طهر قلبك... وما الذي في قلبي؟ ما الذي علق به حتى جعل العطن يصيبه ورائحة العفن تفوح منه ما الذي سدَ منافذه، وألقى الأحجار في دروبه، وجعله على هذه الهيئة من القبح، كيف أطهره إذن؟ هل أطهره مني؟ مما أريد؟ مما غرسه الله فينا؟ أتخلص من طبيعتي، كيف أطهره؟ أأنسى أني بشر ذو ميول وأهواء؟ نزوات وشهوات، أنتزع الحقد من نفسي، أجتث كل الشرور من داخلي. كنت أتسال فيما بيني وبين نفسي، إذا كيف أكون وأن أحول نفسي لآخر، لا بد من التطهير، أن تدفن أشياء، وتُعلي أشياء، أن تسمو، وأن تغتال، تُحيي وتُميت، تحيي ما خفت أو كاد يموت منك، وأن تميت ما يتضخم كالجبل فيك ..طهره من براثن الخطيئة، أمحو الشهوات، وأرقب ما يولد فيك من جديد وأعتني به، إنها تحتاج إلى همة، تشمير، عمل دءوب، صوم متواصل كي تواصل، أن تعرف كيف تقبض على لحيتك، تأخذ بها وترقى ....طهر قلبك ....كنت أحاول أن أمتثل لما يقولون، لكني عجزت أن أكون، أن أطهر غرفاته، ففيها تتعلق أشياء كثيرة، كلما هممت في ساعة ما أن قلبي قد صار، تطهر، علمت أن قلبي يجف، وأن قلبي ليس بقلبي، وأني لست أنا أعود فأتذكر أعرفني عن قرب، أستعيب ما تحدثني به نفسي. وعن الحُجُب الكثيفة التي تعيق قلبك، إنها تحجب الضوء عنك، النور لا يستطيع أن يدخل، أفتح كل نوافذ قلبك للضوء، القادم لأشعة الشمس كي تنير غرفاته المظلمة، الستائر التي تحجبها كثيرة، أبدأ أن تُزيلها، لا تتقاعس عن إزالتها، فهي التي تقف عائق ..كيف أزيل الستائر الكثيرة الكثيفة، أزيل الظلام أفتح للنور طاقة أمل، كي يعم، ينير كل الغرفات ..كرر الشيخ: طهر قلبك ..كيف أُزيل وكيف أطهر؟ كانت الكلمات تدور في رأسي والمعاني تجوب فيه، تأخذ الكلمات شكلا أخر ومعاني جديدة لم آلفها من قبل، لا تنظر للصورة، فالصورة مظهر، لا تعطي للشكل كبير اهتمام، أنظر للمعنى للجوهر، كيف يكون المعنى بلا كلمات تُرشد، تُشير إلى المعنى، كيف أسعى إليها تصلني إدركها بعقلي، لا أعرف كيف يكون المعنى صامت لا يتكلم، معنى أبكم لا يدور على الألسنة، تتلقاه العقول يُفرز ويفهم كل ما يقال، فصمت المعاني لا أدركه، وربما فهمته على غير المراد ...طهر قلبك.... تصل إلى كل معنى لا تسمعه. تشعره تُحس به، تمتلأ به أركانك.. إن قلبك لا يريد أن يتطهر، حاولت أن أمحو كل أدرانه، لم يستجيب، قلبي أيضا تائه، لا يطاوعني، كثيرا ما يخالفني فيما أحب وأكره، كلما قلت له أن شيء ما لا أريده يعذبني، كأني أقول له أن يُحييه، إنه يخالفني، يحب ما أريد أن أبتعد عنه، ويبعد عما يصلني بحبه حدثته حديث العقلاء، لا يؤمن إلا بنفسه وأهوائه، كم مرة ألقي بي إلى المهالك. وقد نجوت بأعجوبة، ثم هو يلقي بي مرة بعد مرة، لم يتعظ، لا يفهم في أمور العقل والمنطق، حتى يأست منه من طاعته لي، وأن يأتمر بأمري، كيف أطهر من يعصيني، من يتجهم لعقلي، قالوا لي أن حبك الشي يُعمي ويصم، ولا بد لي من هذا وذاك، يأخذوني بجريرته كل مرة، هو يفعل ما يريد، وأنا أدفع الثمن ربما باهظا، يسحبني خلفه، ثم هم يقولون لي إنك من تفعل، كيف أحب من يضرني. من يؤرقني. يميتني. لبست المرقعات. طلقت الدنيا، زهدت، جافيت قلبي سنوات، خاصمته أقمت الجدر بينه وبين كل ما يرغب، عانيت الامرين في البعد عنه، أسودت الحياة، وكل شيء في عيني، لم يعد للحياة طعم، ذبل الجسد وضعفت الروح بضعف الجسد، لم تنتهي الحيرة، زادت وكثرت وصار الأرق مضاعف، تنوع وأزداد وعلا كل شي يقع تحت عيني، ولم يعد هناك سر، إنما الجوع المضني زاد على جوع الروح، جوع الجسد. وتراكمت الاضطرابات والقلق فاق الحد وأصبحت هلوسات، وظننت أن الموت القادم، بسبب جسدي النحيل، فهو المركب لعالم النور، طوق النجاة للروح، بعد أن أخلع ثوب الجسد الفاني، الذي يحجب النور، وأشعة المعرفة، فالمعرفة كمال في باطن النفس، كانت الخرقة خرقتان، خرقة فوق الجسد البالي، وخرقة في القلب، تمنعه من أن يتطهر، تعيث فسادا أبديا بداخله، تمحو كل حسن، وتنشر القبح، فلا يتطهر سنوات، وأنا أحرث فيها، فالأرض بور، كما قالوا لي بعد ذلك، والقلب مغلق كما أنبأوني، لماذا لم يخبروني من البداية، تركوني أزرع في أرض بور، وجعلوني أنتظر الحصاد، أبذر وأسقي وأهيأ، سنوات من التعب للوصول، ثم يخبرني بأن الأرض مالحة غير صالحة، هل كانوا مثلي، الأن لهم قلوب مفتحة الأبواب، لكل نور يريد الخروج، أما أنا فالباب موصد، وأقفال لا تفتح، ليس لها مفاتيح، ضاعت ضلت الطريق. أحتل القلب قبح لا ينتهي وأرق لا يزول، وسأظل كما وصموني، وكيف لقلب مغلق أن يحب، أن يقف أمام الزهور، يتملى الجمال، يتنفس عطر الحياة، يذوب من الشوق يتابع العصافير، وزرقة السماء، ويحب العشب الأخضر، وفي العصاري يتأمل رحلات الطيور العائدة، كيف يقف في وجل أمام كل حسن، يشعر بأنه يمتلأ به، يقولون إنه بلا قلب، وآفته الكبرى أن له قلب كبير، يسوقه نحو كل جمال، يدفعه بكل قوة إليه، أيكون قلب غيره، يسكن صدره، يسوقني نحو الحقيقة، الوصول هو الذي استنفر نفسي لترحل، لتبحث كيف يكون كل هذا خداع وهم.