إن الاستبداد السياسى داء دوى ٬ وليس أسوأ منه إلا تجاهل أثره والتعامى عن خطره! وللشورى مفهوم غامض عند بعض المتحدثين الإسلاميين ٬ ومفهوم مضاد لحقيقتها عند بعض آخر ٬ ولو وقع زمام الأمور فى أيديهم لأعادوا حكم الملك الغورى فى القاهرة ٬ أو السلطان مراد فى الآستانة. وأحدهم ذكاء من يعيد السلطة لصاحب الكلمة الفاجرة: "`أمير المؤمنين` هذا ٬ فإن هلك فهذا ٬ فمن أبى فهذا" مشيرا إلى سيفه!! وهذه الميوعة فى مفهوم الشورى الإسلامية لا تزيد المسلمين إلا خبالا وفوضى.. وسببها قلة الفقهاء أو انعدامهم فى ميدان الدعوة ٬ وازدحام هذا الميدان بذوى المعلومات الكاسدة أو التجارب القليلة أو الحماس الأجوف.. إن المفروض فى الشورى أن تقى الأمة سيئات شتى.. منها إعجاب الغبى برأيه ٬ ورغبته فى فرضه على الناس وقديما قيل: من البلاء أن يكون الرأى لمن يملكه لا لمن يبصره ٬ وقد نفذ هذا فرعون عندما قال لقومه: `ما أريكم إلا ما أرى`. ومنها أن المستبدين يضعون أنفسهم فوق المسئولية ٬ إنهم يخطئون الخطأ الرهيب ٬ فإذا افتضحوا كان غيرهم غالبا كبش الفداء ٬ والشورى إذا لم تق الأمة هذا البلاء فلا معنى لها. إن كل المصائب التى تحيق بالعرب الآن سببها هزيمتهم سنة ٬1967 والغريب أن صانع هذه الهزيمة أو بطلها الفذ لم يوجه إليه لوم ٬ أو ينسب إليه عيب. والحكم الفردى عظيم المهارة فى التحريف والتزييف والنجاة من التبعات..! ومن ميزات الشورى أنها ترد الحاكم إلى حجمه الطبيعى كلما حاول الانتفاخ والتطاول ٬ والجماعات البشرية السوية ٬ فيها رجال كثيرون يوصفون بأنهم قمم. أما البيئة المنكوبة بالاستبداد فدجاج كثير وديك واحد ٬ إن ساغ التعبير!! ومقابح الاستبداد بعيدة الآماد ٬ ومع ذلك فإن بعض المتدينين مصاب بالرمد المزمن فهو لا يراها ٬ وإذا تلا نصوص الشورى فى دينه قال: ثم للحاكم أن يمضى على رأيه لا على الشورى! إن التقادم لا يسقط الإثم ولا يغير قبح الجريمة ٬ والتقاليد الرديئة لن يخفف من رداءتها أنها ميراث العصور ٬ وقد كان الاستبداد الفردى أخبث التركات التى آلت للاحقين من السابقين. ومع تطور نظام الحكم انداحت الدائرة التى يبسط الاستبداد فيها أذاه ٬ ربما كان هذا الاستبداد لا يعدو قطعة أرض كالتى كان `كليب ` يضع عليها يده ٬ ويلقى فيها بجرو ينبح فيعلم الناس أن هذه البقعة أمست حكرا على `كليب `..!! حتى جاء هذا العصر فأصبح الاستبداد قدرة حاكم أو جهاز حكم على فرض الإلحاد قسرا وأخذ الأجيال الناشئة به طوعا أو كرها ٬ كما يفعل الشيوعيون حيث يحكمون، أو قدرة حاكم على تزوير الانتخابات العامة ٬ وجعل الكذب الوقاح عملة متداولة شائعة ٬ ينظر إليها الكبار والصغار وقلوبهم منكرة وألسنتهم معقودة. وبذلك يستقر الإفك وينهار الخلق وتمتلئ الحياة العامة بالوصوليين من أهل الجراءة وبالبرادع من أهل الزلفى!. وقد ملأ الحكم الفردى أغلب الأقطار قديما وكافحت شعوب عظيمة حتى نجت منه. وإن دفعت الثمن غاليا حتى استردت حريتها وكسرت قيودها.. وشهدت الإنسانية عصرا من الشورى على عهد الخلافة الراشدة ٬ كان الحاكم فيه نموذجا رفيعا للإنسان الطيب المتواضع ٬ اللين الجانب ٬ الرحيم بالناس ٬ السليم من علل التطلع والكبر ٬ الذى يرى الكبير أبا والصغير ابنا والباقين إخوة. الملتزم بقوله تعالى: `تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا` . ولم تقم للشورى يومئذ أجهزة دقيقة لأن طبيعة الحياة كانت تقوم على البساطة.. ومع ذلك فإن أرقى ما وصل إليه `الغرب` فى حضارته الإنسانية ٬ أو فى فن الحكم ٬ لم يزد عما حققته الخلافة الراشدة من أربعة عشر قرنا.. قرأت حوارا بين الرئيس كيندى الرئيس الأسبق للولايات المتحدة وبين ممثلى بعض الصحف الأمريكية ٬ قال فيه صحافى يتحرى الحقائق لأكبر زعيم فى العالم: مستر كيندى ٬ هل رحلة زوجتك إلى أوروبا على نفقتك الخاصة أم من مال الدولة..؟ وأدلى `كيندى` بما عنده دون تأفف.. وذكرت للفور حوارا مماثلا دار بين عمر بن الخطاب وسلمان الفارسى: قال سلمان لعمر بن الخطاب: نرى ثوبك طويلا سابغا وكلنا كميش الإزار ٬ ما حصل أحدنا إلا على ملبس قصير فمن أين لك هذا؟ وأحس عمر كأنه متهم باستغلال الحكم فقال: قم يا عبد الله بن عمر فحدث الناس... وقام عبد الله يقول: إن نصيب أبى من الثياب المفرقة لم يكن بغنية لأنه رجل طوال ٬ فمنحته نصيبى ليكمل حلته..! واتضح الموقف ٬ وقال سلمان: الآن قل نسمع!!.. لقد وصل الغرب إلى ما وصل إليه من حرية على جسر من الدماء والأشلاء ٬ أما العرب فإن الإسلام منحهم هذا الطراز من الحكم هدية من السماء ٬ وليتهم قدروا ما نالوا وصانوه! على أية حال إن طريقة الإسلام فى إدارة دفة الحكم هى التى جعلت الشعوب تفتح ذراعيها له ٬ لأن الحكم كان عبادة لله ٬ ولم يكن شهوة منهوم إلى العظمة ٬ أو مفتون بالسلطان.. وإدراك أن الحكم مسئولية مؤرقة هى التى جعلت الخليفة فى المدينةالمنورة يعد نفسه مسئولا عن أطراف الدولة البعيدة حتى قال عمر: لو عثرت بغلة فى العراق لحسبت عمر مسئولا عنها لِمَ لَمْ يسوِّ لها الطريق… ثم جاء من رأى الحكم غنيمة تكثر فيها الأرزاق ٬ كما حكوا عن هارون الرشيد ٬ أنه رأى غيمة مارة فقال لها: أمطرى حيث شئت فسيأتينى خراجك! ثم جاء عبيد يرفلون فى النسيج الغالى ويتطلعون إلى ما هو أنعم كما قال أبو الطيب فى أحدهم: يستخشن الخز حين يلبسه وكان يبرى بظفره القلمُ!! والويل لأمة يكون الحكم فيها شهوة مريض بجنون العظمة ٬ أو شهوة مسعور باقتناء المال..! وفى ديننا نصوص كثيرة ترفض الرياسة ٬ والحرص على الإمارة ٬ وتوصى بحرمان عشاق المناصب من المناصب التى يعشقون. وفيه ترهيب من استغلال النفوذ ٬ وجعل الحكم مصيدة للثراء سواء كان ذلك للمرء أم لأقاربه.. وفيه تخويف من الظلم ٬ والاستهانة بآلام العامة ٬ وإيصاد الأبواب دون مطالبهم. وحسبك أن من ولى أمر عشرة من الناس جىء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه ٬ فَكَّهُ عدلُه ٬ أو أوْبَقَهُ جَورُهُ. ومع هذه الآثار الحاسمة فإن التقاتل على الإمارة كان سمة ملحوظة فى تاريخنا. ولم يكن ذلك بداهة تنافسا فى مرضاة الله وخدمة عباده ٬ بل كان تنافسا على حطام الدنيا ومتاعها المدبر!! وعانت الرسالة الإسلامية والجماهير الإسلامية من سيطرة السفهاء. وما آل إليه أمرنا فى هذا القرن من سقوط الخلافة وعبودية الأمة فى القارات كلها هو النتيجة المحتومة لذلك العوج. إن الاستبداد السياسى فيما رأينا من قريب ومن بعيد ليس عصيانا جزئيا لتعاليم الإسلام ٬ وليس إماتة لشرائع فرعية فيه ٬ بل هو إفلات من ربقته ودمار على عقيدته..! وإنى والله أشك فى إسلام عدد كبير من حكام المسلمين ٬ بل فى إسلام عدد ممن حملوا ألقابا دينية لها رنين وبريق ٬ وأعتقد أن بقاء الكفر فى الأرض ٬ والزيغ فى شتى الأفئدة ٬ يرجع إلى مسالك أولئك الذين شانوا تاريخنا ولوثوا دعوتنا ٬ وأعزوا من أذل الله وأذلوا من أعز الله… ولكى يستبين وجه الحق فيما أقول يجب أن يعرف أن كلمة التوحيد كما تعنى إفراد الله بالعبودية تعنى أيضا ما يسمى فى عصرنا بحقوق الإنسان وكرامات الشعوب. منها فَهِمَ عمرُ أن الناس يولدون أحرارا فليس لأحد حق فى أن يستعبدهم وأن البشر عبيد أمام الله وحده ٬ وسادة أمام غيره فما يسوغ أن يتلاشى وتذوب ذاته أمام إنسان مثله ٬ فكيف يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله؟ ولماذا تنشأ أوضاع يكون الولاء فيها لشخص ٬ يهاب أكثر مما يهاب الله ٬ ويرجى أكثر مما يرجى..؟ إن الاستبداد السياسي صنع هذه الأوضاع وحماها.. قبر تحت ترابها الأخوة الإنسانية والدينية فليس ثم إلا فرد يرغب ويرهب وآخرون يزدلفون ويرتقبون ٬ ومراسم غريبة لوثنيات سياسية أعقد من الوثنيات التى اختلقتها الجاهليات الأولى. أما وجه الله وحكمه ٬ فشئ يجئ فى المرتبة الثانية إن جاء… إن عبادة القصور على امتداد العصور ديانة خسيسة خلقها الحكم الفردى ٬ وزحم محاريبها بالأقزام والأفاكين.. وهى ديانة زاحمت الإسلام الحق وهزمته فى ميدان الحياة العملية وجعلت العبقريات تتوارى والإمعات تتكلم بصوت جهير!! حدود السمع والطاعة بين الحاكم والمحكومين 1 من أمارات الإحكام فى شئون الجماعة والدولة ٬ أن تنتقل الأوامر من الرؤساء إلى الأطراف ٬ كما ينتقل التيار من المولد الكبير إلى الأسلاك الممتدة ٬ فلا يقطع نوره خلل ولا يرد قوته قطع أو خبل. إن الجسم المعافى تستجيب أعضاؤه "للإرادة" التى تنقلها الأعصاب من الدماغ المفكر فيتحرك أو يسكن وفقها. ولن تعجز الإرادة عن بلوغ أهدافها إلا إذا اعتل الجسم ٬ وأصيبت أجهزته بالعجز والشلل. والمجتمع الصحيح كالجسم الصحيح يشد كيانه جهاز دقيق ويضبط أموره نظام محكم ٬ وتتعاون ملكاته العليا وقواه المنفذة تعاونا وثيقا يسير به فى أداء رسالته كما تسير الساعة فى حساب الزمن. وقد وضع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قاعدة هذا النظام المتجاوب وجعل القيام عليه من معالم التقوى ٬ فإنه لن يستقر حكم ولن تصان دولة إلا إذا سادتها الطاعة والنظام. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: `من أطاعنى فقد أطاع الله ٬ ومن عصانى فقد عصى الله ٬ ومن أطاع أميرى فقط أطاعنى ٬ ومن عصى أميرى فقد عصانى`. وقال الله عز وجل: `أطيعوا الله ` أى: اتبعوا كتابه. ` وأطيعوا الرسول ` أى: خذوا بسنته. `وأولي الأمر منكم` أى: فيما كلفوكم به من أمور تخدم الكتاب والسنة. وطبيعة الحياة عندما فرضت خضوع الجسم للعقل إنما بنت هذا لمصلحة الجسم والعقل جميعا ٬ على أساس أن العقل يصدر عنه ما يضر الجسم أو يؤدى به إلى التهلكة. فإذا استحمق امرؤ وشرع يخلط ٬ حجرنا عليه فورا ٬ إنقاذا له من شر نفسه وإنقاذا للجماعة منه. كذلك اطردت فطرة الله فى شئون الحياة كلها: فقوانين السمع والطاعة التى سنها الإسلام ٬ بل التى وضعتها نظم أخرى وطبقتها بصرامة ٬ لم يقصد بها إلا حفظ المصلحة العليا للجماعة ٬ فكأنما أملت بها غريزة البقاء وضرورة الحياة. ولا مجال البتة لجعلها متنفس هوى جامح أو شهوة عارضة. وعندما شرع قانون السمع والطاعة لم يفترض فى الأطراف التى تمثله إلا قيادة راشدة تنطق بالحكمة وتصدع بالحق وتأمر بالخير ٬ ثم جنود يلبون النداء ويمنعون العوائق ويتممون الخطة. وبذلك تنتظم دورة القانون فى الأمة كما تنتظم دورة الدم فى البدن فتستقيم الحياة وتستقر الأوضاع. أما الطاعة العمياء لا لشىء إلا لأن القائد أمر ٬ وأمره واجب الإنفاذ ٬ فذلك منكر كبير وجهالة فاحشة لا يقرها شرع ولا عقل. روى الإمام أحمد فى مسنده قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم الرجل فى شىء تبرم بسيرتهم معه فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعونى؟ فاجمعوا إلى حطبا.. ثم دعا بنار فأضرمها فيه ٬ ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها. فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ٬ يعني: كيف تقادون باسمه إليها.؟ لا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها. فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه. فقال لهم: ` لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا. إنما الطاعة فى المعروف `. لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا. هذا الترهيب الغليظ يستأصل جذور الطاعة العمياء من نفوس الأتباع جميعا ٬ ويجعلهم يحملقون فيما يصدر إليهم من أوامر ٬ فلا يكونون عبيدا إلا لله ولا جِثِيا إلا للحق. إنما استكبر من استكبر من الفراعنة والجبابرة لأنهم وجدوا من الرعاع من يسارع إلى إجابة أهوائهم وإطاعة نزواتهم دون بصر أو حذر فعتوا فى الأرض وعلوا علوا كبيرا… ولو أنهم عندما أصدروا أوامر يمليها الغرور وتنكرها الحكمة وجدوا من يردها عليهم ويناقشهم الحساب ٬ لتريثوا طويلا قبل أن يأمروا بباطل. والثقة خصوصا فى أهل الدين تغرس حسن الظن فيما يأتون ويذرون ٬ وتجعل المرء يتلقى توجيههم بالقبول الحسن فهو ينزل عنده مطمئنا إلى أنه يطيع فى المعروف. ونحن لا نلوم إنسانا على نقاوة صدره وليونة طبعه ٬ ولكن المؤمن لا يأذن لأحد أن يستغل هذه الصفات النبيلة فيه ليجعل منه شخصا طائش القياد ضرير العين والقلب. وفساد الأديان الأولى جاء من طراوة الأتباع فى أيدى رؤسائهم وتحولهم مع مبدأ السمع والطاعة إلى أذناب مسيرة ٬ لا فكر لها ولا رأى. روى أنه لما نزل قوله تعالى: `اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله` قال عدى بن حاتم معترضا: إنهم لم يعبدوهم ٬ فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم : `بلى ٬ إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ٬ فاتبعوهم فتلك عبادتهم إياهم`. فانظر كيف غدت الاستجابة العمياء شركا ٬ وكيف استغلت الثقة لتغيير أحكام الله وإضلال عباده عن الصراط المستقيم. إن الفراعنة والأباطرة تألهوا لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعى. والأحبار والرهبان والبابوات تألهوا كذلك ٬ لأنهم وجدوا رعايا تمنحهم الثقة المطلقة وتلغى وجودها الأدبى أمام ما يصدرون من أحكام. والشعوب التافهة فى كل زمان ومكان هى التى تصنع المستبدين وتغريهم بالأثرة والجبروت. وقد بلغ من حمق العامة فى بعض أدوار التاريخ المصرى أن قالوا: الحماية على يد فلان خير من الاستقلال على يد فلان!… لو رشح فلان حجرا لانتخبناه… إن الحب المكين شىء واحترام الحقيقة المجردة شىء آخر. ولشعب ما أن يعشق زعيمه وأن يصوغ فيه قصائد الغزل. بيد أنه لا يسوغ أن يتطور به هذا الحب حتى يحاكم الحقائق إلى شخصه بدل أن يحاكم شخصه إلى الحقائق. ومن قديم عرف المصلحون والأئمة أن السمع والطاعة وسائل لابد منها لسير الأمور وبلوغ الغايات. ونحن لا نمارى فى المبدأ بعد ما شرحنا أصله فى صدر حديثنا ٬ وإنما نحذر من الزوائد الخطرة التى تنضاف إليه وتتوسع فيه وتقتل الحقيقة والحرية باسمه. إن الإسلام لم يشرع قانونا ينتقص من "الاستقلال الشخصى" لأى إنسان أو يغض من "حريته الفكرية". ألم تر إلى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فى أسرى بدر؟ لقد استشار أصحابه ما يصنع فيهم؟ فما حاول أحدهم أن يتعرف رأيه ليتملقه بتأييده ٬ بل أدلى كل منهم بما يراه الحكم الصحيح فى القضية المعروضة وسار كل وفق طبيعته الخاصة. الحليم يعرض العفو ٬ والحازم يعرض العقاب ٬ ولا يعنينا أن نعرف هنا من أخطأ أو من أصاب. وفى السيرة شواهد شتى لما كان عليه السلف الأوائل من أصالة نظر ٬ وحرية فكر ٬ مع ما أثر عنهم من حب عميق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما أخذ عليهم من مواثيق السمع والطاعة.