«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظلال آية الإسراء
نشر في الفجر يوم 24 - 06 - 2012

قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُؤ (الإسراء:1).
* بين يدي المناسبة:
لا يزال الإسراء والمعراج يعطي فيضه من عام إلى عام دون أن ينضب معينه، أو تنفذ ثماره وتظل أحداثه ودروسه تهدي الواقع، وترشد الطريق كمعالم تقود إلى خير هذه الأمة ونصرة دينها، والإسراء والمعراج مع أنه درس مناسبة؛ إلا أن نفعه موصول ودائم وهو درس الساعة وكل ساعة... ولذا أحببت أن أتناوله في ظل آية الإسراء، فيجني الدعاة والوعاظ منه دروس تهدي وعبر تنفع، ونبراس يستضيء به السالكون على درب الدعوة وسبيل الإيمان.
وذلك أن أمتنا تمر بمرحلة خطيرة، قد تضافرت جهود في تعمية طريقها، وزيفت الحقائق، فالتبس الحق بالباطل، ولبس عليهم إبليس، وصدق عليهم ظنه فاتبعوه، إلا فريقًا من المؤمنين لهذا ولغيره؛ وجدت أنه يتحتم علينا أن نحيا في ظلال آية الإسراء لنستبصر بها، وحتى لا تنقلب الذكرى إلى عوائد دينية، ومهرجانات مناسبة ترتكب للظهور، وتنقلب إلى موائد طعام، أو مواكب نفاق، تُغطَّى بها الذكرى، وتضيع العبر والعظات، وينفض السامر وكأن شيئًا لم يكن.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا == أنيس ولم يسمرْ بمكة سامر
بل نحن كنا أهلها فأبادنا == صروف الليالي والدهور العواثر

* أحداث سبقت الرحلة:
الواضح أن رحلة الإسراء والمعراج كانت يسرًا بعد عسر، وجبرًا بعد كسر، وإعزازًا بعد استشعار هوان على الناس، وتسرية بعد عام حزن، ورحلة بعد عناء وضنى، وترحيبًا ربانيًّا علويًّا بعد ردّ غير كريم لأفضل زائر وأكرم ضيف، وإطلاعًا على آفاق أرحب، وإرادة لمستقبل أخصب لدعوة حق، عقها أهلها وازْورَّ عنها ذووها، وضاعوا بعد أن تحول عنهم إلى غيرهم صاحب الرسالة, كما قال القائل:
إذا ترحَّلْت عن قوم وقد قدروا ألا تُفارقهم فالراحلون همُ
ومن هذه الأحداث التي أدت إلى الإسراء ثم عبرها:
1- الرحلة إلى ثقيف بالطائف ليعرض عليهم دعوته، بعد أن ردتها قريش، وبالغت في الرفض بل والإيذاء والتصدي لدعوة الحق، كانت درسًا رائعًا لتصميم الداعية على أن تبلغ دعوته المدى ويسلك بها كل سبيل، فالداعية الصادق لا ييأس ولا يضيق ذرعًا بدعوته، وإنما يتحرك من بيئة إلى بيئة، ومن قوم إلى قوم، بل من شخص جحد إلى شخص آخر ربما تتفتح لها بصيرته.
2- ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل من ثقيف بأسوأ مما لقي في قريش، فلم ييأس لكنه ابتهل في دعائه المشهور لرب الدعاة.
3- اليسر بعد العسر، والفرج بعد الضيق لوازم لحياة المسلم، لقد بذل النبي جهده وأفرغ طاقته ثم رد هذا الرد.. فركن إلى ركنه الشديد، وتضرع لربه، فإذا بشآبيب الخير تتنزل عليه مع حبات العنب التي يأكلها باسم الله، وامتدت به يد النصراني عدّاس، وكأنما تجسدت الإنسانية كلها في صورة عدّاس تعتذر له وتطيب خاطره، ثم يستمع إليه نفر من جن نصيبين وأسلموا ثم ولوا إلى قومهم منذرين ودعاة إلى الله.
4- حلم الداعية وسماحته... إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الداعية السامي النفس والهمة، كبير المروءة يتسامق على الأحقاد يتحمل ما لا تتحمله الجبال الشم، ويظل قلبه سليمًا طهورًا، ينظر لمن آذاه من منظار الرحمة والإشفاق، لا الضغينة والغيظ، لقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل آذاه قومه رجمًا حتى الموت، فلما قيل له: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(25)" (يّس) ... بل قال لملك الجبال الذي قال له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا".
في ظلال آية الإسراء:
وسورة الإسراء تسمى سورة "بني إسرائيل" أيضًا، واستفتحت بآية الإسراء، والتي لنا في ظلالها معالم نقتبس منها العبر والعظات:
الأولى: ترتبط هذه الآية الكريمة بما قبلها، وهي خواتيم سورة النمل، إذ فيها أمر بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم الصبر بالاستعانة بالله عزَّ وجلَّ عليه، وأن لا يعبأ بمن كفر وصد ومكر لهذه الدعوة ومكر بصاحبها، وبذلك يستحق معية الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: 128) فكانت هذه الآية بل السورة على وجه العموم تحقيقًا لمعية عليا، ومنزلة عظمى لمن دعا وصبر على الأذى والمكر.
وآية معية أن يسري به مع ما صاحب الإسراء من آيات ومكرمات لهذا الصابر العظيم على الدعوة, وعلى مكر الكافرين.
الثانية: بدء الآية بالتسبيح تقطع ألسنة المنكرين والمتعجبين من حادث الإسراء، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسر وليس في طاقاته أن يسري هذا السرى، ولا في طاقة بشر غيره صلى الله وسلكم، وإنما أسري به, فأي عجب في هذا والفاعل الله؟ فسبحان الذي أسرى! ونحن أفلسنا في حاجة إلى أن يسري بنا من هذه الظلمات والفتن التي يفهق بعضها بعضًا، أو يركب بعضها بعضًا، أو يرتق بعضها ظلمات التأخر والجمود والانهزام والتبعية الزنيمة لأعداء الله وانحسار القدوة، وكسر الشوكة، والهوان على الناس والغثائية المهينة، والخور والضعف والتراجع؟ فما عادى في الركب قوم محمد صلى الله عليه وسلم وقد كانوا الأعزين.
لكننا كرسول لنا صلى الله عليه وسلم لا نستطيع أن نسري وحدنا، بل نحن في حاجة إلى أن يُسرى بنا، ولن يسرى بنا مما ذكرنا إلى شاطئ النجاة وميادين التقدم وإحراز قصب السبق والإمامة للبشرية جمعاء كما هي رسالتنا إلا إذا استكملنا أسباب ذلك، وسرنا على قدم عظيمنا محمد صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة.
ثالثًا: "بعبده": فهذا مناط التكريم والعون من الله عزَّ وجلَّ أن نرتقي إلى درجات العبودية لله عزَّ وجلَّ، وما أدراك ما العبودية لله؟! إنها أعلى المراقي، وأعظم الدرجات، إنها في بساطة التحرر مما سوى الله من نفس وشيطان وهوى وأعداء وخوف ورجاء، والانقياد المطلق لأوامر ربنا فقط، أي أن تكون عبدًا قننًا (خالص العبودية) لله عزَّ وجلَّ.
أي شرف تستطيعه أو تبتغيه بعد العبودية؟ أو لم يكرم الله عزَّ وجلَّ أنبياءه وملائكته حين ذكرهم بالكرامة وسجلهم بالكتاب الخالد العظيم القرآن الكريم بصفة العبودية؟ بل هم ما استحقوا النبوة والرسالة إلا لأنهم ارتقوا إلى مدارج العبودية، فأصبحوا ولا شيء عندهم يخضع أو يتحكم إلا الله، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(صّ: من الآية17) (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (صّ:30) (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ)(صّ: من الآية41) (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)(صّ: من الآية45) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ) (الصافات:171) ومن الملائكة قال مولانا: (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ 26) (الأنبياء) وأعلى مقام حب هو العبودية.
فلا تدعني إلا بيا عبدها == فإنها أحب أسمائي

رابعًا: "ليلاً" نعم كان ذلك في جزء يسير من الليل، لكن الدلالة والفحوى أن الإسراء بل والمعراج إنما هو منوط بالليل، وكم في الليل من عجائب وتجليات، والصلاة فيه "وعمومًا معراج المؤمنين إلى رب العالمين" حين يخلو كل حبيب إلى حبيبه، ينسل الصالحون إلى الانتصاب بين يدى الله عزَّ وجلَّ يناجونه وقد غفل الناس، ويخبتون إليه وينيبون، وتزروا بيوتهم بالقرآن أزيز النحل في خلاياها، وتنسكب الدموع فى شوق وطنية للقاء رب العالمين (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة:16) (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وأعلاهم قدراً فى العبودية أمر "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً" (الاسراء:79) (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً....) فمن يرتقي مدارج الليل (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)(الزمر: من الآية9).
من لنا بأمة الليل وسجداته، ودعوات السحر وقنوته؛ لتربي الرجولة النابهة والعزيمة الفاعلة والقلوب الطاهرة والأيدى المتوضئة، والعقول الفاقهة والقلوب الصادقة، يهتز لها عرش الرحمن تجاوبًا واستجابة، ويتغير بها وبهم وجه الزمان وتنطلق بهم المسيرة جهادًا وعملاً ودعوة وعلمًا وسبقًا في ميادين الخير لنتبوأ من جديد مكانتنا بين الأمم وما يدريك لعلنا نعود من جديد كما كنا ذات يوم خير أمة أخرجت للناس.
خامسًا: "من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"، أجل لقد كانت الانطلاقة المقدسة الفريدة من المسجد إلى المسجد, والمسجدية في الإسلام لها شأنها وخطرها؛ إننا مطالبون بأن نتربى في المسجد بأن ترتقي أرواحنا في المسجد بأن ندمن السجود والركوع لله عزوجل، فالمسجد مطهرتنا وملتقانا ومرتقانا ودار تربيتنا، وكفالة مجتمعنا، وصياغة قلوبنا وأفئدتنا على منهاج الحق, بل إنه مطلوب منا أن نمسجد الأرض كلها:
أ- بأن نجعلها مسجدًا حثيما أدركتنا الصلاة
ب- بأن ننقل أقلام المسجد وآدابه وروحانيته إلى خارج المسجد إلى ميادين الحياة، إلى المعاملات والعلاقات، وسل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان بناؤه من اللبن وأركانه من الأجور وسقفه من جذوع النخل وجريدها، وكان المنبر جذع نخلة في أوله، ومنبرًا متواضعًا بعد, كان مسجدًا قزماً يتناوله الواقف بيده، لكنه كان عملاقًا برسالته ورجاله وخرج العمالقة الذين نشروا إسلامهم في ربوع الدنيا, وأروا الناس أخلاق المسجد وآدابه وعلمه وفقهه, وأين هذا من مساجد اليوم العملاقة التي تحتوي الأقزام ولعل الله يبعثهم من جديد.
ثم إن الإسراء كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى عهدًا وميثاقًا أخذ على هذه الأمة أن تحمي مقدساتها فقد آل إليها الدين، ومن الدين حماية المقدسات، إن الأرجل الطاهرة التي وطئت هذا المسجد من الملائكة والنبيين خلف الإمام الأعظم النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم لتحملنا مسئولية الحفاظ على المقدسات ونحسب المجاهدين في سبيل الله، في أرض الرباط والشهداء قد وفوا، فهل لهذه الأمة أن تتجاوب مع الدماء وأن تعي الدرس وأن تحيى من جديد؟
فإما حياة تبعث الموتى في البلى == وتحيا تلك الأعظم النخرات
وإما ممات لا قيام بعده == ممات لعمري لم يقس بممات
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكة == والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت به الكف بسيدهم == كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر == ومن يقز بحبيب الله يغتنم

سادسًا: "الذي باركنا حوله" الحقيقة أن المسجد الأقصى مبارك، وأن ما حوله مبارك، وأن فلسطين كلها مبارك، (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:71) مباركة هذه البلاد بقدسها وبأرضها وبخيراتها وبالرجال الصالحين فيها، ونحن نراهم الآن خير أهل الأرض؛ خنعت الجيوش وذلت الأنظمة، واستيأست الشعوب ولا يزالون منتصبين عمالقة يرفعون راية الله، وينصرون قضية الإسلام ويقدمون في كل يوم القرابين أشلاء ودماء، حفنة من الرجال والنساء والوالدان، يصنعون بكل حجر أو دفقة دم ،أو صرخة أم ،أو تيتيم طفل ،اوجه القاعدين والمتخاذلين , فأية بركة هنا؟!.
*ملامح العباد المحررين للأقصى وأصحاب التمكين والنصر من خلال السورة الكريمة:
1- المهتدون بالقرآن الكريم: منهجًا وإيمانًا ببشارته بالأجر العظيم للمؤمنين العاملين، ونذارته بالعذاب الأليم للكافرين الجاحدين للقاء الله يوم القيامة.
1- العقلاء المتدبرون لآيات الكون وتعاقب الليل والنهار، وملء النهار بالعمل، والسكون في الليل للراحة والعبادة، أي هم لا يقلبون آيات الليل فيميتون نهارهم دعه وكسلاً ويَظْلمون أو يُظْلمون ليلهم صخباً ورجساً .
2- وهم أحياء القلوب يستشعرون المسئولية بين يدي الله تعالى فيضعون من أنفسهم رقباء محاسبين علي أعمالهم.
3- وهم مدركون لقيمة هذه الحياة، وأنها مدرجة للدار الآخرة، فلا يغترون بها ولا يركنون لزيفها، فلا يترفون؛ فالدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم .حذر الهلاك كالأمم السوالف ،لا يشغلهم أو يشغفهم أن تعجل لهم طيبات الدنيا ،وإنما هم من حذر جهنم يريدون الآخرة ،ويسعون لها سعيها يقينًا، وأملاً في رشاد السعي وحسن الجزاء عند الله الذي بيّن عطاء الدارين وبر الدنيا والآخرة.
4- وهم موحدون لله شعائر ومشاعر وشرائع.
5- وهم بررة بالآباء، أوفياء متواضعون لهم، يخدمون ويدعون، وودودون ودًّا فاعلاً وبرًّا وأصلاً للأقربين والمساكين، والدارجين على الطريق قد انقطعت بهم السبل والمحتاجين لا عن منِّ ولا أذى، بل أداء للحق وولاء للواجب، وقولاً كريمًا وردًّا جميلاً.
6- وهم معتدلون في نفقتهم، فليسوا السفهاء المبذرين، وليسوا الأشحاء المقصرين على مستوى السلوك الفردي والأسري والنظامي العام، وبذا يسلمون من الحسرة والملام.
7- وهم لا يخبطون في تيه العماية وقساوة القلوب والجحود والكنود، فيقتلون أولادهم ويسقطون الأجنة خشية الإملاق والفقر لأنهم علي يقين بأن الرازق الله.
8- وهم أطهار العرض، أنقياء الشرف، لا يدنسون في وحل الغريزة ولا يدنون من مثيراتها؛ لأنها آفة الأمم، ومنزلق الدمار والهلاك للأسر والأفراد والجماعات ففي حديث ابن عمر قوله صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" ابن ماجة والبزار والبيهقي واللفظ له.
9- وهم أنقياء اليد من الدم، يحيون النفوس ولا يقتلون، فهم أبرار لا يؤذون الذر ولا يضمرون الشر، هذبهم قرآنهم.. (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )(المائدة: من الآية32) يقدسون الدم والعرض ويحفظون المال والعقل، ويبذلون في الحفاظ على الدين كل مرتخص وغال.
10- وهم- أيضًا- رحمة ليتيم، يواسون جراحه ويسعدون نفسه ويحفظون ماله ويكلفون حاجته، فالكل له أب وعليه حام وحان.
11- وعباد الله الموعودون بنصره، يطعمون الحلال ولا يطففون كيلاً، ولا يبخسون وزنًا، ولا تمتد أيديهم إلى ريبة، فلا تدنس لقمتهم ولا تتدنس ريبة إلى كسبهم، طابت مطاعمهم ومشاربهم حلالً طيباً مباركاً.
12- وهم أعفاء الجوارح والقلوب، لا يستهويهم فضول ولا ينجرون وراء ريبة، ولا يستنطقون الأحداث أسرارها، وإذا ظنوا فإنهم لا يحققون كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ظننت فلا تحقق".
13- ثم هم متواضعون لله ولعباده، فلا يستعلي أحدهم بحال، ولا يغتر بجاه، ولا تستفزه قوة بدن ولا نضارة وج، أو ذلاقة لسان أو تميز موهبة، يدرك حجمه إلى جوار ملك الله العظيم وسلطانه القديم وأخذه الأليم.
إقرأ من سورة الإسراء حتى الآية( 39)
وبعد: فلو تحلينا في مجتمعنا على هذه الشاكلة، فإنه ولا شك يكون مجتمع الفضائل والمكارم والاستمساك بكريم الخصال، وحميد الفعال وطهارة القلوب، وزكاوة النفوس والتنزه عن المعايب، والخلو من المعاطب، ونباهة الشأن ومتانة البنيان، وسمو الغاية ونقاء الوسيلة، وجميل الصلة بالله الكريم، فلا بد إذن أن تنطلق طاقاته المرجوة ثمارها في تطهير المقدس والأرض والعرض؛ لأنها تكون مؤهلة للسرى في ليل ساهر، والسير في نهار ذاكر، والزحف بجيش قاهر لا يخشى عنفوان الجبروت ،ولا مظالم الطاغوت (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(المائدة: من الآية54)


ورجائي في الله عزَّ وجلَّ أن أكون قد وفقت في ضرب نموذج للتأمل النافع لهذه الذكري من خلال آيتها، ولا أعظم أنني سأستوفي شيئًا من جوانبها، لكنها خطوة على الطريق، لعل أخوة لنا علي الطريق يستفيدون منها في التناول وأساتذة لنا يعاودون التأمل ليقدموا لنا دروسًا وعبرًا أكثر جدوى وأرشد بصيرة، فتثري جوانب هذه المناسبات الإسلامية لتستغل استغلال مجديًا، وليسقط من على ظهور هذه الذكريات من يريد أن يمتطيها لمآرب أخرى لا تخدم قضية الدين، ولا تثري وسائل الدعوة إلى الله، فإن أضفت فائدة فبفضل من الله ومنة، وإلا فأسال الله أن يغفر تقصيري, ويجبر قصوري وهو نعم المولي ونعم النصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.