وفي حقيقة القول ان النصوص الخاصة بالأخلاق والتي تأثرت بمصدرها التاريخي تحتاج إلي مراجعة شاملة تستلهم شرع الله في جانب وتستلهم الواقع الذي نعيشه في جانب آخر. فإذا كان القانون ليس من وظائفه حماية جميع قواعد الأخلاق إلا أنه لا يتصور أن يتخذ منه وسيلة لمخالفتها والخروج عليها. ومن بين الصور المستهجنة في هذا الباب كذلك نص المادة 269 والذي يعاقب بعقوبة الجنحة كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ ثماني عشرة سنة بغير قوة أو تهديد. ووجه الغرابة في هذا النص أنه ورغم أن المشرع قد اعترف فيه بأن تلك الجريمة في هذه الحالة قد تمت برضا الطرفين إلا أنه قد نظر في التجريم الي جانب واحد من طرفي العلاقة واعتبر أن الطرف الثاني رغم رضائه مجني عليه لمجرد أنه قد تجاوز السابعة ولم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة. ولو تريث المشرع قليلا وأطل إطلالة كاملة علي المنظومة العقابية لوجد أن قانون الطفل يقر المسئولية الجنائية من بعد السابعة وحتي بلوغ الثمانية عشر عاما بتدرج نظمته نصوص هذا القانون. ومؤدي هذا أن من يرتكب فعلا مجرما في هذه السن فانه يكون مسئولاً عنه ويعاقب عليه. ومن ثم فقد كان من الواجب وقد اعتبر المشرع أن الجريمة في المادة 269/1 وقعت برضا الطرفين وهي جريمة ثنائية أن يعتبرهما فاعلين لها كما هو الحال في جريمة الزنا لا أن يعتبر أحدهما جانيا والآخر مجنياً عليه خاصة وأن فاعل هذه الجريمة قد يكون طفلا كما أن المجني عليها قد تكون طفلة. فلا مبرر إذن للتمييز بينهما مادام أن الفعل قد تم بالتراضي بينهما لأن منطق المشرع في التجريم لابد وأن يستلهم العلة من ذلك وهي مجابهة هذه الأفعال غير الأخلاقية التي تتم في اطار غير مشروع بما كان يستوجب معاقبة الطرفين مادام ان الفعل قد تم بالتراضي بينهما خاصة وأن معني الرضا مادام قد تحقق يتسع ليشمل صوراً تكون المجني عليها هي المحركة للغريزة لدي الجاني والمحرضة له علي الفعل والدافعة اليه خصوصا اذا كان الجاني طفلا وكانت المجني عليها طفلة كذلك وفي بعض الأحيان قد يكون عمر المجني عليها أكبر من الجاني كما لو كانت في السابعة عشرة وهو في الخامسة عشرة. وإذا كان قصد المشرع هو الاحتياط للأطفال فان السبيل لذلك يكون بتشديد العقوبة في حالة وحيدة حال كون الجاني بالغا والمجني عليه أو عليها طفلا ولكن مع التسليم بأن حالة الرضا تجعل من الطرفين شريكين في الجرم أو في حالات أخري قد يكون هتك العرض بينهما متبادلا متي كانا طفلين كما سلفت الاشارة.. وخلاصة ما تقدم أن الباب الرابع من قانون العقوبات والخاص بهتك العرض وافساد الأخلاق يحتاج الي مراجعة دقيقة حتي لا تحول الثغرات بين نصوصه والتي كشف عنها الواقع العملي دون بلوغ الغاية من مكافحة الجرائم التي عنون بها هذا الباب. وأخيراً نجد النص الخاص بالمادة 237 والذي يورد عذراً قانونياً مخففاً بالنسبة للزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا ويقتلها في الحال هي ومن يزني بها إذ جعل القانون عقوبته الحبس بدلاً من العقوبات المقررة لجريمتي القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد والضرب المفضي الي الموت في المادتين 234، 236 من قانون العقوبات. وهذا النص يوجد في الواقع العملي والقانوني تناقضا صارخاً لا يطيقه ضمير العدالة إذ إن المشرع قد قصر هذا العذر علي حالة الزوج وقد كان من الواجب شرعا وقانونا أن تمتد الي الأب والأخوة لتحقق ذات العلة وهي الاثارة والاستفزاز لديهم بل وبدرجة أكبر في بعض الأحيان من الزوج. وقد بلغ انحراف منطق النص منتهاه إذ قصر العذر علي الزوج دون الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسا بالزنا فتقتله وعشيقته الزانية رغم أن العلة وهي الاستفزاز والمفاجأة متحققة لدي الاثنين وبذلك فان المغايرة بينهما تفتقر الي المبرر المنطقي والقانوني. كما أن هذا النص بوضعه الحالي قد قصر توافر العذر علي حالة التلبس أي المشاهدة لواقعة الزنا رغم أن العلة من الاستفزاز قد تكون متحققة من باب أولي في حالات أخري أفرزها الواقع العملي مثل حالة مشاهدة واقعة الزنا مسجلة علي شريط فيديو أو حال الاعتراف الفاجر والمستفز من الزوجة لزوجها بالخيانة وتفصيلاتها. وأخيراً فإن النص بوضعه الحالي كذلك قد اعتبر من الاستفزاز والمفاجأة عذرا قانونيا مخففا ولم يعتبره سببا من أسباب الاباحة وهو ما يرتب عمليا في ضوء النص الحالي حق العشيق الزاني في أن يدافع عن نفسه ضد الزوج وإذا ما قتل العشق الزاني الزوج في هذه الحالة فإنه «أي العشيق» يكون في حالة دفاع شرعي، وهي نتيجة صادمة للعدالة بما يوجب تعديل النص ليكون فعل الزوج المثلوم في شرفه سببا للاباحة ودفاعا عن الشرف ينفي عنه الصفة التجريمية لا أن يهبط بالعقوبة أو يخففها فحسب كما أن علة النص تقتضي انسحابه علي كافة الجرائم التي يرتكبها الزوج في هذه اللحظة ضد الزوجة الزانية وعشيقها دون أن يقتصر ذلك علي القتل العمد أو الضرب المفضي الي الموت بل يمتد كذلك ومن باب أولي إلي الضرب المفضي الي عاهة لتحقق علة النص فيها من باب أولي. وبعد هذا التطويف والذي عرجنا فيه علي أمثلة صارخة أردنا أن نضع بها اشارات واضحة لمواضع تحتاج الي نظرة تشريعية متجددة في قانون العقوبات فان تلك المواضع لا تعدو أن تكون أمثلة لبعض النصوص العقابية أردنا من خلالها فتح ملف شائك يحتاج إلي البحث والمراجعة لننتقل الأسبوع المقبل بمشيئة الله تعالي الي ورقة تشريعية جديدة نناقش من خلالها أوجه القصور القائمة وطرق المعالجة المقترحة. وللحديث بقية سكرتير عام حزب الوفد