عندما تنتاب الانسان لحظة غضب أو توتر عارضة فإن كيمياء الجسم تتغير بسرعة.. استعدادا لمواجهة الموقف.. فيرتفع ضغط الدم، وتتغير العصارات الهضمية والهرمونات، وغير ذلك من الاعراض التي لا تتفق اطلاقا مع توتر مؤقت او لحظة غضب طارئة. ومع تراكم هذه العمليات سنة بعد اخري تتحول الي مشاكل صحية معقدة.. من بينها الاصابة بمرض عضوي ينتشر بسرعة، اسمه الاجهاد، وهو مرض يختلف حوله الاطباء فيري البعض انه ينبع من عوامل نفسية او ارهاق جسماني، بينما يفترض فريق آخر ان اسبابه تنبع من عوامل بيئية مثل التلوث والضوضاء.. ويذهب آخرون الي حد اتهام فيروس غامض بمسئولية هذا المرض. ويحدد العالم الامريكي الدكتور روبرت البوت اهم اعراض مرض الاجهاد المعاصر في الاحساس بالاعياء، ومعاناة متقطعة من الارق وضعف الشهية.. واحيانا العجز عن التركيز وظهور نوبات من ضعف الذاكرة. ومع مرور الوقت، قد يأتي الاكتئاب ويرتفع ضغط الدم وعسر الهضم.. كما تحدث مشاكل بالدورة الدموية وتسارع دقات القلب. وهناك علاقة بين مرض الاجهاد العصبي، وبين ما يعتبره البعض مقدمة له، مثل الضغط العصبي والارهاق.. والعجز عن تفريغ شحنة الغضب الي الاتجاه الصحيح، مثل التأمل العقلاني في اسباب الموقف أو اعطاء الجسم فترة من الاسترخاء. والتغيرات الكيمائية التي تحدث اثناء لحظات الغضب، تعود جذورها الي عصور ما قبل التاريخ، عندما كان الانسان البدائي يواجه وحشا مفترسا.. فتتحرك جميع اجهزة الجسم لمواجهة الموقف، الذي ينتهي عادة بحالة من اثنتين، اما الاشتباك والصراع، او الهروب، وفي الحالتين يتم تصريف الطاقة التي عبأها الجسم بطريقة طبيعية. اما في عصرنا الحديث، فإن الاعراض القديمة عند مواجهة الخطر، تحدث عند التوتر او الغضب، ولا يجد الانسان مخرجا لطاقته الكيمائية التي نتجت عن هذا الموقف، فتكون النتيجة مؤلمة.. تتمثل في العجز عن تصريف هذه التعبئة بالطريقة التي تتناسب معها. ومن هنا تبرز بعض اسباب الاجهاد والتوتر، وما تسفر عنه من اعراض متفاوتة، تبدأ بالشعور بالاعياء دون سبب عضوي، وتصل الي حدوث توتر أو تقلص في عضلات الجسم، لتصبح هذه العضلات عرضة لمشاكل معقدة. ويري فريق من العلماء ان اسباب الاجهاد في عصرنا، قد ترجع لاسباب نفسية او عصبية، كما ان تفاقم محنة الضجيج والتلوث وهموم التنقل من مكان الي آخر، في المدن المزدحمة بالسيارات وما تطلقه من سموم، عوامل مهمة في ظهور هذه المشكلة. ويعتقد الباحثون ان افضل سبيل لعلاج هذه الحالة، يكمن في البحث عن اسبابها، ومحاولة التغلب عليها.. فاذا كان السبب هو تراكم حالات التوتر العصبي، فالعلاج يكون بالاسترخاء والتأمل.. واذا كان مصدر الاجهاد يعود الي أسباب بيئية أو تنافر مع زملاء العمل، فمن الممكن الحرص بقدر المستطاع علي البحث عن الهواء النقي والهدوء، في اي منطقة نظيفة هادئة ولو في يوم واحد كل اسبوع. وعلاج التنافر في العمل يكون بالمزيد من الجهد والتسامح مع من يكون مصدرا للتوتر.. وعلاج التناقضات بما يفيد مصلحة العمل ومصلحة الفرد في آن واحد!