لم ولن يكون قتل الشاب خالد سعيد هو الأخير في مسلسل الظلم الذي لا ينتهي في مصر فكم من إنسان بريء قتل خلال الثلاثين عاماً وطالما أصبح الفساد والاستبداد هو الحكم سيضيع العدل ولن يتوقف الظلم إلا بدولة العدل. وأذكر أول شهيد للتعذيب عاصرت قصته، كان في سجن طرة وهو الشهيد نحسبه كذلك كمال السنانيري، أحد أعظم قيادات الإخوان المسلمين فقد قتلوه في عنبر«أ» بسجن استقبال طرة تحت التعذيب ليحصلوا علي اعترافات عما يسمي في وهمهم التنظيم السري للإخوان المسلمين ولما فشلوا أن يجدوا ذلك الوهم قتلوه -رحمه الله- لتصعد روحه إلي بارئها تشكو إلي الله ظلم العباد. المثير أنهم قالوا إنه انتحر ولم يستطيعوا حتي الآن رغم مرور 29 عاماً أن يبرهنوا كيف انتحر الرجل العظيم ومثله الشهيد سليمان خاطر قاتل اليهود الذي قتل عمداً في زنزانته ثم خرج بيان بختم النسر أنه مات منتحراً كيف ؟البطل المجاهد المقاتل يموت منتحراً ؟الإجابة هوه كده وختم النسر علي البيان أصلي حكومي مش مزور. وقد توالي علي سمعي وبصري قصص عشرات الشهداء في السجون، لكن الطريف أنهم كانوا يصدرون بيانا يقولون فيه إنهم ماتوا بسبب هبوط في الدورة الدموية وكان الطبيب الشرعي يصدق ذلك بختم النسر علي البيان . الحقيقة أن الطب الشرعي أصبح في هذه القضايا المهمة مثل قضايا القتل والتعذيب جهة تدليس لا جهة توضيح، وأصبح دوره تبرير الجريمة بالشكل الذي ينقذ المجرم القاتل مهما كان الثمن سواء كانت الحقيقة أم العدل أم الكرامة، فلم يعد لتلك المسميات قيمة في مصر المحروسة، وكم من واقعة مشابهة لواقعة «خالد سعيد» تحت الضغط والترهيب سكت أهل القتيل خوفا ورهباً من مصير مثل مصير قتيلهم. ولقد سكت الناس في مصر علي الظلم بشتي أنواعه حتي تجرعوه جميعاً قطرة قطرة في مختلف أشكال حياتهم وجاء الآن دور القتل ولكن بما إننا في عصر الفكر الجديد فقد جاءت جريمة قتل «خالد سعيد» ليكون الإخراج المسرحي للظالمين له شكل جديد وفكر جديد، فخرج التقرير تلو التقرير ليؤكد للملايين أن خالد سعيد قتل مخنوقاً، لأنه ابتلع لفافة البانجو المخدر والأدهي أن التقرير الأخير يقول إن الإصابات من كسر الجمجمة والأسنان والوجه التي جعلت قلوب الملايين قبل حناجرهم تصرخ من ألم الظلم لا علاقة لها بالموت يا سلام عليك يا طب يا شرعي لك يوم أمام الله ليس علي ذلك فحسب وإنما علي كل تقرير ظلمت فيه الضحية ونصرت فيه المجرم الجلاد. لكنني أعتقد أننا في مصر في تقدم، فمحاولة إخراج القتل بهذه الصورة المسرحية تدل علي عقلية جديدة وفكر جديد وسوف نري باكورة ذلك في حوادث قتل مدبرة تدبيراً جيدا بالاستعانة بالخبرة الإنجليزية التي قتلت الأميرة «ديانا» ولم يستطع أي إنسان إثبات الجريمة حتي الآن وبالطبع لن نستعين بالخبرة الصينية، لأنهم مع أنهم أرخص لكنهم في هذا المجال فكرهم قديم جداً ومفضوح ونحن في مرحلة انتقالية مهمة في تاريخ مصر وفي أزهي عصور الديمقراطية ومن أجلك أنت أيها المواطن الظالمون يبذلون كل جهد ويستعينون بالخبرات الأجنبية لتعذيبك بالطرق الحديثة وبفكر جديد حتي تلحق بخالد سعيد أو تصمت فتعيش ذليل، مبتسماً رغم أنفك بالفكر الجديد. وأخيراً إذا كان خالد سعيد وجد من يصرخ مطالبا ً بحقه فهناك آلاف المظلومين ُكتمت أصوات صراخهم حتي لا يسمعها أحد ولكن الله سبحانه وتعالي يسمع ويري وهو القادر والظالمون لا يقدرون علي شيء ويُملي للظالم حتي إذا أخذه لم يفلته والله يُمهل ولا يهمل «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون» يا رب يا رب عليك بكل ظالم.