قال تعالى : " فإن مع العسر يسرا .. إن مع العسر يسرا " المتأمل في هاتين الآيتين يعي حقيقة إلهية عظيمة وسنة من سنن الله في عباده
ألا وهي أن مع العسر لابد أن ياتي اليسر بلطف وخفاء يؤكد لنا معنى اسم الخالق اللطيف
الذي يوصل عباده لأقدارهم بلطف عجيب لاتدركه العقول .
وقد قال تعالى :"إن مع العسر يسرا " ولم يقل بعد العسر يسرا
تأكيدًا على أن العسر لابدَّ أن يجاوره يسر
فالعسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه ...
و كل الحادثات وان تناهت فموصول بها فرج قريب .
ولكي نفهم هاتين الآيتين لنتأمل
قول ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا فهو يقول :
" لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه ، لن يغلب عسر يسرين"
فتعريف العسر في الآيتين دلالة على أنه عسر واحد
بينما تنكير اليسر في الآيتين دلالة على تكراره
فكل عسر مهما بلغ من الصعوبة مابلغ فإن آخره التيسير الملازم له
وتأكيد ذلك قوله تعالى:" سيجعل الله بعد عسر يسرا "
ففي بطن العسر إلا وهناك يسر كثير وهذا وعد الله وسنته في عباده
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" أن الفرج مع الكرب "
وكلما اشتدت الأزمة كلما كان ذلكإيذانًأ بانقضاءها وزوالها
وأشد أوقات الليل حلكة هو ما يسبق طلوع الفجر
وما بعد الضيق إلا الفرج ...
و كما أنه لا يعرف انشراح الصدر إلا من ركبه الهم والضيق فكذلك لا يعرف الفرج
إلا من ناله الكرب
فبضدها تتبين الأشياء
ومهما أحلولكت دون العبد الخطوب فلا بد أن يتلو الظلام نهار يبدد عتمته..
ويقول الشاعر في ذلك :
يا صاحب الهم إن الهم منفرج*أبشر بخير فإن الفارج الله اليأس يقطع أحيانا بصاحبه*لا تيأسن فإن الكافي الله الله يحدث بعد العسر ميسرة*لا تجزعن فإن الصانع الله إذا بليت فثق بالله وارض به*إن الذي يكشف البلوى هو الله والله ما لك غير الله من أحد*فحسبك الله في كل لك الله
ويقول الآخر:
كن عن همومك معرضا * وكِل الأمور إلى القضا وابشر بخير عاجلا * تنسى به ماقد مضى فلربَّ أمرٍ مُسخط * لك في عواقبه رضى ولربما ضاق المضيق * ولربما اتسع الفضا الله يفعل ما يشاء * فلا تكوننًّ معترضا الله عودك الجميل * فقس على ماقد مضى
و قال الشافعي:
وما من شدة إلا سيأتي من بعد شدتها رخاء
وقال آخر :
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال ما بين غفوة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
و معرفة هذا الأمر تجعل العبد لا تستغرقه لحظات العسر بل ينتظر اليسر القريب من الله
واليسر الموعود في الآية هو نتيجة حتمية لابد منها
إلا أنها نتيجة مشروطة لابد لها من مقدمات تستجلبها وهي
كالتالي:
الإيمان ويلازمه العمل الصالح والتقوى:
قال الله تعالى: " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "
وفي المقابل قال تعالى :" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"
كما قال تعالى: (فأما من أعطى وأتّقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى)
كما قال، (ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً)، (ومن يتق اللّه نجعل له من أمره يُسراً ).
الصبر :
فبعد تكرار حقيقة أن اليسر رديف العسر جاء الأمر بالصلاة
إذ هي من اسباب استجلاب الصبر
والذي هو بدوره القنطرة التي لابد أن يعبر عليها العبد للوصول إلى اليسر
و غالبا ما يربط الله بين الصبر والصلاة كمتلازمتين
قال تعالى :" واستعينوا بالصبر والصلاة "
و الصبر زاد إلا وينتهي أما الصلاة فهي زاد العبد الذي لا ينقطع .
الدعاء :
ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج :
الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم