بقلم د. رفيق حاج هنالك "فوائد" نجنيها من الغضب: كإبراز فوقيتنا، وتبرئة ساحتنا والقاء التهم على الآخرين، واجبار المحيطين بنا على التمشي مع افكارنا والوقوف الى جانبنا، وبناء هالة من حولنا تخيف الآخرين من الاقتراب منا نحن نغضب لأسباب عديدة منها : الارهاق والألم والجوع والمرض والاضطرابات النفسية وغيرها من الاسباب. الغضب هو ردة فعل عاطفية من الصعب اخفاؤها، فهي مقرونة عادة بتقطيب الوجه، وارتفاع ضغط الدم وازدياد خفقان القلب وتقلّص بؤبؤ العين، وانشداد العضلات والعدوانية. عندما يخوض الإنسان تجربة الغضب تتوتر عضلات جسمه، ويقوم مخه بإفراز مواد تسمى ب (Catecholamines) تسبب الشعور بوجود دفعة من الطاقة تستمر لعدة دقائق، وفى نفس الوقت يتزايد معدل ضربات القلب، ويرتفع ضغط الدم، وتزداد سرعة التنفس واحمرار الوجه لاندفاع الدم في الأعضاء والأطراف استعداداً لرد الفعل الجسدي. هنالك الكثير من "الفوائد" التي يمكن ان "نجنيها" من الغضب واهمها : ابراز قوتنا وفوقيتنا. فابداء الغضب يهبنا الاحساس أننا "الأقوى" و "الاحسن" و"الأكثر إنصافا" من الذين نغضب عليهم. عندما نغضب نحن نُلقي بالمسؤولية على الآخرين ونبرّئ ساحتنا ونسلّط الأضواء على عورات الآخرين ونتستّر على عوراتنا. فهم المذنبون ونحن الأبرياء، هم الذين يسيرون في الطرق ملتوية ونحن نسير في الدرب المستقيم. عندما نغضب نحن نُجبر الآخرين على التمشي مع افكارنا والوقوف الى جانبنا، وهذا طبعا يصبّ في مصلحتنا. بغضبنا نستطيع ان نستنفر الآخرين ونجنّدهم لخدمتنا عن طريق التخويف والتهديد والوعيد بالعقاب الشديد. عندما نغضب أيضا نحن نبني هالة من حولنا تخيف الآخرين وتجعلهم يخشون الاقتراب منا، فهم يدركون جيدا ان اقل محاولة للمسّ بنا سيتلوها انفجارٌ حتميٌ. هنالك اعتقاد خاطئ وشائع لدى الناس بأنه ينبغي علينا ان نَدع الغاضب "ينفّس" غضبه، وبعدها سيروق ويحاسب نفسه ويستعيد رشده، فنسمح له ان يزعق في وجهنا أو يكسّر الصحون أمامنا أو يركل الباب او يقلب الطاولة. للاطباء النفسيين رأي مخالف تماما، فهم يعتبرون سماحنا للغاضبين بالتعبير عن غضبهم بتصرفات عنيفة بمثابة منحهم شرعية لما يقترفونه. هنالك قصة معروفة عن شاب اعتاد ان ينفجر في وجه كل من يضايقه او حتى يخالفه الرأي، ولم تُسعفه بالخروج من هذه المحنة نصائح الأهل وتوبيخات الاصدقاء له، ولا حتى الاستشارة النفسية التي كان يتلقاها. عندما التجأ الشاب الى جدّه باكيا شاكيا بأن الفتاة التي أحبها قاما بطرده نهائيا من حياتها لإفراطه في الانفجار عليها، أوعز له الجد ان يقوم بدق مسمار في الجدار الخشبي المحيط ببيته كلما ثارت حفيظته. لقد استفاق الجدُّ نهار الغد ليجد خمسة وثلاثين مسمارا قد دُقّوا في الجدار، وفي اليوم التالي وجد ثلاثين مسمارا والذي بعده عشرين مسمارا الى ان توقّف الشاب عن دقّ المسامير، وعندما سأله جده عن سبب توقفه فأجابه بأنه توصّل الى نتيجة، ان السيطره على غضبه أسهل عليه من دقّ المسامير. عندها طلب الجد من الشاب ان يقوم باقتلاع المسامير التي اولجها في الجدار، وعندما قام بذلك، سأله جده "ما رأيك في مرأى الجدار؟ هل عاد الى ما كان عليه؟". بالطبع، كانت اجابة الشاب بالنفي لأن منظر الجدار كان قبيحا من كثرة القدوح به، وعندها فهم الشاب العبره وعدِل عن عادته بالغضب. ان الاضرار التي قد نلحقها بانفسنا وبالآخرين قد تكون غير قابلة للتصليح او التعويض. ان من أسأنا اليهم، قد لا يغفرون لنا ذنبا او ينسون ضررا الحقناه بهم حتى لو أبدوا ظاهريا أنهم قد عفوا عنا. للغضب تداعيات قد تكون خطيرة ومُهلكة وتجلب الويلات لمن ينتابه. فبعد ان يتأصل الغضب في أذهاننا فهو يتحوّل الى "كراهية". حيث نبقى غاضبين على فلان من الناس حتى لو لم يقم حينها بأيّ تصرّف يغضبنا، تتحول فيما بعد الى "حقد" الذي يشكل خطة تلقائية لإيقاع الضرر بمن نكرههم، وبعد الحقد يأتي الانتقام، الذي ينقلنا من المرحله النظرية الى المرحلة التنفيذيه. نحن لا نكتفي بالغضب وبكراهية من غضبنا عليه ولا بالتخطيط ض لإيذائه وانما نقوم بالانتقام منه جسديا. هنالك الكثير من الامثلة التي قام بها "الغاضبون" باضرام النار او الاعتداء جسديا او ثقب عجلات السيارة او سكب الحامض الحارق على وجه من يكرهونه. ان من يمتطي هذه الموجة فنهايته هي السجن لا محالة. عندما يقوم أحدهم بالغضب عليك، تذكّر انه يحاول التخلّص من ضيق انتابه ليلقيه عليك، ولذلك اذا قابلت غضبه بغضب مضاد، تكون قد ساعدته ان ينجح في مهمته وان يحقق مآربه. هنالك طرق عديدة للتغلب على ظاهرة "الادمان على الغضب". علينا ان نتذكر قبل كل شيء ان الغضب ليس هو البديل الوحيد الذي أمامنا وبإمكاننا البحث عن حلول أخرى لنيل "الثمار" التي قد يجلبها لنا الغضب، فهنالك الاقناع واللوم والتسامح والتجاهل والتجنّب او حتى الانقطاع. اذا كانت زياراتك لصديقك او لقريبك تجلب لك المتاعب وضيق النَفس فابحث عن صديق او قريب آخر يجلب لك الراحة، واذا كانت اختناقات السير تفقدك صوابك فاختر طريقا آخر قد تكون اطول مسافة لكنها خالية من الزحمة. علينا ايضا القيام بتقصي "مصادر الضغط" التي تثير حفيظتنا ونحاول ان ننتقل الى بيئة أخرى، فإن حاول أحدهم التحدث الينا عندما نكون مرهقين نطلب منه تأجيل ذلك بعد ان نرتاح من تعبنا, وان كانت الفوضى العارمة في غرفة الاولاد تضايقنا وتغضبنا فما علينا الا اغلاقها وابعادها عن اعيننا. كل ذلك طبعا لا يغنينا عن الاستشارة النفسية المهنية من قبل مختصين نفسيين الذين يعملون معنا على تنمية وتطوير مجموعة من الأساليب التي تجعلنا نغير من طريقة تفكيرنا وسلوكنا. لقد اثبت ايضا ان روح الدعابة هي خير مداوِ لانفجارات الغضب. لنضحك من كل مشكلة تُغضبنا ونهزأ بها قبل ان تهزأ بنا. قد يبدو الأمر صعبا لأول وهله ولكنه قد يصيب الهدف ويحمينا من عواقب الغضب الوخيمة. البريد الإلكتروني : [email protected]