ن أسمائه تعالي الحسني اسمه اللطيف, وكلمة اللطيف صفة مشبهة للموصوف باللطف فعله, وأصل هذه الكلمة في اللغة مأخوذ من الخفاء والرقة; يقال: علم فلان لطيف; أي خفي دقيق. وفلان لطيف العمل; أي يصنع الصنائع الدقيقة, ويقال: جسم لطيف; إذا كان شفافا أو ضئيلا. أما معني اسم اللطيف في حقه تعالي; فهو الذي لطفت أفعاله وحسنت, أو الذي لا تدركه الحواس, قال تعالي: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير, الأنعام:103], أو العليم بخفيات الأمور ودقائقها; قال تعالي: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير, لقمان:16], وقال: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير, الملك:14], أو الذي يعلم دقائق المصالح وغوامضها ثم يسلك في إيصالها لمستحقيها سبيل الرفق دون العنف; قال تعالي: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير, الحج:63]. فاللطف من الله تعالي التوفيق والعصمة وايصال الخير لخلقه, فيوصل إليهم إحسانه وألطافه من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون, قال تعالي: الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز, الشوري:19], وقول نبي الله يوسف عليه السلام مبينا للطف الله سبحانه ورفقه به بعد أن ألقاه إخوته في الجب: إن ربي لطيف لما يشاء بعد قوله: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي, يوسف:100]. قال ابن عطاء الله السكندري: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره. ومن مظاهر لطف الله بعباده أنه يلطف بالجنين في بطن أمه وقد خلقه في ظلمات ثلاث; فيحفظه ويغذيه ويربيه حتي ينزل من بطن أمه فيكفل له من يأخذ بيده ويرعاه حتي يصبح قويا ناضجا يستطيع الاعتماد علي نفسه, ثم هو مع ذلك يرعاه ببره ويكفل له رزقه ويحفظه بعنايته, وإذا عمل حسنة ضاعفها له وإذا عمل سيئة غفرها له إن استغفر; فإن لم يستغفر كتبها عليه سيئة واحدة. ومن لطف الله تعالي بعباده أنه لم يتركهم هملا; بل أرسل إليهم الرسل يعلمونهم ويرشدونهم; كما جعل لهم حفظة من الملائكة يكلئونهم ويحفظونهم; قال تعالي: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله, الرعد:11]. فالله سبحانه وتعالي بر بعباده رفيق بهم, وهو لطيف بالبر والفاجر; حيث لم يقتل الكفار مثلا جوعا بمعاصيهم, وهو سبحانه في الآخرة لطيف بعباده المتحققين بالعبودية في العرض والمحاسبة. فيجب علي كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالي هو اللطيف علي الكمال, وأن كل لطف إنما هو من عند ربه, وليشغل نفسه بالشكر لمن لطفه به خفي وبره إليه واصل في سرائه وضرائه. فكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي وكم يسر أتي من بعد عسر ففرج كربة القلب الشجي وكم أمر تساء به صباحا وتأتيك المسرة في العشي إذا ضاقت بك الأحوال يوما فثق بالواحد الفرد العلي تشفع بالنبي فكل عبد يغاث إذا تشفع بالنبي ولا تجزع إذا ما ناب خطب فكم لله من لطف خفي وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم متخلقا بصفة اللطف, تقول السيدة عائشة عن ذلك: ويريبني في وجعي, أني لا أري من النبي صلي الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أري منه حين أمرض, رواه البخاري/2661], فإذا أردت أن تنال حظا من اسمه اللطيف; فكن لطيفا بالعباد, تبذل لهم لطيف الألفاظ, وتتلطف في دعوة العصاة إلي الحق, وتجذبهم بلطيف أخلاقك, وتهتم بأهل الفقر فتتلطف معهم, وتدعو لهم, وتسأل الله اللطف بهم في كل حال. ومن الأدعية التي ذكرها العلماء متعلقة بهذا الاسم: إلهي إن ألطافك أحاطت بالموجودات وعمت الكائنات, وإن لك نفحات إذا سرت في قلب غافل أيقظته أو عبد مذنب قربته, وإن لك لحظات جعلت أولياءك عندك في أعلي الدرجات, وإن لك ألطافا صيرت الواصلين لا يلتفتون إلي الحياة. إلهي.... لطفت بنا في كل مرحلة في هذه الحياة, فالطف بنا حتي نخرج من هذه الدار, والطف بنا عند سؤال الملائكة الأطهار, وأشهدنا تجلي ألطافك في النفس والآفاق, فأنت الواحد الأحد الخلاق, وأنت علي كل شيء قدير: فيا خفي الألطاف نجنا مما نخاف. المزيد من مقالات د. علي جمعة