القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي تحمل في كلماتها معاني عميقة وحكمًا بليغة، تُضيء لنا دروب الحياة وتُرشدنا إلى الصواب، وفي كل آية من آياته أسرار ودروس يمكن أن تُغني فكر الإنسان وتعمق فهمه لدينه ودنياه. في هذا الباب نقدم لكم تفسيرًا مبسطًا وواعيًا لآيات مختارة من كتاب الله، مستندين إلى تفسير كبار العلماء، لنكشف عن الحكمة الإلهية وراء كل كلمة وجملة، ونربط بين معاني القرآن وسياق حياتنا المعاصر. هدفنا أن يكون هذا الركن منارة للفهم والوعي، يسلط الضوء على ما قد يخفى من دلالات، ويقرب لكم رسالة القرآن بأسلوب علمي وأدبي شيق، يساعد القارئ على استيعاب الرسائل الإلهية وتطبيقها في حياته. اقرأ أيضا | تفسير آية | معني قوله تعالى «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» في آية قرآنية عميقة من سورة الإسراء (الآية 4)، يقول الله تعالى: "وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ"، وهذه الكلمات تحمل دلالة عظيمة على حكمة الله في التاريخ، كما شرحها الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، في تفسيره. يرى الشعراوي أن لفظة "وقضينا" تعني أن الله تعالى قد حكم وحسم أمرًا معينًا في كتاب بني إسرائيل، وهو أن هناك فترة محددة ومقدرة لهم من الفساد في الأرض، هذا الفساد لم يكن مجرد حدث عابر، بل مرتان؛ مرتان تعكسان حالتين من الفساد والفساد الاجتماعي والسياسي. الفساد المقصود في تفسير الشعراوي يشمل كل مظاهر الانحراف عن القيم والأخلاق التي أمر الله بها، مثل الظلم، القتل، التمرد، الفساد المالي، والانحلال الأخلاقي، وكل هذه الممارسات كانت سببًا في خراب المجتمع وفساد الأرض. وفي توضيحه، يقول الشعراوي إن المرتين اللتين حدث فيهما الفساد ليستا مجرد تكرار لموقف واحد، بل هما فترتان زمنيتان مختلفتان، الأولى كانت في العصور القديمة حينما ابتعد بني إسرائيل عن التوراة وتعاليم الله، مما أدى إلى إرسال العذاب والابتلاءات عليهم، والثانية جاءت في عهد لاحق بعد فترة من العودة إلى الصواب، إلا أنهم عادوا للفساد والتمرد من جديد. وهنا يبرز تفسير الشعراوي الحكمة من هذا التكليف الإلهي، وهو أن الله سبحانه وتعالى يختبر عباده، ويريد أن يعلمهم ويربّيهم عبر التاريخ، ويُرشدهم إلى أن البقاء على طريق الحق والعدل هو الطريق الوحيد لاستقرار الأرض وسلامة المجتمع. ويؤكد الشيخ الشعراوي على أن هذه الآية ليست مجرد قصة تاريخية، بل هي رسالة خالدة لكل أمة وشعب، تحذر من الوقوع في دائرة الفساد المتكرر، وتحفز على التوبة والرجوع إلى الله، لأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ويضيف الشعراوي أن هذه الآية تُظهِر حكمة الله في السماح بمرور الفساد أحيانًا كجزء من سنن الحياة والاختبار، لكنها في الوقت نفسه تفتح باب الأمل للمجتمع في إمكانية الإصلاح والرجوع إلى الطريق المستقيم. في ختام تفسيره، يشدد الشيخ الشعراوي على أن تطبيق هذه العبرة في حياتنا المعاصرة ضرورة قصوى، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه المجتمعات من فساد أخلاقي وسياسي، مؤكدًا أن الاستقامة والتمسك بالقيم الإلهية هو السبيل الوحيد لتجنب المصائب والدمار. بوابة أخبار اليوم تقدم هذا التفسير في إطار سعيها لنشر العلم والفهم الصحيح للدين، لتكون مرجعًا لكل قارئ يبحث عن معرفة عميقة وواعية لمعاني القرآن الكريم.