اللطيف هو من اسماء الله الحسنى ويقول الدكتور عبدالرزاق البدر في كتابه (فقه الأسماء الحسنى): كُرر اسم الله اللطيف مقترنا باسمه الخبير في آيات منها قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }، وقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. ومعنى الخبير: أي الذي أدرك بعلمه السرائر، واطلع على مكنون الضمائر، وعلم بطائن الأمور، فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور التي هي في غاية اللطف والصّغر وفي غاية الخفاء. ومن باب أولى وأحرى علمه بالظواهر والجليات؛ فقد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. وأما اللطيف فله معنيان: أحدهما: بمعنى الخبير وهو أن علمه دقّ ولطُف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات. المعنى الثاني: الذي يوصل إلى عباده مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لايشعرون بها. قال ابن القيم- رحمه الله- في نونيته: وهو اللطيف بعبده ولعبده واللطف في أوصافه نوعانِ إدراك أسرار الأمور بخُبره واللطف عند مواقع الإحسانِ فيُريك عزته ويُبدي لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشانِ ولطف الله بالعبد من الرحمة بل هو رحمة خاصة ؛ فالرحمة التي تصل إلى العبد من حيث لا يشعر بها أو بأسبابها هي اللطف. يقال: (لطف بعبده، ولطف له) أي تولاه ولاية خاصة بها تصلح أحواله الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عنه جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية. فالأمور الداخلية لطفٌ بالعبد، والأمور الخارجية لطف للعبد. فإذا يسر الله لعبده وسهل له طرق الخير، وأعانه عليها فقد لطف به، وإذا قيض له أسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له. و في قصة يوسف عليه السلام قدر الله له أمورا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة على يوسف وأبيه عليهما السلام وكانت في مبدأها مكروهة ولكن كانت عواقبها أحمدَ العواقب، وفوائدها أجلّ الفوائد ولهذا قال عليه السلام: «إن ربي لطيف لما يشاء» أي أن هذه الأشياء التي حصلت لطفٌ لطفه الله له فاعترف عليه السلام بهذه النعمة. قيل: (من لطف الله لعبده يعقوب أن قرن قدره بلطفه فالقدر فراق ابنه ولطفه المبشرات التي ستحصل ليوسف في المنام). ولطف الله بعبده وله باب واسع، يتفضل الله تعالى بما شاء منه على من يشاء من عباده ممن يعلمه محلا لذلك وأهلا: فمن لطفه بعباده المؤمنين أنه جل وعلا يتولاهم بلطفه فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة. ومن لطفه بهم أنه يقيهم طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى، ويصرف عنهم السوء والفحشاء مع توافر أسباب الفتنة وجواذب المعاصي والشهوات ؛ فيمنّ عليهم ببرهان لطفه ونور إيمانه فيدعونها مطمئنة لتركها نفوسهم، منشرحة بالبعد عنها صدورهم. ومن لطفه بعباده أنه يقدر لهم أرزاقهم بعلمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتِهم؛ فقد يريدون شيئا وغيره أصلح ؛ فيقدر لهم الأصلح وأن كرهوه لطفاً بهم، قال تعالى: «الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز». ومن لطفه جل وعلا بهم: أنه يقدر عليهم أنواعا من المصائب وضروبا من البلايا والمحن سوقاً لهم إلى كمالهم وكمال نعيمهم. ومن لطفه بعبده -سبحانه- أن يقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان،وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم. وأن ينشأ كذلك بين أبوين صالحين، وأقارب أتقياء، وفي مجتمع صالح. ومن لطفه بعبده أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولايشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل به، بل يعينه على ذلك. ومن لطفه بعبده أن يقيض له إخوانا صالحين ورفقاء متقين يعينونه على الخير ويشدون من أزره في سلوكه سبيل الاستقامة والبعد عن سبل الهلاك والانحراف. ومن لطفه - جل وعلا - بعبده أن يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها، فيُنيله رفيع الدرجات وعالي الرتب. ومن لطفه سبحانه بعبده أن يكرمه بأن يوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وانتظار الفرج وكشف الضر؛ فيخف ألمه وتنشط نفسه. قال ابن القيم رحمه الله: (فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء أوالقطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من رَوح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج مُعجل، وبه وبغيره يُعرف معنى اسمه اللطيف). كم هو نافع بالعبد أن يعرف معنى هذا الاسم العظيم ودلالته، ليحقق الإيمان به، ويقوم بما يقتضيه من عبودية لله فيملأ قلبه رجاءً وطمعاً في نيل فضل الله، متحرياً في كل أحواله الفوز بالعواقب الحميدة، واثقاً بربه اللطيف ومولاه الكريم بالنعم السوابغ والعطايا.