نشرت صحيفة "معاريف" العبرية، على موقعها الإلكتروني، لأول مرة يوميات الجنرال الإسرائيلي يسرائيل طل، الذي كان نائبًا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي أثناء حرب أكتوبر. تناولت يوميات "طل" استسلام القوة الإسرائيلية في حصن لسان بور توفيق، الذي أطلق عليه الإسرائيليون حصن الرصيف, ويعتبر أحد أكثر حصون بارليف تحصينًا. كما تناولت اليوميات مباحثات وقف إطلاق النار واتفاقية الفصل بين القوات.
استغل الإسرائيليون موقع اللسان المشرف على خليج السويس في إطلاق نيران المدفعية والصواريخ بعيدة المدى على المدن المصرية الحيوية في الضفة الغربية للقناة، وخاصة مدينة بور فؤاد ومعامل تكرير البترول في السويس والقاعدة البحرية بمدينة الأدبية. وخلال حرب أكتوبر تمكنت قوة من الصاعقة المصرية هي الكتيبة 43 صاعقة بقيادة العقيد فؤاد بسيوني، من حصار الحصن وقتل وجرح عدد كبير من أفرادها خلال فترة الحصار, ورغم طلبات الاستغاثة المتكررة من القوة الإسرائيلية المحاصرة ومحاولة الطيران وسلاح البحرية الإسرائيلي فك الحصار, فإن جميع المحاولات فشلت.
وفي يوم 13 أكتوبر استسلمت قوة الحصن ورفع العلم المصري, وأسر 37 فردًا من بينهم خمسة ضباط، بينهم قائد الحصن الملازم شلومو أردينست.
كتب "طل" في يوميات يوم 11 أكتوبر، أن القيادة الإسرائيلية عهدت إلى سلاح البحرية بإنقاذ رجال حصن الرصيف, خاصة أنه لم تعد هناك فرصة لصد هجوم المصريين. وفي الساعة الثامنة مساء توجهت قوة بحرية مؤلفة من ستة زوارق مطاطية وثلاثة لانشات إلى الحصن، لكنها جوبهت بإطلاق نار عنيف من المدفعية المصرية من عيار 130 مليمتر. وهنا أدركت قيادة المنطقة الجنوبية أن المهمة لا يمكن تنفيذها، واضطرت القوة البحرية إلى الانسحاب.
وكان رأي نائب رئيس الأركان، ضرورة أن تستسلم القوة المحاصرة لجنود الصاعقة المصريين. وفي ليلة الثاني عشر من أكتوبر أجرت قيادة المنطقة الجنوبية اتصالاً بقائد الحصن شلومو أردينيست, وطلبت منه تقريرًا عن الوضع , فعرفت بازدياد الأوضاع سوءًا, ولذلك أعطت لشلومو حرية إصدار القرار بالاستسلام. ولكنه رفض وطلب بسرعة إرسال قوة لإنقاذ المحاصرين.
وفي صباح يوم الثاني عشر من أكتوبر، عاودت القيادة الجنوبية الاتصال بقائد الحصن وأمرته بالاستسلام للمصريين, لكنه أراد الاستسلام للصليب الأحمر. وكانت مخاوف الإسرائيليين أن يرفض المصريون استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر, باعتبار أن الصليب الأحمر مسؤول عن الأسرى وليس عن استسلام القوات.
وفي ليلة الثالث عشر من أكتوبر - يقول يسرائيل طل – أبلغنا من قبل الصليب الأحمر بموافقة المصريين على استسلام القوة الإسرائيلية للصليب الأحمر, ولكن بشرط أن يتسلم مندوب الصليب الأحمر الجنود المستسلمين عند الضفة الغربية للقناة. فوافق وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيس الأركان على الشرط المصري.
وفي ذلك اليوم استسلم جنود حصن الرصيف في حضور مندوبي الصليب الأحمر. بلغ عدد الأسرى 37 بينهم 20 جريحًا، بالإضافة إلى خمسة قتلى.
ديان سعى إلى استمرار الضغط على الجيش الثالث المحاصر لتحقيق مكاسب في المفاوضات.
وعن مباحثات وقف إطلاق النار وحصار قوات الجيش الثالث المصري، تطرق "طل" إلى الخلافات بينه وبين وزير الدفاع موشيه ديان, والتي أدت فيما بعد إلى استقالته من الجيش. كان موشيه ديان يفكر في استمرار الهجوم على قوات الجيش الثالث المحاصرة، واستغلال مشكلة نقص الغذاء الذي يعاني منها الجيش الثالث.
كما كتب "طل" في يومياته عن يوم 30 أكتوبر: أمس في يوم 29 أكتوبر أجريت نقاشات لدى وزير الدفاع، تتعلق بالتوجيهات الصادرة إلى أريئيل ياريف– رئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي، في مباحثات وقف إطلاق النار مع مصر – استعدادًا للرحلة التي سيقوم بها إلى واشنطن مع جولدا مائير.
شارك في الاجتماع، رئيس الأركان وأريئيل ياريف، وإيلي زعيرا، وشلومو جازيت، وأنا. تأكدت أن موشيه ديان يتحدث عن استئناف القتال أو استمرار الضغط على الجيش الثالث المحاصر؛ بهدف الحصول على مزايا تكتيكية وفنية. ويتابع "طل" قلت لديان ولرئيس الأركان إنكما تبالغان في توقعات الحصول على مزايا فعالة نتيجة لأزمة الغذاء التي يعاني منها الجيش الثالث.
عقد اليوم لقاء بين أريئيل ياريف والمصريين. سمعت منه أن رئيس المخابرات العسكرية المصرية قال له إن لديه فكرة خاصة للتسوية، بأن ينسحب الإسرائيليون إلى الخط الواقع ثلاثين كيلومترًا شرقي القناة, وأن يسحب المصريون معظم قواتهم من الجبهة الشرقية. على أن تفصل قوة تابعة للأمم المتحدة بين قواتنا وبين القناة, ويحظر على المصريين الدفع بأسلحة ثقيلة وصواريخ إلى الضفة الشرقية للقناة, وفي نفس الوقت تبدأ فورًا مباحثات سلام حقيقية بهدف صنع السلام. وكان رد فعل موشيه ديان على هذه الفكرة الخاصة من جانب رئيس المخابرات المصرية "إنها دعابة".
ويعلق "طل" في يومياته على رفض الاقتراح المصري بالقول: يظهر قصورنا السياسي في أننا نهتم بمشكلات تقنية وتكتيكية حول موضوع الجيش الثالث، بدلاً من الاهتمام بجذور الوضع، بمعني أننا ينبغي أن نقرر ماذا تريد دولة إسرائيل على المدى البعيد.
خلال مباحثات فصل القوات التقى "طل" باللواء الجمسي- رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة. وكتب "طل" في يومياته عن يوم 1 نوفمبر 1973، قائلاً لي للواء الجمسي، إن الشعب المصري لا يحمل شيئًا ضد إسرائيل وإن مصر تقبل وجود إسرائيل وهدف مصر هو استعادة أراضيها. وقد كرر الجمسي الاقتراح الذي قدمه رئيس المخابرات المصرية.
يشير شلومو طل، في يومياته إلى أنه وافق على الاقتراح المصري وكتب يقول: إن الهدف من المباحثات هو التوصل إلى سلام حقيقي, وحتى لو كانت هناك صعوبات فإن التسوية المقترحة ستضمن تقدمًا في اتجاه السلام ونهاية الحروب حيث سينشأ وضع "طريق للحياة " Mudos Vivendi الذي سيمنع الاحتكاك والمخاوف لدى كلا الطرفين.
ويواصل "طل" تعقيبه على الاقتراح المصري زاعمًا أن حرب أكتوبر لم يكن فيها منتصر ولا مهزوم، فيقول: إن الوضع مهيئ الآن للتسوية, ولهذا فهذه فرصة تاريخية.. والسادات لن يشرط التسوية معنا بموافقة السوريين. والسادات يعلم كيف يسوي الأمور مع السوريين والفلسطينيين والليبيين وسائر العرب. يمكن الاعتماد عليه.