'مسادة'كلمة باللغة الأرمية تعني قلعة,ومنها اشتق الموساد_جهاز المخابرات الإسرائيلي_ اسمه،وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان,أثناء التمرد اليهودي ضد الإمبراطورية الرومانية,وكانت هذه القلعة تقع علي صخرة مرتفعة عن البحر الميت,ووقتها كان يوجد بها960 يهوديا,واقترح قائدهم عليهم فكرة الانتحار الجماعي بدلا من الأسر لدي الرومان,فانتحروا جميعا,ومن يومها أصبحت هذه الكلمة فوبيا للكيان الصهيوني،والذي يعيش الآن في الأرض فسادا. احترت ما الذي أختاره وأقدمه وأنا أكتب فى ذكرى النكبة،وما إدراك ما نكبة العرب،الحيرة لم تستمر طويلا،فلقد وجدت صورة،ولكنها ليست أي صورة،فهي صورة تجعلك تفخر لكونك مصريا،وفى ذات الوقت تجعل العدو يتذكر ضعفه وذله ومساداته،مما جعل الإسرائيليين يمنعون نشرها أو تداولها في جميع الوكالات العالمية،الصورة عبارة عن ضابط إسرائيلي يؤدي التحية العسكرية في خنوع للضابط المصري الرائد زغلول فتحي لحظة استسلام موقع لسان بور توفيق للمصريين يوم13 أكتوبر1973 م ،فما حكاية هذه الصورة؟! رياح حرب الاستنزاف بدأت تهب علي سيناء علي طول المواجهة من السويس وحتي بور فؤاد، وعلي الأجناب من البحر المتوسط والبحر الأحمر،وعرف الصهاينة مع الغارات التي لا تتوقف علي مواقعهم،والخسائر الفادحة التي تنزل بهم أن المصريين حالة بشرية لا مثيل لها،ولا وقوف أمامها ولا حلول معها،فهم خير أجناد الأرض،وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم،حتى كانت بداية عام1973،فصدرت التعليمات من القيادة لقائد الكتيبة43 صاعقة الرائد زغلول فتحي: هدفك التدريبي لسان بور توفيق،فبدأ الاستعداد والتدريب علي المهمة من لحظتها،رغم صعوبتها. فموقع لسان بور توفيق محاط بالمياه من ثلاث جهات،الجهة الجنوبية للموقع هي آخر طرف اللسان وتطل علي خليج السويس،والجهة الغربية للموقع تطل علي القناة وهي امتداد اللسان الموازي للقناة،ونفس هذا الامتداد من ناحية الشرق يطل علي مياه البركة،أما الطرف الآخر للسان ناحية الشمال فهو يطل علي اليابس من أرض سيناء،وترجع أهمية هذه النقطة أنها تسيطر علي مدخل القناة،كما إنها نقطة الارتكاز الرئيسية للقوات الإسرائيلية في الطرف الجنوبي للقناة. وقبل أن ينتهي يوم6 أكتوبر 1973 كانت مجموعات الصاعقة الثلاث في طرف اللسان الجنوبي تخوض معارك شرسة،حتى استولوا عليه،فالموقع طوله الموازي للقناة1200 متر وعرضه300 متر والقتال الليلي يحتاج إلي أجهزة رؤية ليلية،والموجود لدينا طرازات متخلفة_من مخلفات الحرب العالمية الثانية_ بالنسبة لما هو مع العدو،والذي أخذ يتحصن داخل النقطة الرئيسية. ومع أول ضوء في يوم7 أكتوبر حاول الصهاينة القيام بهجوم مضاد من داخل النقطة الحصينة في محاولة لفك الحصار المفروض عليهم،وعلي الفور تم الدفع بمجموعتي قتال صاعقة من الغرب إلي الشرق لتأمين الحصار،حتى أصبح لسان بور توفيق خارج الخدمة بالنسبة للصهاينة،واستمر الحصار رغم محاولات العدو اختراقه عن طريق البحر تارة،والمدفعية والطيران تارة أخري. وفى يوم 11 أكتوبر،وبعد أطول أيام الاشتباكات مع تصميم مقاتلي الصاعقة علي اجتياح الموقع والاستيلاء عليه،بصرف النظر عن المدفعية التي لا تتوقف،وغارات الطيران التي لا تنتهي لأجل فك الحصار،رصدت القيادة اتصالا بين الموقع والقيادة الصهيونية التي سألت وعرفت عن حجم الخسائر،وجاء رد القيادة الصهيونية بأنها لا تريد مسادة أخري!أي انها لا تريد إبادة الأحياء المتبقين المحاصرين في لسان بور توفيق،ولذلك طلبت القيادة الصهيونية يوم12 أكتوبر من الصليب الأحمر الاستسلام!. ويوم13 أكتوبر وصل مندوب الصليب الأحمر إلي مقر كتيبة الصاعقة وانتقل إلي جهة الشرق بمفرده وخرج له الصهاينة يرفعون راية بيضاء مستسلمين،وبالمعاينة وجد في كميات هائلة من الأسلحة المتنوعة،و20 قتيلا و37 أسيرا منهم17 جريحا والضباط الموجودون خمسة،فعاد مندوب الصليب الأحمر إلي الغرب ومعه الضباط الخمسة،وكشف بأسماء باقي الجنود، إلا أن القائد المصري الرائد زغلول فتحي صمم علي أن يتم الاستسلام في الموقع بعد معاينته،والتأكد من عدم تفخيخه بالألغام،ونفذ مندوب الصليب الأحمر تعليمات القائد المصري،وعندما أقبل عليه أقدم ضباط العدو ليعلن استسلامه أصر الرائد زغلول علي تسليم الضابط الإسرائيلي للعلم الإسرائيلي بدلا من الراية البيضاء!فأسرع الضباط الأربعة الآخرين ليحضروه،ليمسك به ملفوفا الملازم أول شلومو أردنست وقدمه منكسا بيده اليسري،وهو يؤدي التحية العسكرية للقائد المصري باليمني،وكانت هذه الصورة،الذل والهوان والانكسار في مواجهة الشموخ والعزة والانتصار!. إن السحابة الداكنة لابد لها من شريط فضي،فلنبحث عن هذا الشريط مع كل ذكرى احتلال القدس، ولتكن نقطة البداية كلمات الشاعر نزار قباني والذي ظلّ متربعا على عرش الغزل العربي إلى أن جاءت تلك النكسة التي أحدثت شرخاً عميقا في نفسه_وفى نفس كل عربي أصيل_وكانت حداً فاصلاً في حياته جعله يخرج من مخدع المرأة الدافئ إلى ميدان السياسة الشائك،فكانت تلك الكلمات،التي تشم بين حروفها،وتستشعر بين ثنايا كلماتها،هول الكارثة التيأفاقت عليها ذات صباح أمتنا العربية الأبية. يا وطني الحزين..حوّلتَني بلحظةٍ لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ يا ابنَ الوليدِ..ألا سيفٌ تؤجّرهُ فكلُّ أسيافنا قد أصبحت خشبا وائل مصباح عبد المحسن فيلسوف الثورة المصرية