كان إختراع أدوية علاج الضغط والمرارة هو من باب الرحمة بالشعب المصري و بالذات حينما يشاهد المصريون مذيعاً يرفع عندهم الضغط و السكر و يفقع لهم المرارة في آن واحد..و تكون له قوة القتل الثلاثية ..و قد حدث ذلك فعلاً ..فقد طلع علينا أحد السادة المذيعين ليصف المصريين بأنهم ينعمون بالهامش الديمقراطي منذ ثلاثين عاماً و أن مصر تعيش أزهي عقود حقوق الإنسان علي حد قوله . .و إلي هنا لم أتمالك نفسي من الضحك الهيستيري , ذلك أن إنتهاك حقوق الإنسان و الذي يبدأ من الضرب علي القفا وينتهي بالقتل داخل السجون لم ينتعش ويتوغل و ينتشر إلا في الثلاثين سنة الماضية ومع ذلك يصر سيادة المذيع علي أن يؤكد أن المصريين يعيشون ومنذ ثلاثة عقود "تعاظم حقوق الإنسان" ..هكذا قالها سيادته.. كما أضاف أننا توسعنا في الهامش الديمقراطي .. و فجأة قفز أمام بصري الشهيد كمال السنانيري الذي قتل في بداية هذه العقود الثلاثة و هو داخل زنزانته ..فكان أول شهيد للهامش الديمقراطي في مصر .. و كعادة الهامش الديمقراطي فهو يقوم بتسليم جثة القتيل و معها شهادة بأن المذكور قد انتحر .. وكما يقول الفنان "صلاح منصور" "المأذون بتاعنا و الدفاتر دفاترنا " .. وطبعاً لم أصدق أنا أوغيري أن الأستاذ السنانيري قد انتحر لأي سبب من الأسباب.. ليس لأنه قد أمضي في السجون أكثر مما أمضي في بيته ..و إنما لأنك إذا قابلته تعلم و لأول وهلة أنك أمام رجل قد حجز موعداً مع الشهادة ..و قد حكي لي الأستاذ إبراهيم شرف رحمه الله و قد كان يتولي سكرتارية الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين رحمهم الله جميعاً .... أنه قد ساورته لحظه ضيق مما يقال في حق الشهيد " كمال السنانيري " من أنه انتحر ... فأتاه الأستاذ " كمال السنانيري " في الرؤيا وطلب منه أن يطمئن المحبين جميعاً بأنه لم يقتل نفسه ... وأنه ما كان له أن يفعل ذلك ... ولكن قتل " كمال السنانيري" ... لم يأخذ حقه من الغضب ... ولا مقتل من قُتِل بعده فكان ذلك هو الضوء الأخضر للهامش الديمقراطي في أن يقتل العشرات من بعد الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله... وفي السجون كان يمكنك أن تشاهد بهدلة العشرات من مرضي " الدرن " وهم ينامون علي الأسفلت في مستشفي " طره " فتهون عليك نفسك بسبب عجزها وتتمني أن لم تكن قد ولدت في عصر الهامش الديمقراطي ... ذلك الهامش الذي كثرت جرائمه ... وعجز الناس عن حصرها... ويحاول البعض أن ينسب جريمة قتل الشهيد السنانيري إلي فرد بعينه ويغضب إذا قلنا له لا تفعل ولا تتهم واحداً بعينه.. ذلك أن التعذيب والقتل في السجون ياسادة ليس جريمة أفراد إنما هو جريمه نظم... فإذا ما نسبت الفعل إلي فرد فأنت تزيل الاتهام عن النظام الذي سمح له بالقتل والوزير الذي يحميه والمأمور الذي يسمح له بدخول السجن ويمكنه من الخروج بالضحية معصوب العينين ثم يستقبل الضحية وبرفقتها تقرير طبي بأن السجين مات منتحراً ثم أنك تستبعد المحقق الذي أغمض عينه ولم يحقق في الجريمة والضباط الذين أشرفوا علي القتل ..والحكومة التي لم يكلفها الأمر شيئاً سوي القليل من الجنيهات لشراء " ملاية السرير " تلك التي يتم ربطها في شباك الزنزانه ثم يتم وضع آخرها في رقبه القتيل "ويا دار ما دخلك عدل..ولا رحمة " ... وقد فعل الهامش الديمقراطي ذلك مع " سليمان خاطر " أيضاً ومع العديد من الضحايا ... حتي أتي علينا المجلس القومي لحقوق الإنسان ... وهو إحدي بنات أفكار الهامش الديمقراطي ليعلن عن إنشاء سجل لشكاوي الضحايا وأنا أعتقد أن الوظيفة الكبري بل والوحيدة التي يقوم بها هذا المجلس هو حصر أعداد المقتولين والمعتقلين .... وبهذه المناسبة فيروي أن أحد المواطنين دخل القسم ليحرر محضراً , إلا أنه قد خرج يضحك في سعادة فلما استغرب الناس من سبب سعادته أجابهم : " ضربوني في القسم...بس " وعجبي