. جيوكيريس يقتحم تاريخ أرسنال من بوابة هنري    بسبب خلافات سابقة.. التحقيق مع 5 متهمين بدهس شاب بسيارة في الإسكندرية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بين شخصين ووفاة أحدهما بالقاهرة    أبرزهم حلمي عبدالباقي ونادية مصطفى.. تعرف على قائمة الفائزين بانتخابات التجديد النصفى ل«الموسيقيين»    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي العام بقنا    نقيب المهندسين: المعادلة شرط أساسي لتأهيل طلاب الدبلومات    الفنانون المصريون والسفر لتقديم العزاء لفيروز!    أطباء السودان: وفاة 13 طفلا في مخيم نازحين بدارفور جراء سوء التغذية    وزير العمل يسلم 350 شهادة لخريجي الدورات التدريبية المجانية على 23 مهنة    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    مراسل "إكسترا نيوز": الفوج الخامس من شاحنات المساعدات يفرغ حمولته بالجانب الفلسطيني    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025 للمكفوفين.. المواعيد والتفاصيل    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كامب ديفيد فى فكر داعية، فى شبابه وشيخوخته
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 04 - 2009

ولدت فى أسرة وطنية متدينة تعشق الدين والوطن، وتعيش كل همومه وآلامه وأحزانه، ورغم أن والدى كان موظفا بسيطا إلا أنه كان دائم الانشغال بقضايا الوطن، كما أن شقيقى صلاح إبراهيم كان ممن عبروا القناة فى حرب أكتوبر 1973 وأصيب فى هذه المعركة، كما أن ابن خالتى الشهيد مراد سيد عبد الحافظ "نحسبه كذلك ولا نزكى على الله أحد"، هو واحد من تسعة فقط على مستوى مصر كلها حاصل على أعلى وسام عسكرى مصرى وهو وسام "نجمة سيناء".
وكنا كذلك فى صغرنا، حيث كانت الوطنية والرجولة ومقاومة الاستعمار وتحرير فلسطين هى أهم إدراكاتنا حتى قبل الانتماء للحركة الإسلامية.
وقد كانت الأغانى الوطنية الحماسية فى شبابنا تزيدنا توهجا ورجولة وحماسة قبل دخول الحركة الإسلامية، وكانت الأناشيد الإسلامية بعد دخولنا الحركة الإسلامية تجعلنا نقبل التضحية بكل شىء من أجل الإسلام العظيم، فيهون العمر والوقت والشباب والصحة ودخول السجون وكل شىء من أجل رفعة هذا الدين ونصرة شريعته.
وكنا وما زلنا نتوق إلى اليوم التى تتحرر فيه أرض فلسطين كلها من النهر إلى البحر كما يقولون، وندخل القدس، ونصلى فى رحاب المسجد الأقصى – أول الحرمين وثالث القبلتين - ونرى فيه ما كنا نصبو إليه طوال أعمارنا كلها.
وقد كنت أظن فى بداية شبابى ومقتبل صباى، أن كل حروب مصر مع إسرائيل كانت من أجل تحرير فلسطين، وهو ما أعتبره اليوم مخالفاً لحقائق التاريخ التى لم أحط بكافة جوانبها فى تلك الفترة المبكرة من سنى حياتى، فلم أكن قد قرأت بعد تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية قراءة علمية موثقة، حيث درستها بعد ذلك دراسة مستفيضة من عدة مصادر تاريخية وكتابات موثقة فى المعتقل، بدءاً من حرب 1948 وحتى حرب سنة 1973.
كما أننى كنت أظن أن تحرير فلسطين كلها هو أمر ميسور، وفى إمكان مصر حتى وحدها أن تقوم به، كما قامت من قبل بهزيمة التتار والصليبيين.
وهذا كان تسطيحاً للأمور وتبسيطاً مخلاً لها، حيث إن هزيمة صلاح الدين الأيوبى للصليبيين وهزيمة قطز للتتار جاءت ثمرة جهود تربوية حثيثة شملت شتى بقاع العالم العربى والإسلامى لتهيئة الأمة وإعدادها لتكون أهلاً للنصر، وقام على أمرها علماء ومصلحون عظام سطر التاريخ بذلهم وعطاءهم، وأتت بعد سنوات طويلة من الحرب والصلح، والقتال والهدنة، وفى ظروف توحد شبه كامل لمصر مع الشام والحجاز يندر وجوده الآن فى ظل هذا الوضع الإقليمى والدولى، والذى تعقد كثيراً بعد هيمنة الولايات المتحدة على السياسة الدولية كقوة عظمى وحيدة حتى الآن، بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتى المنافس لها، وأصبح أثراً بعد عين.
وقد تطوعت للقتال فى شبابى، وأثناء حرب أكتوبر سنة 1973، وكنت وقتها طالباً مستجداً بكلية الطب، رغبة فى نيل الشهادة فى سبيل الله فى حرب يعتبرها جيلى حتى اليوم من أجمل لحظات حياته كلها، ولكن طلباتى وآخرين للتطوع رفضت لأنه لم يسبق تدريبنا، رغم أننى كنت من أوائل دفع الثانوية العامة التى تخرجت وتدربت فى الثانوية العسكرية، ووقتها كان التدريب جاداً وعميقاً ومفيداً.
وعندما قام الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس، ثم بعد ذلك وقع اتفاقية كامب ديفيد، كانت الحركة الإسلامية كلها فى خندق واحد مع الحركة الوطنية المصرية ترفض هذه الاتفاقية، وتحاربها بكل ما أوتيت من قوة، وكنا وقتها فى منتهى الفتوة والحماسة والقوة.
وكان رفضنا قوياً عنيفاً تمثل فى مظاهرات ومؤتمرات فى الجامعة والمساجد وفى كل مكان، وكان معظم خطباء الحركة الإسلامية فى ذلك الوقت ضد هذه المعاهدة، واليوم، وفى كل عام تمر فيه ذكرى كامب ديفيد.
وقد سألنى بعض الصحفيين الإسلاميين أو المقربين عن رأيى الآن فى كامب ديفيد، وهل ثمة تغير حدث فى رأيى طوال هذه السنوات؟ وإذا حدث تغير، فما هى أسبابه ودوافعه؟ ولماذا كنا نعارضها من قبل وما مسوغات هذه المعارضة؟!. ، إلخ.
هذه الأسئلة التى تلح علىَّ كل عام فى ذكرى كامب ديفيد، وقد رفضت الإجابة عن هذه الأسئلة للصحفيين بالذات خوفاً من تشويه الحقائق، وإخفاء بعضها، حيث تعمد الصحافة أحيانا لإبراز جزء من الخبر وترك بعضه لإثارة القارئ وتشويقه، وربما كان هذا الجزء المستور هو لب القضية وفصل الخطاب، ولكن الصحافة فى بعض أحيانها لا تلتفت لدقة النقل وأمانة العرض قدر ما تهتم بعنصر الإثارة والتشويق، وكذلك بعداً عن مزايدات المزايدين علينا وهم كثيرون، ولأن كثيراً من الشباب عامة والإسلامى خاصة "يأخذون رأس القبة ويطيرون" على رأى المثل المصرى العامى الشهير، والذى يعنى أنهم لا يدرسون الموضوع جيدا، ولا ينقلونه على وجهه الصحيح، ويشوهونه تشويها "عن غفلة أو عمدا"، ثم يطيرون بفهمهم السقيم للأمر إلى الآفاق ليشوهوا بذلك سمعة الآخرين بغير حق.
ولكننى استخرت الله، ورأيت أن أكتب فى هذا الأمر ما كنت أشرحه لبعض إخوانى الثقات فى المعتقل، والذين كانوا يسعدون بهذا الفهم، عسى الله أن ينفع به الشباب المسلم، والآن أبدأ مشواراً فكرياً مع كامب ديفيد بهذا الترتيب الزمنى:
عندما وقعت اتفاقية كامب ديفيد فى السبعينيات كنا من أوائل المعارضين لها مع كل أطياف الحركة الإسلامية، وكذلك كل فصائل المعارضة السياسية فى مصر وقتها.
وقد عقدنا عدة مؤتمرات فى الجامعة وخارجها وفى كل فروع الجامعة لمناهضة هذه الاتفاقية وبيان سلبياتها وعوراتها، وقد كان الوجه الأساسى لمعارضتنا منصباً على عدة نقاط رئيسية منها:
أن الصلح مع إسرائيل غير جائز شرعاً.
أن توقيع مصر على هذه الاتفاقية يعطى المشروعية لدولة إسرائيل للسيطرة على الأراضى الفلسطينية.
أن الاتفاقية تخرج مصر تماماً من خندق الدفاع عن فلسطين أو أى دولة عربية تحاربها إسرائيل مستقبلاً.
أن الاتفاقية تعطى إسرائيل والولايات المتحدة حليفتها حقوقاً غير مشروعة على أرض سيناء، ولا تحقق لمصر السيادة الكاملة على أرض سيناء.
أن الاتفاقية تخرج مصر من المنظومة العربية الإسلامية إلى المنظومة الغربية.
ولكننى، وبعد دخولى السجن، ودراستى المتعمقة للقضية برمتها، وللصراع العربى الإسرائيلى من أوله إلى آخره، وبعد دراستى المتعمقة للفقه الإسلامى، وكذلك القانون الوضعى والقانون الدولى، تبين لى الآتى، وهذا رأيى الشخصى، وأنا لا أتكلم هنا عن رأى الجماعة:
أولاً: أباحت الشريعة الإسلامية الصلح مع كل أحد، مسلمين وغير مسلمين، ويهود ونصارى وبوذيين، وأى ملة مهما كانت.
أما ما يظنه بعض شباب الحركة الإسلامية من السبعينيات وحتى اليوم، بعدم جواز الصلح مع اليهود أو غيرهم، فهو كلام سياسى ولا يمت للفقه الإسلامى بصلة.
ثانياً: الضابط فى الصلح مع أى عدو من اليهود أو غيرهم من أى ملة هو تحقيق أكبر قدر من المصلحة الشرعية للأوطان المسلمة، ولذا أجاز الفقهاء الصلح - حتى على الشرط الجائر - ما دام ذلك يصب فى مصلحة للإسلام والمسلمين ويحققها.
وقد استدل هؤلاء الفقهاء مثل ابن القيم على ذلك بقبول الرسول صلى الله عليه وسلم للشروط المجحفة فى صلح الحديبية رغم رفض كثير من الصحابة لذلك، وكراهيتهم للصلح فى بدايته، ثم قبولهم به ورضاهم عنه فى نهاية المطاف.
إن اتفاقيات الصلح إنما تعبر عن واقع كل قوة على الأرض، ولا تعبر عن حق وباطل، وهناك فرق بين الحق المطلق وبين ما يفترضه الصلح على الأطراف، أى أن هناك فرقاًَ بين المشروعية الدينية للأمور والمشروعية الواقعية.
فاحتلال إسرائيل لفلسطين غير مشروع من الناحية الدينية، ومن ناحية الحلال والحرام، ولكنه أمر واقع، وتعاطيك مع هذا الواقع لا يمنحه المشروعية الدينية، وإقرار الدولة بوجود إسرائيل كدولة فى إحدى المعاهدات هو إقرار للواقع وليس بياناً لحكم شرعى، وهو يختلف عن الإقرار الشرعى الدينى، وهذا يحل الإشكالية التى تتولد لدى الشباب المسلم الذى يتخبط فى هذا الأمر.
وقد قام صلاح الدين الأيوبى هو ونور الدين محمود بعقد معاهدات كثيرة مع الصليبيين، أقرهم فيها على بعض الإمارات الصليبية التى احتلوها عنوة وقسراً ودون وجه حق، وكانت هذه المعاهدات فى مجملها توقف التقاتل بينهم، وتقر كل من الطرفين على ما يحوزه من بلاد.
وكان صلاح الدين الأيوبى يوفى لهم بذلك، ولم يعترض أحد من العلماء والفقهاء فى عصرهما على ذلك، بحجة أنه إقرار شرعى للصليبيين على احتلال بلاد المسلمين، فلا علاقة بين المعاهدات التى تخط شروطها موازين القوى، وبين الإقرار الشرعى أو الأحكام الشرعية، ولكنها إقرار واقعى مؤقت توجبه المصلحة وتفرضه موازين القوى.
تبين بعد سنوات طويلة من البحث والدراسة، أن كامب ديفيد رغم سلبياتها الكثيرة إلا أنها كانت أفضل المتاح أمام مصر وقتها، وأن مصر بظروفها المحلية والإقليمية والدولية لن تستطيع أن تعيش باستمرار فى حالة حرب متصلة مع إسرائيل، وأنها لا تملك القدرة العسكرية ولا السياسية أو الاقتصادية لتحرير فلسطين كلها، وأنها لم تسع فى حرب من حروبها لتحرير فلسطين.
وقد تبين لى ذلك بجلاء من دراستى المستفيضة لحرب 48 و56 و67 و73، فلم تدخل مصر هذه الحروب كلها لتحرير فلسطين، ولكنها دخلت لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية خاصة بها.
أما من يقول إن مصر دخلت حرب 1948 لتحرير فلسطين فهو واهم، ويمكنه الرجوع إلى محضر جلسات القيادة العليا للجيش المصرى بقيادة الملك فاروق عند بداية حرب 48، حيث قال صراحة للقوات المتوجهة لقتال إسرائيل: "أنا دخلت الحرب محرجاً من الملوك والحكام العرب ولم أكن أريد الدخول فى هذه الحرب، ولذلك أرجو ألا تدخلوا فى أى اشتباك جدى مع القوات الإسرائيلية"، راجع كتاب "حرب 1948" للباحث العسكرى لواء د.إبرهيم شكيب.
ورغم ذلك كله فقد أبلت القوات المصرية بلاء حسناً فى فلسطين، ولولا الإمكانيات الضعيفة والتسليح الضعيف الذى كان معها لكان لها شأن آخر.
إن مجرد الاعتراض على صلح أو اتفاقية تفرضها موازين القوى ليس حلاً إيجابياً، وإنما هو لون من ألوان السلبية السياسية، وهب أننا اتفقنا مع المعارضين لكامب ديفيد، فما هو البديل الذى كان متاحاً وقتها؟؟!!، إن كل من عارضوا كامب ديفيد من الحكومات العربية، وعلى رأسها العراق وسوريا وغيرهما، لم يأت بأى بديل سياسى أو عسكرى جيد بدلاً منه، ولم تحقق أى دولة منهم أى مكسب يذكر على أى صعيد فى هذه الفترة يوازى كامب ديفيد رغم سلبياتها
ثالثاً: من المهم جدا عند التعامل مع الواقع استصحاب فقه الموازنات، لاسيما مع اختلاط المفاسد بالمصالح، وهو الأصل فى واقعنا المعاصر، فلم يعد من الممكن تحقيق المصلحة المحضة ودفع المفسدة المحضة، ولعل غياب مثل هذا النوع من الفقه عنا وعن الكثيرين حينما عقدت مثل تلك المعاهدة كان هو الدافع الأساسى لرفضها بصورة تامة ومجملة، فأذهان الشباب المتحمس ونفوسهم المتطلعة نحو الكمال والمثالية لا تحتمل حدوث صلح فيه أى نوع من الهضم أو الظلم للمسلمين، بل ترى فى حدوث ذلك نوعا من التنازل عن الحق والدنية فى الدين، ولعل مواقف شباب الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب فى صلح الحديبية خير شاهد على ذلك، وتلك كانت مشاعرنا بالضبط حينما عقدت المعاهدة، فقد رأيناها غير محققة لتطلعاتنا المثالية بغض النظر عن حساب موازين القوى وتشابكات العلاقات بين الدول، فكل ذلك لا يسترعى انتباه الشباب الغيور على دينه ووطنه وأمته، المهم أننا اليوم لو أردنا تقييم تلك المعاهدة بصورة موضوعية فسنجد أنها كانت أفضل الحلول المتاحة فى ذلك الوقت فى ظل إمكاناتنا المحدودة، وفى ظل الأوضاع العربية والإقليمية المتردية، والتى ازدادت سوءا وترديا بمرور الزمن.
وهب أننا أحجمنا عن عقد تلك المعاهدة، فما هو البديل وقتها لاسترداد الأرض المسلوبة – ولو جزئيا -، هل كنا سنواصل القتال ؟!! كان ذلك مستحيلا بعد مساندة القوى الكبرى لإسرائيل وتخاذل الصف العربى، أم كنا سننكفئ على هزيمتنا ونجلس فى دورنا نبكى حالنا دون إيجاد أى حل إيجابى.
إن الشباب أحيانا لا يقنع بغير المثال والكمال، وهذا أمر جميل، ولكن الشريعة الغراء علمتنا أن نسعى – عند تعارض المصالح والمفاسد – لتحقيق أعلى المصلحتين ولو كان فى ذلك تفويت أدناهما، ودرء أعظم المفسدتين ولو كان ذلك باحتمال أدناهما. .وهذا هو فقه الموازنات التى ربما تضيق به كثير من النفوس المتحمسة، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: "ليس العاقل الذى يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل هو الذى يعرف خير الخيرين وشر الشرين".
من السهل جدا المطالبة بإلغاء اتفاقية أو هدم صلح، فتلك النداءات التبسيطية تدغدغ عواطف الكثيرين وتجد لها صدى جميلا فى نفوسهم، ولكن من العسير الصعب أن يتحمل قائد ما عبء التفاوض مع أعدائه ومحاولة اقتناص مصالح أمته وأوطانه قدر المستطاع، ولو كان ذلك القدر اليسير الذى يحققه لا يرضى غرور الكثيرين من أبناء وطنه وأمته.
هناك أيضا نقطة مهمة تتعلق بتلك الاتفاقية، فمن المعروف فى عالم السياسة أن معاهدات الصلح التى تتم عقب الحروب لا تنشئ أوضاعا أبدية، وإنما تعبر عن موازين القوى التى عقدت فى ظلها تلك المعاهدات.
ومثل هذه المعاهدات تتحكم فى نتائجها وآثارها المستقبلية إرادة كل طرف من الأطراف، ومدى إصراره على بلوغ أهدافه العظمى وتحقيق أحلامه وتطلعاته، وصدق اللواء أمين هويدى رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق ووزير الدفاع الأسبق فى عهد عبد الناصر حينما رد على الذين يهاجمون كامب ديفيد: إذا تغير ميزان قوتك مزق هذه المعاهدة وأنشأ معاهدة جديدة تتلاءم مع ميزان قوتك الجديد، وكل دول العالم تفعل ذلك.
لقد اضطرت الإمبراطورية اليابانية لإعلان استسلامها الكامل بعد هزيمتها الساحقة فى الحرب العالمية الثانية، وقبلت التوقيع على صلح ملئ بالشروط المجحفة القاسية، ورغم ذلك لم تستسلم لواقعها وتنفض يديها عن مهمة السعى نحو النهضة والتقدم، وسرعان ما تجاوزت المحنة وعقدت العزم على فرض واقع جديد على الأرض تكون معه تلك الوثائق والمعاهدات التى وقعتها مرغمة مجرد حبر على ورق.
وها هى اليوم بعد ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الهزيمة تتبوأ ذرى التقدم والنهوض العلمى والمادي، وتفرض بواقعها الجديد وضعا دوليا لم يحلم به اليابانيون عشية توقيع الإمبراطور اليابانى وثيقة الاستسلام.
إن الذين يحملون معاهدة كامب ديفيد كل السلبيات التى حدثت فى المجتمع المصرى كله بعد المعاهدة هؤلاء قد جعلوا منها شماعة للتخلف والرشوة والأمية والفساد والبيروقراطية وكل الأدواء التى ضربت المجتمع المصرى فى مقتل.
وهل كامب ديفيد أسوأ من معاهدات الاستسلام التى فرضتها أمريكا على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وحرمتها من امتلاك أى قوة عسكرية؟
ورغم كل السوء فى هذه المعاهدة فإن اليابان أصبحت من أعظم القوى الاقتصادية فى العالم، المشكلة إذا فينا نحن.
فهل كانت كامب ديفيد سبباً فى هذه النسبة الفظيعة من الأمية والرشوة والفساد الذى عم المجتمع المصرى بشكل مخيف، وما الذى كان يمنعنا من اتخاذ حالة السلم والأمان للبناء والتنمية للمجتمع المصرى بناءً صحيحا سليما من كل النواحى الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية؟.
وهل الدول العربية التى لم تعقد كامب ديفيد تقدمت أو تطورت أم أن شأنها شأن الآخرين فى كل المناحى السلبية؟.
وهذه تركيا لها أوثق العلاقات العسكرية والسياسية مع إسرائيل والغرب، ولكن كل شئ فيها يسير إلى الأمام وتتقدم الدولة باضطراد فى كل المجالات، المشكلة فينا نحن يا سادة فى الأساس.
أقول هذا لأن الكثيرين منا يقيمون المآتم فى ذكرى معاهد كامب ديفيد، حيث يخلطون دائما بين نتائج تلك المعاهدة، وبين تقاعسنا نحن عن النهوض ومحاولة امتلاك أسباب القوة، فقد باتت كامب ديفيد هى الشماعة التى نعلق عليها تدهور أحوالنا وترديها هروبا من مواجهة النفس بالتقاعس والتقصير فى حق هذه الأمة وهذا الوطن حكاما ومحكومين، وكثير ممن يعارضون الاتفاقية يرجعون كافة مظاهر تخلفنا وتراجعنا الحضارى عن عمد أو غير عمد لتلك الاتفاقية، وكأن اليهود بعدها أتوا إلى أوطاننا قيدوا أيدينا وأرجلنا بل وضمائرنا عن العمل فى سبيل النهوض والتقدم.
والحقيقة أننا نحن المتقاعسون عن العمل لرفعتنا ونهضتنا سواء كانت هناك معاهدة أم لا، إن الإصرار والتحدى والعزيمة إن وجدت لا تستطيع أى معاهدة أن تكبلها أو توقف سعيها، أما أصحاب العزائم الخائرة والهمم المستنيمة فلا يحتاجون لمعاهدات أو اتفاقيات إلا ليتحججوا بها على قعودهم وتكاسلهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.