كثير ما يستبد بالناس عادات وتقاليد خاطئة، فهم يفعلوها بحكم العادة، التي ألفوها عن السابقين، ولو وقفوا عندها وقفة المتأمل العاقل، لوجدوا أنها تنافي العقل والمنطق، وتنافي الدين، وتنافض الشريعة، والكثير من الناس، لا يريد أن يقف في مواجهتها، لأنه لا يريد أن يكف عن إتيانها وفعلها، فالعادة أحيانا كثيرة تكون قوية، تستبد بالنفس، عندما يعتادها الإنسان، والقليل من يجرؤ على مخالفتها أو الإقتلاع عنها وتركها، فللعادة سلطان يتحكم، فهو يأمر وينهي، ولا قدرة على عصيانها، وفي حياتنا الكثير من العادات الخاطئة، التي يجب أن نجتثها من حياتنا، ونفك هذا القيد، الذي يحجب عقولنا، ويكبل مشاعرنا، ونطأطأ الرأس أمامه، معلنين عن ضعف وقلة حيلة. فصعوبة الأمر تكمن في جرأة الجهل، وغفلته ووثوقه بنفسه على غير علم منه بجهله، ولا دراية، فهذا هو المعجز في الأمر، الذي يجعلنا نقف أمامه أيضا في حيرة، فليس له مدخل ننفذ إليه، ولا قناعة تستطيع بها أن تناقش وتقنع وتصحح، إنه يتشبث بما يرى، ولا يزحزحه عقل ولا منطق عن اعتقاده، وفي الحقيقة إنه ليس اعتقاد بقدر ما هو عبودية مقنعة في ثياب وقار زائف، ينخدع به من لا يبصر بعقله، وما الحل إذن؟ الحل أن زوال هذا السلطان والهيمنة عليه، لن يكون إلا بالعلم، وليس في جيل هؤلاء الذين يتشبثون به، ويطوفون حوله مهللين مكبرين، لأن عقولهم أصبحت صلدة، ولا قدرة لديها على التغيير أو التفكير، ثم إنها شاخت على وضع، من الصعب أن تتنازل عنه أو تتركه، فهو ملتصق بها يعيش فيها، تشترك في تكوينه، فالجيل اللاحق هو من نعقد عليه الأمل في التغيير ونعول عليه في هذا الأمر، والتخلي عن العادات السيئة، التي عاشت طويلا تحكم وتقضي بين الناس بغير منطق، جيل يعاني من أجل هدف أسمى، هدف يغير مجرى تاريخ لم يتحرك منذ عقود مضت، لأن الخوف كان يتملكهم ويمنعهم من أن يمضوا، ظنا منهم أن الموت قادم إثر ذلك التغيير، فهو الجسر إلى الخلاص من ربقة عبودية، ظلت طويلا تقيد بسلاسلها أعناقهم وأقدامهم، فقد كانت تبطش بكل نور يسلط عليها، لئلا ترى قبحها، فيُصدموا بها، وتنكشف عورات عقولهم، فيعلموا أن حياة كاملة، صارت في الإتجاه المعاكس، وأن السراب خدعهم وهيأ لهم أعمالا باطلة، لتبدو على حق، يتبعوها ويقتدوا بها، ويسلكوا طريقها كما سلك آخرون. فالجيل الجسر هو من يحمل على عاتقه ذلك الدور الخطير، غير مأمون العواقب بين كثرة غالبه، وقلة تملك سلاح لا يؤمن به الفريق الأخر من طرفي المعركة، وبدلا من أن يشعر بالعجز أمامه، ويقف لغير جدوى، ولا قناعة، فله أن يلتفت إلى الغد، وأن يترك الأمس على ما هو عليه، حتى ينتهي بنفسه وينضب، وينتهي بالتدريج حتى يفنى غير مأسوف عليه.