الحب تلك الكلمة الساحرة التى تذوب عندها خلافات البشر وتموت وقت سماعها آفات الشر، وتحيا لها الآمال وتطيب لها الحياة وتهنأ بها الدنيا.. تلك الكلمة التى أقامت ممالك، ووحدت أمماً، فها هو قد سرى فى جسد أمة الإسلام فشد نسيجها وهى تحبو حتى تسنمت الدنيا، وصارت أجمل منارة فى أعظم حضارة، ذلك الحب الذى كان عنوانه الإيثار "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" زرعه أعظم الخلق فى القلوب فوحدها، ونبت فى الصدور فطهرها، ورأته العيون فتعففت عما يسوؤها وطربت لسماعه الأذان، وما عادت الدنايا تعرف طريقها إلى اللسان.. ذلك الحب الذى حصدت ثماره البشرية جميعها. ولكننا اليوم غيرنا وبدلنا وصار القبح عنوان كل شىء حتى أن معنى تلك الكلمة قد تغير وصار عيبا على من ينطق به، فلم يعد لنا من معانيه الجميلة حرفا وأصبحت ترتكب باسمه أبشع الجرائم وأقذرها، فها هو الأب يتجرد من أبوته وإنسانيته، وينتهك عرض ابنته ويقتلها فى أعز ما لديها، وهو ما كان حريصا عليه فى صغرها يعلمها إياه ويدفعها إليه، وها هو الابن يعاشر أمه ويستحل فرجها الذى خرج منه أعمى لا يرى فأضاءت له الحياة حتى كبر وطعنها فى شرفها، واستحل حرمة أبيه ورشق خنجر الذل والعار فى ظهره، وها هو الجار يستحل جدار جاره فيصعد بليل آثم ويقضى بأهله متعة آثمة لا يمحوها ندم أو تمسحها توبة، فيكشف ستر جاره ويضع رأسه فى الوحل ويدنس شرفه ويقضى على كرامته. وها هو رب الأسرة يستحل شرف ابنه ويطأ زوجته فيدنس سريره ويلتحف بلحافه، ويضع رأسه على وسادته ويقضى شهوته فى فرج لا يحل له فى كل دين وشرع وقانون، وتهتز أركان الأسرة وتختلط الأنساب ويصيح المولود بأى ذنب أتيت لدنيا كتب على فيها الذل والعار، وها هى بناتنا لا تسير آمنة فى شوارعنا فيخطفها المخمورون فى عز النهار ويغتصبها الغاصبون فيدمرون فيها أجمل ما لديها "عذريتها وكرامتها" ويجردوها من أعز ما لديها "شرفها" ثم يلقون بها عارية الجسد دون ثياب إلا ثياب المهانة والمرارة التى لا تمحوها الأيام والسنون. وعندما كنا نسمع عن تلك الكوارث كنا نعتقد أننا لن نرى أو نسمع أفدح وأقدح منها، ولكن السمع كره أن يسمع والبصر تمنى ألا يرى، فها نحن نسمع عن رجال دين أباء وكهنة وقديسين فى أوروبا ينتهكون براءة الأطفال ويلوثون ملائكيتهم ويقتلون فيهم حب الحياة، ويحولونهم إلى مسوخ لا معنى لها ولا قيمة ماتت فيها كل المعانى واندثرت عندها كل الأخلاق. وها هى العدوى قد انتقلت إلى بلد الأزهر وسمعنا عن "معلمين" تخلوا عن شرف الكلمة ورقى المهنة، وتحولوا إلى ذئاب وشياطين تمشى فى زى ملائكة فدنسوا الطهارة والبراءة، وحكموا علينا أن نعيش فى رعب على أبنائنا بعدما وضعناهم بين أيديهم أمانة يعلمونهم الفضيلة، ويزرعون فيهم الكرامة كما علمنا أبو البشر وأبناؤه من الأنبياء، فعمرت الأرض وطربت السماء لرؤيتها مزدهرة.. ولكن الدنس عم كل الأماكن وصرنا فى وحل لا نستطيع الخروج منه. وأرى أن ما فعله المفسدون من شياطين الأنس أكبر وبكثير مما حققه شياطين الجن على مدى الدهر، فهاهم يقضون على الشرف ويعلون شأن الرذيلة، وقتلوا أجمل ما فى المرأة، وهو الحياء والخجل باسم الموضة وصيحاتها، وأفضل ما يملكه الرجل وهو النخوة والرجولة باسم الحداثة والتمدن، فها هو يسمح لنفسه أن يرى العرى حوله فى كل مكان، ويرى زوجته وابنته تفترسهما العيون، ونسى أجمل معانى الشرف والكرامة، وتاه فى وحل الرذيلة، ونسى أن المعنى الحقيقى للحب هو كثير من الطهارة وقليل من الشهوة، وافتقد لمة الأسرة ودفئها، وما عاد ينطق بكلمة رقيقة أو يضع لمسة حانية أو يجد ابتسامة صادقة، أو يجد وقتاً لنفسه يخلو إليها وتخلو به يناجيها وتناجيه.. يعترف لها وتشكو إليه فى ظلام الليل وقتما يلهو اللاهون يذرف الدمع على ما قدم ويغسل ذنوبه فى مناجاة ربه ويطهرها فى ركعتين ويشحذ همته ويحيى نفسه بعدما ماتت. فيا عقلاء الأمة وأشرافها سوف تحاسبون على ما وصلنا إليه.. ستحاسبون على قنوات العرى والإباحية.. ستحاسبون لأنكم تركتم الفن ورسالته لمن لوثوه وحوروه وجعلوه سماً فى عسل أتى على ما بقى من غثاء الأمة.. وتحطمت جدرانها وتهدمت أركانها وخارت أثاثاتها.. أعيدوا الأمة إلى نصابها أقضوا على من أرادوا دمارها حاربوا من يحاربها باسم الفن والإبداع، ولا تخافوا من اتهامات التخلف والرجعية، فمرحبا بالرجعية إن كانت هى سبيل الطهارة والعفة والشرف. وعلموهم أن الحب الذى عاشت عليه البشرية ليس كما يدعون ليس كحب آدم وحواء الذى جاب الأرض بحثاً عنها، وليس كحب الخليل إبراهيم لسارة وهاجر وإسماعيل وإسحاق، وليس كحب زليخة ليوسف الصديق وبه عرفت الحب الربانى، وليس كحب موسى زوجتيه ابنتى شعيب عليهما السلام وليس كحب عيسى أمه العذراء مريم، وأبداً ليس كحب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لخديجة وبناتها رقية وأم كلثوم والزهراء فاطمة وولديها الحسن والحسين، وحبه للقاسم وإبراهيم أبنائه، وليس أبداً كحبه لأم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها، فليس الحب أبداً ما فرضوه علينا، وما هيجوا به الغرائز والشهوات فتعالوا بنا نعلى للحب كرامته، ونحيى كلمات ماتت من قواميسنا مفادها ترقيق المشاعر وإرهاف الأحاسيس، فلنعيد كلمات الخيال والهوى وطيف الحبيب وطرف الرداء ولون السماء ونور القمر، وننسى العيون والرموش والخدود والشفايف وما هو أبعد من ذلك.