قال الأطباء إنه لا بديل عن زراعة كبد لسعيد عبيد، وبأقصي سرعة، ولكن ما باليد حيلة، معظم المحيطين به غير قادرين، الوحيد الذي ساهم بمبلغ لا بأس به هو رجل الأعمال نجيب ساويرس بارك الله فيه وله، لا لأنه صديق لسعيد ولكن بسبب تدخل أحمد فؤاد نجم، ولا أريد أن أتحدث عن غياب الدولة ولا علي المصريين «المكبودين»، ولا عن قلة حيلة الجماعة الثقافية أمام المرض، ولكن سأتحدث عن صديقي سعيد عبيد ابن ميت رهينة الطيب والمبهج، الذي كان ولا زال «أساسيًا» في حياة قطاع كبير جدًا من المثقفين منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بصوته القريب وخفة ظله، وحكاياته، التي كانت من الممكن أن تصنع منه روائيا فريدا، وحياته المليئة بالغناء والدراما والأسي، تعرفت عليه في مرحلة مبكرة من العمر في بيت محمد جاد الرب ببركة السبع، وعندما جئت القاهرة وجدته أحد أعمدة حوش قدم في الغورية عند نجم، وأحد أعمدة شقة حدائق القبة والتي كانت تسمي الأكاديمية والواحة، والتي فتحها العم حامد الحناوي متعه الله بالصحة لعشاق الحياة والفن وهي الشقة التي انطلق منها جيش التوشيح، وأيضًا من علامات أماكن المثقفين في وسط المدينة، ستجده عنوانًا لليالي الواسعة، وصديقا مقربا لرموز الرقة والاستقامة والشرف في الثقافة المصرية أمثال علاء الديب وإبراهيم منصور رحمة الله عليه، سعيد رجل طيب يحب الغناء، وخطفته النداهة بمساعدة الشيخ إمام عيسي ليجد نفسه صوتًا صديقًا للمناطق الشجية في وجدان المحيطين به، كون في نهاية الثمانينيات مع الراحلين محمد جاد الرب وحسن الموجي «جيش التوشيح»، جاد بمشاعره الخام الطفولية القديمة يكتب قصائد، يلحنها الموجي بعد فك شفرتها، وإذابتها في جمل لحنية قادمة من تراث المجاورين وبداهة أولاد البلد وأحزان الفرادي، ليغنيها سعيد بصوته الصادق الحنون، الذي لا مبالغة فيه ولا حذلقة، صرف كل ما يملك لكي يغني ويستمع الناس إلي شيء آخر من الممكن أن نغنيه معا «لو بس القمره تبان وتنور للعميان، شاعر أغاني والنيل سقاني العنب ألوان، يارايح طوخ» وغيرها من الألحان العظيمة التي تغنت بها النخبة المثقفة المحبة للغناء والتفت حولها سنوات ليست قليلة، كان يريد مع المؤلف والملحن إعادة اكتشاف الشجن المصري من جديد وتقديمه علي اعتباره عملا جماعيا شارك الجميع في صياغته، وقدمه في حفلات في قصر الغوري عندما كان صلاح عناني مسئولا عنه وقصر الأمير بشتاك وبعض الأماكن العامة، وقدم مع نجم (الذي كتب عنه مقالا رائعا السبت الماضي في الوفد) «شحتوت العظيم» تأليف الراحل الصديق محمد سعيد في المنصورة ولأسباب سريالية، باع سعيد(ميسور الحال) كل ما يملك، وفجأة وهو في الستين ابتلاه الله بالمرض اللعين، ليجد نفسه في مواجهة الأيام والمرض، ولكن الله عوضه بابنته هند التي تلعب معه دور الأم، وأصدقاء رائعون ودافئون مثل مجدي أحمد علي ولطفي لبيب ومحمد هاشم وعادل السيوي وبالطبع أبوالنجوم، ملأوا عليه حياته، ينصتون إليه وهو يغني، كأنهم يعيدون اكتشاف، صوته بعد المرض لم يعد قويا كما كان، ولكنه أصبح شيئا له ملمس القطيفة، تخلص من الزوائد التي كان يتطلبها المسرح والجمهور المحتشد، لينفذ إلي القلب مباشرة ومن أقصر طريق، ولكي تتعرف علي قلب سعيد عبيد وروحه هذه الأيام، عليك أن تسمع إليه يغني أغنية نجاة علي ولحن السنباطي الفريد «آسيت ولا حد آسي قد ما آسيت.... لكن نسيت ما جري لي.. لما أنا حبيت»