للمرة الثانية خلال عشرة أيام، وإبّان نقاهة الرئيس المصري - مبارك - من العملية الجراحية التي أجراها بنجاح يتخوف الرئيس من انزلاق البلاد إلي «الفوضي» تحت شعار «التغيير» ويحذر الرئيس هؤلاء الذين يطالبون بالتغيير ويعملون من أجل تعديلات دستورية ضرورية مثل تعديل المواد 76، 77، 88 من أجل تحقيق آمال مشروعة في : - فتح باب المنافسة المشروعة علي الموقع الرئاسي وفق ضمانات جادة بدلاً من قصر المنافسة علي أسماء محددة لا تتجاوز أفراداً بعينهم، «بتعديل المادة 76» . - قصر مدة الرئاسة علي مدتين فقط دون أن تبقي مفتوحة مدي حياة الرئيس كما حدث منذ «(المادة 77)» علي الأقل حتي تتضح إرادة سياسية جازمة نحو نزاهة الانتخابات. - إعادة الإشراف القضائي علي الانتخابات لضمان نزاهتها وحيدتها كما تم عام 2005 «(المادة 88)». أو يطالبون بتغيير دستوري أشمل تقوم به جمعية تأسيسية منتخبة بحرية تعّبر عن كل التيارات والأفكار والقوي الشعبية والسياسية في ظل حكومة انتقالية محايدة لمدة عام أو عامين. يخشي الرئيس من «الفوضي» بينما تظهر المطالب الشعبية لقطع الطريق علي الفوضي المرتقبة، لأنه إذا استمرت الأمور علي هذا الركود الذي يتصوره بعض نخبة الحكم ممن يحيطون بالرئيس «استقراراً» فإن البلاد - لا محالة - تسير إلي «المجهول» وإلي خطر «الفوضي». إن سدّ الطريق الدستوري والسياسي أمام أي إصلاح أو تغيير هو الذي يؤدي - بالضرورة - إلي الانفجار والفوضي والمجهول. إن التدمير المتعمد للحياة الحزبية والسياسية الذي قوّض التعددية الحزبية بعد 35 سنة من انطلاقها بحيث باتت الأحزاب الرئيسية غير قادرة علي جذب المواطن العادي، ومحاصرة داخل مقراتها ومكاتبها، ولا تستطيع الحصول علي مقاعد مناسبة في البرلمان أو المحليات، ويتم مساومتها من جانب الحزب المسيطر علي الحياة السياسية ببضع مقاعد هنا أو هناك، هذا التدمير هو الذي يقود البلاد إلي الانفجار والفوضي والمجهول. إن التزوير الفاضح للانتخابات بكل أنواعها بدءاً من الانتخابات الطلابية التي لن تؤثر في مجمل الأوضاع ولكنها تدّرب الشباب علي حب الوطن وتعوّده علي ممارسة فضيلة الاختيار بين متنافسين، مروراً بالانتخابات العمالية التي تفرز قيادات نقابية قادرة علي قيادة العمال وتمثيلهم والتعبير عن وجهة نظرهم، انتهاءً بالانتخابات العامة في المجالس المحلية ومجلسي الشعب والشوري التي أفرزت بالتزوير نواب الكيف والرصاص والتهريب والعبّارات الفاسدة .. إلخ هذا التزوير أدّي إلي إشاعة اليأس والقنوط وانصراف المواطن عن المشاركة وتدني نسب التصويت وهذا هو الذي يؤدي في النهاية إلي إفراز قيادات سياسية رافضة وساخطة ومغامرة تريد القفز إلي النتائج مباشرة لأن الأوضاع لم تعد تحتمل التدرج في إصلاح لن يأتي أبداً بسبب انسداد القنوات الطبيعية، وهذا هو الذي ينتهي بالبلاد إلي الانفجار والفوضي والمجهول. إن تدمير المؤسسات الجامعية والبحثية وتدمير التعليم الأساسي أدّي إلي تخلف فظيع في مجال العلوم والتكنولوجيا مما أدّي إلي إحساس المواطنين بالغربة في وطنهم والبحث عن بدائل أخري مما يقود إلي الفوضي والمجهول. إن فرض سياسات اقتصادية بعينها دون حوار أو مناقشة أو تمثيل حقيقي للقوي الشعبية، سياسات احتكارية زادت القلة الغنية ثراءً وأدت إلي اتساع رقعة الفقر وازدياد نسبة الفقراء وسحق الطبقة الوسطي التي هي رافعة أي مشروع للنهضة أو خطة للتنمية، وهذه السياسات كانت استجابة لضغوط دولية وليست نتيجة لحاجات وطنية. هذه السياسات الاقتصادية أدّت إلي تزاوج السلطة بالثروة وإلي تكريس حالة من الفساد والإفساد المتعمد، وخلق طبقة من الإدارة العليا التي تنعم بأجور طفيلية غير طبيعية وطبقات عديدة من الموظفين والعمال الذين لا تكاد أجورهم تسد رمق الحياة، مما أدّي إلي نزوحهم إلي رصيف مجلس الشعب محتجين أو وقوفهم في وقفات احتجاجية ساخطة انتقلت إلي أقصي الصعيد وانتهت إلي شاطئ الإسكندرية، وإذا عم السخط وانتشر الفقر وتبخرت الآمال انتهي الوطن إلي الفوضي والانفجار والمجهول. إذن هناك اتفاق علي الخوف علي مصر وأهلها من الفوضي والانزلاق إلي المجهول ولكن من يتحمل المسئولية ومن يجب أن يتجه إليه التحذير الرئاسي؟ الواضح أن الرئيس يحذر - بل ويهدد - الذين يدقون ناقوس الخطر، وينذرون من الركود الحالي الذي سيؤدي لا محالة إلي الفوضي والانفجار، وهؤلاء يقومون بواجبهم الدستوري والوطني ويعملون في إطار القانون ويحتكمون إلي الشعب كالإخوان المسلمين أو الجمعية الوطنية للتغيير أو النخب المثقفة والفكرية أو الأحزاب الرسمية وتلك التي تحت التأسيس، أما الذين لم يتجه إليهم الرئيس بكلمة، ولم يوجّه إليهم تحذيراً، فضلاً عن أن يهددهم، فهم الذين استمرأوا تزوير الانتخابات وأغلقوا الطرق الطبيعية أمام الشعب والأحزاب المعارضة وملأوا الأرض فساداً وإفساداً، ورفعوا شعارات برّاقة دون تنفيذها علي الأرض مثل «من أجلك أنت»، و«مصر بتتقدم بينا»، و«العبور إلي المستقبل»، و «فكر جديد» بينما كان الواقع المعاش الذي يشعر به معظم الناس والشعب أن الحكم الآن يدار من أجنحة ضيقة وفق نظرية تساقط نتاج النمو الوهمي، وأن مصر في كل التقارير الدولية المحايدة تتأخر باستمرار، وأن المستقبل بات غامضاً ومجهولاً، وأن الفكر الجديد هو إعادة إنتاج الفكر القديم نفسه، الفكر الذي تعيش به مصر منذ خمسين سنة، احتكار السلطة، وأضيف إليه احتكار الثروة، فكر يحتقر المواطن ولا يعبأ به، فكر أدي إلي انقسام المجتمع وظهور «مشاكل طائفية لم تشهدها مصر في عصرها السابق أثناء الوجود القانوني للإخوان المسلمين منذ «1928 - 1948»، فكر أدي إلي شيوع أنواع من الجرائم لم نعرفها من قبل، فكر أدي إلي نزوح المصري من وطنه في هجرات حالمة تغرق الشباب في قوارب الموت. سيادة الرئيس : لك حق في الخوف والقلق وليس لك حق في إهمال تحذير القائمين علي الأمر من النخبة المحيطة بك ومن رجال الحزب الوطني وخاصة رجال الفكر الجديد. وليس لك حق في تحذير وتهديد الرجال الشجعان الذين يحملون أرواحهم علي أكفهم وينزلون إلي الشارع رغم الطوارئ والاعتقالات والإرهاب البوليسي والضرب بالهراوات الذي قد يتحول إلي الضرب بالرصاص. كان من المناسب يا سيادة الرئيس أن ترحب بهم وأن تلتقي بهم، ومنهم وزراء سابقون، ورجال خدموا في مواقع المسئولية، ونواب عبّروا عن إرادة الناخبين وممثلون لقوي شعبية كالإخوان المسلمين، وأكاديميون وإعلاميون تحلوا بالحكمة والشجاعة، لم يذنبوا ولم يخطئوا عندما أحبوا بلدهم وأرادوا له الخير وعملوا من أجل ذلك. استقبلهم يا سيادة الرئيس في قصرك، بدلاً من أن يستقبلهم رجالك في السجون.