كانت دراسة الفلسفة، لها أثر كبير على عقل نجيب محفوظ الروائي الكبير، الذي أبدع في قصصه ورواياته، ليثمر لنا أدبا إنسانيا عظيما، لا يرتبط بمكان معين أو زمان، إنما هي مذاهب إنسانية، يستقي منها الإنسان حيث كان، وفي أي زمان ومكان، إنها تحلل لنا كثير من الطبائع الإنسانية، التي تتعدد في شخوص أبطاله، ويظهر لنا جوانبها الغامضة ....فكان في إبداعه فيلسوف يكتب الرواية، أو روائي يتفلس، أحب الفلسفة، وألتحق بجامعتها، فكان لها جانب عظيم في تكوينه الروائي ...قرأته فيلسوفا، قبل أن أقرأه روائيا، وقد أتبع أسلوبا خاصا، في كتابته، كانت فلسفته متناثره سهلة مقبولة ممتعة، فليست رواية فلسفية تقف أمام رموز وشفرات غير قابلة للتحليل والفهم، أو فهمها يقتصر على فئة بعينها من المثقفين، إنما جعلها سهلة في متناول الجميع، ويستمتع بها كل قاريء، قد يكتب الرواية فيلسوف، ويكتب الروائي فلسفة، فينتقل بك من عالم التعقيد إلى عالم السهولة والمتعة، فيكون الإبداع مضاعف، والمتعة مضاعفة أيضا، ينقل لنا عوالم ليست موجودة إلى ساحة الوجود، ينقلها بعقل الأديب الذي يهوى الفلسفة، أو الفيلسوف الذي يهوى الأدب، ويرى أنها منفذ الإنسان إلى الإنطلاق من عقال الفكر المحدود إلى الفكر الحر، الذي لا يتقيد بقيود الزمان والمكان، الذي يسبح في عالم الملكوت، لا يقف عند حد، طالما أن هناك خيال خصب يقف ورائه، فهو حين يكتب فهو السيل، الذي لا ينقطع، فيشق أودية وأنهار وروافد كثيرة أخرى، وتثمر من قريحته تلك الأعمال الخالدة، فيها من الفلسفة والأفكار التي تنهال على عقل، فيه من البساطة ما يعجز عن نقلها الكثيرين، ويؤسرك بعذوبة الكلمة، ويأخذك سريعا إلى عالمه، فلا يجعلك تلتقط أنفاسك، لتلحق بمجريات الأحداث، والشغف الذي تستشغره حين تقرأه، فلا شك أن دراسة الفلسفة، جعلت لنجيب محفوظ مكانة، لا يرقي إليها غيره، روائي منحته خيالا فيّاضا، وفتحت له مجاهيل عوالم، لا يطرأ إليها من لم يدرس الفلسفة وعلومها، لك أن تقرأ له أي رواية أو أي قصة قصيرة، حتى تجد ذلك الفيلسوف وراء قلم الروائي الكبير، ويملي عليه ما يوحيه عقل الفيلسوف. وما هي الفلسفة؟ غير البحث في عالم ما وراءالماديات، فهو ينقل لنا عوالمه الفلسفية وأرائه الوجودية، يخلق لها أجنحة ويصنع منها أرواح وأجساد، ينقل لنا مشاعر وأحاسيس تتفاعل مع الوجود، تأخذ منه وتعطي، فهو المثل الحي لفلسفته التي يخرجها على لسان أبطاله.