خرجت كعادتي أتلمس طريقي نحو الحياة، أخذتني قدمايا إلى طرق أخرى غير ما تعودت، آخذا بنصيحة نفسي، مشيت بين المساحات الشاسعة من الأرض الخضراء، والحقول المترامية الأطراف، والهواء ينعش وجهي بطراوته، جلست على حافة المدينة حيث المياة الجارية، أتامل مجرى (...)
إن ما يسمعه الغرب أو يقرأه أو يراه منا صورة نمطية قديمة يتناقلها الكتاب وتتوارثها الأخيلة من أننا أمم أشبه بوجوه بشر ونفوس متوحشة تملأ الأهواء والغرائز عقولهم وقلوبهم، ولا مكان في الرأس لعقل يفكر ويرسم لنفسه منهجا إنسانيا يليق به، إن أنيابهم لا تنفك (...)
إن في الألم آيات عجيبة، وصور لا تنتهي، تبرز لك ألوان كثيرة من حياة يشيع فيها الوجع في أركان الوجود، إن الألم الذي نشعر به، ونرى آثاره، دون أن نراه، وينهش فينا دون أن نستطيع قتله، أو حتى طرده، ونقف أمامه برءوس منحية، وقوى خائرة، ذلك الألم الذي يضعضع (...)
الكثير من الشباب لا يبحث إلا عن الشكليات والمظاهر, ولا يعنيه من جوهر الحياة, القليل ولا الكثير, يتعلم بمقدار ما يريد أن يحقق من وراء علمه من مكاسب مادية, فلا يعينه القيمة التي يتعملها, ولا يستزيد منها لسعة عقله, ولذة في طلبها, ومتعة لروحه, فكل هذا (...)
أنا اللا شيء، ومع ذلك فأنا مصدر رعب، لكثير من الناس، الذي يُلصقون بي أشياء تقلق مضاجعهم، وتجعلهم يعيشون حياة مضطربة، فأنا الوسواس القهري، وأنا الجن والسحر، وأنا الحزن أحيانا، تتغير حالتي كثيرا وأبدو على هيئات لا حصر لها.......لي أعداء كثيرين، ولي (...)
فرط حركة ... أليس في الشباب تهور، أليس فيه اندفاع نحو الحياة، يتصدى لها بعزمه وقوته ويجابهه في خشونة، ويزاحم في غير اكتراث، ويقع ويقف مصلوبا يستأنف معاركه، ويحمل فوق عاتقة المتناقضات دون أن يشعر بثقل ما يحمل، فيسوقه غرور الفتوة، ولا يحسب لخطواته (...)
كانت الهجرة هي الحد الفاصل، بين عالمين، عالم يريد أن ينتصر لقوة الجسد والأهواء والتقاليد البالية والعصبية والعنصرية، عالم أراد للإنسان أن يكون دمية فى يد النزعات والشهوات، يعيش للتنفيس عن رغباته الظاهرة والمكبوتة، وعالم آخر يريد للإنسان أن يعلي من (...)
فإذا عاد آخر المساء، فكل ما يعرفه أن يزف إلى أخبار الناس كل ليلة، وبلا ضجر من تكرار ما يعيد على سماعى كل يوم، وحين كان يقترب منى يقع على كجلف قروي، حيوان يسيل لعابه، يفترسنى كما يفترس حيوان فريستة، وينقض عليها، فإذا أفرغ، تكوم معطينى ظهره، وأخذ يغط (...)
كان جسدي حبل مشنقتي, وعندما أكتملت أنوثتي في عيونهم, وأستوفت حقها من الجمال والفتنة, وكان وقع قدميها يُلهب رغائبهم ونوازعهم, ويُثير فيهم جوع أجسادهم, كان الكل يتطلع إلي, يرمقني بنظرة فاجرة, كلها شبق تملأ عينيه وجسده فورة من الشهوة المتدفقة, وتكالبت (...)
كانت حجرتي عالماً واسعاً كبيراً، كنت أعيش في زحام شديد بين كتبي، كنت حين أقرأ، أجوب الأرض من شرقها إلى غربها، من الجنوب إلى الشمال، وأنا لم أغادر مكاني، أعيش في أزمنة مختلفة، وعصور متعددة، أسافر في الماضي والحاضر والمستقبل، شاهدت الملوك والأمراء، (...)
كانت أمي هي الزوجة الثانية لأبي، تزوجها بعد أن ماتت زوجته الأولى، وكانت مريضة لسنوات مرضاً معضل، لا أمل في شفاءه، وأشفق أبي في أن يخذلها في أخريات أيامها، ولم يشأ أبي أن يتزوج عليها، وهي على قيد الحياة، رغم أنها ألحت عليه في أن يتزوج، ولكنه رفض، (...)
في خطواتنا الأولى نحو الحياة يملأنا الحب, يفيض بكئوسه المترعة, يتخلل جوارحنا يجعلنا أشبه بطائر يسبح في ملكوت السموات, يقطع الأرض ذهاباُ وإياباً في نشوة غامرة, لايحس تعباً ولا إرهاقاً, بل المزيد يريد بلا فتور, استقبلت الحياة حين وعيت على الدنيا, (...)
وها أنا الأن أمسك بقلمي ويدايا ترتعشان، والظلام يغلف حجرتي، إلا من ضوء شمعة ألتمس منها رؤية خافتة لأتبين الأشياء، شريط ضوء بالكاد أتبين الحروف، وأخط فوق أوراقي حياتي المظلمة، التي أُرغمت عليها، ولأنني أنثى فإنني مهيضة الجناح، ولا حظ لي من قلب، يشعر (...)
كانت بستانا يدور حوله الأدباء، تلهمهم الحب والعشق، وتفتح مغاليق قلوبهم لتتنفس العشق، ونسمات من طيفها، يحب الرجل تلك الأنوثة التى تطعمها الثقافة، يحبها ممزوجة بالفن والجمال والفكر، كانت أنوثتها حافلة بشتى ما يجذب الرجال إليها، وكانت ثقافتها المتنوعة، (...)
عندما تُصاب بالشتات الداخلي, فالأمر ليس سهلاً في جمع ما تبعثر منك, عندما تُصبح بقايا حُطام مُتناثرة, وتُحاول أن تُعيد هيكلة ذاتك, تُلملم أشلائك المُتناثرة وتُعيد صياغة نفسك مرة أخرى, فأنت لاشك أصبحت غيرك, كل شيء ليس في مكانه الصحيح منك, فتصير (...)
ذلك الشاعر الذي يلتقت المعاني من الطرقات والشوارع، المعاني التي يراها العامة والخاصة، فلا يلتفت إليها أحد، ولا يطيل النظر إليها، فيلتقتها ويلبسها أرق الكلمات، فإذا بالكلمة قصيدة، وإذا بالقصيدة أغنية، وإذا بالأغنية سهام مصوبة نحو القلب، وإذا بالقلب (...)
تنطلق حياتُنا من هناك, من عالم الغيب, من نقطة الصفر, والتي سبقتها آلآف الأصفار, بل ملايين الملايين من الأصفار, تأتي وتتتابع وتتجدد عبر الزمن, كل يوم تولد أصفار جديدة, تكبر وتزداد وتنمو كتلاً من لحم ودم وأفكار ومشاعر, تحب وتكره, تضحك وتبكي, يحوم (...)
كان وقوفها يمتد لساعات طويلة، لم يكن الملل يتسرب إلى قلبها أبدا، بل كان أملا يملأها، ويشحذ عزيمتها، كان الحب هو عمودها الفقرى، الذى تتوكأ عليه، فيمنحها القوة والصلابة، لم تكن جميلة، ولكن لها روح تملأ الأجواء سعادة.
كانت ابسامتها ساحرة، لعل ذلك لأنها (...)
ملعونةُ أنتِ فى كل كتاب، فى كل شريعة، من تراب الأرض ملعونة، من أحجار الطريق، ملعونة فى كل زاوية من زوايا جسدك الغارق فى براثن الخطيئة.
أعلمُ أنى لن أنالَ منكم سوى الرجم، رجم بالحجارة، ورجم بالكلمات، وبالصرخات فى وجهي، من أمامي، ومن خلفي، وعن شمالي، (...)
إن الكثيرين من أبناء الشرق لا يعون الدرس جيدا، ولو أن قاسم أمين، ومن نبذوه، وأقاموا له المشانق، وبروا أقلامهم ليجعلوا منها حرابا، يصيبوا بها قلبه، ويشلوا بها عقله وفكره، وسخروا منه، وجعلوا منه أضحوكة أمام العامة والخاصة، وأرادوا أن يهيلوا على كتابه (...)
عودة الابن الضال بعد رحلة، وسياحة في بلاد غريبة بعيدة، خروجه منذ عشرين سنة، من بيته مهاجرا، رحيله الذي ظل عشرين عاما عاش في بلاد يغمرها الشمس، وتلتهم الأشياء، وتسطع حتى تأكل كل شيء، إنها الأمنية التي تسعى إليها أخته السفر إلى تلك البلاد، أن تهجر (...)
للإعلام قوة لا يُستهان بها في عصرنا الحاضر، بل الإعلام هو في الحقيقة الذي يوجه حركة التاريخ، الذي نعيشه، وفي الإمكان أن يقلب القضايا، وأن يحول الحق باطل، والباطل حق، ويلبسه زي الحكمة والتعقل، فمن ملك زمامه، فهو لا محالة منتصر في معاركه وحروبه، فهو (...)
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي المجد للسيف ليس المجد للقلم
أكتب بنا أبدا بعد الكتابة به فنحن في دولة الأسياف كالخدم
مات المتنبي في الخمسين من عمره، وقد ملأ الدنيا بأشعاره، يسير بها الركبان من أقاصي المشرق، إلى أقاصي المغرب، نال من الشهرة ما لم ينالها أحد (...)
فرق بين أيام وأيام، شعور وأخر، سنوات وسنوات، أعمار كاملة وأخرى تنقضي بعد زمن ما، عاش الرجل حياتين، بينهما من التناقض الكثير، حياة الريف بكل ما يعتريها من طقوس وتقاليد محفورة في أذهان أهلها، خطوط عريضة، لا يتعدونها يمارسون حياتهم فيها، حتى في رضاهم (...)
أنبغ ما أنجب القرن العشرين في الفكر والأدب، عاشق الكتب، وعاشق الحياة، الذي قال لنا: أن حياة واحدة لا تكفيني، فعشق الكتاب، ليعيش أكثر من حياة، ليعيش بين دفتي كتاب حيوات مختلفة، عاش في الماضي والحاضر والمستقبل، كان له قلم حفر بسنه مجدا أدبيا، يصعب (...)