وفي هذا السياق تمثل الصين العلامة الفارقة. فعلي مر القرون تناوبت اليابان والصين الهيمنة علي منطقة شرق آسيا، وتسعي كل منهما الآن إلي تأكيد سيطرتها الإقليمية. وتاريخياً، كانت شبه الجزيرة الكورية مسرحاً لهذه المنافسة، ولكن مع اقتراب حلول السلام بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، فقد بدأت كوريا الجنوبية أيضاً في السعي إلي فرض نفوذها الإقليمي. \r\n \r\n ويأتي السخط علي أخطاء الماضي ومظالمه ليدعم كل تلك المساعي المتنافسة إلي فرض النفوذ. ففي أثناء زيارته للولايات المتحدة في شهر يونيو الماضي أكد روه موو هيون رئيس كوريا الجنوبية للرئيس بوش أن الصين قامت بغزو كوريا أكثر من مائة مرة علي مدار التاريخ. وبالطبع أصابت هذه الملحوظة الصين بصدمة عميقة، وهي الدولة التي تنظر إلي نفسها كضحية للغزوات (التي كان أكثرها إذلالاً ومهانة من قِبَل اليابان)، لكنها تنسي تاريخها في التحرش بجيرانها. \r\n \r\n كما بادر روه إلي انتقاد اليابان علي الملأ بسبب جبنها وإحجامها عن مواجهة جرائم الحرب التاريخية التي ارتكبتها، ثم أضاف أن اليابان لا تستحق مقعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كانت اليابان قد استعمرت كوريا، وأثناء الحرب العالمية الثانية أجبرت الكوريين علي الانضمام إلي الجيش الإمبراطوري الياباني وهو موقف مشابه لما حدث مع تايوان. وبينما كان الصراع بين الصين واليابان لفرض السيطرة علي كوريا يمثل ذروة الدراما في شرق آسيا، لم تكن تايوان تشكل أكثر من استعراض ثانوي، أو مجرد قاعدة أمامية لأسرة كينج الإمبراطورية، أما كوريا فكانت دولة تابعة تدفع الجزية للصين. \r\n \r\n وبعد هزيمة كل من أسرة كينج وروسيا، لم تكتف اليابان بفرض سيطرتها علي شبه الجزيرة الكورية، بل لقد وسعت إمبراطوريتها لكي تضم شمال شرق الصين. وباعتباره \"الأخ الأكبر\" لشرق آسيا فقد أسس جيش كوانتونج الياباني مدينة مانشوكو في شمال شرق الصين عام 1932. وكانت اليابان تعتزم أن تجعل من مانشوكو نظير الهند بالنسبة لبريطانيا، أو نظير الجزائر بالنسبة لفرنسا جوهرة التاج الإمبراطوري فأرسلت مليون مهاجر إلي مانشوكو (مات منهم 800 ألف بعد أن استولت روسيا علي مانشوكو في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية) بينما عمدت إلي استثمار رؤوس أموال ضخمة لتنمية الصناعات الثقيلة. \r\n \r\n كانت حكومة نانجينج اليابانية في الصين تحت زعامة وانج جينجوي، مثل حكومة فيشي الألمانية في فرنسا بزعامة هنري فيليب بيتان. ولقد عومل كل من الرجلين معاملة الخونة بعد نهاية الحرب. علي النقيض من هذا ونتيجة للاستعمار الطويل تربت لدي تايوان وكوريا عقدة المقاومة وفي ذات الوقت الاتكال علي الحكام. وفيما عدا استثناءات قليلة كان النظام الاستعماري يستوعب النخبة المحلية هناك. \r\n \r\n لكن النتيجة كانت متماثلة في كافة أرجاء المنطقة في أعقاب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. فقد نشبت الحرب الأهلية في الصين، وتم تقسيم شبه الجزيرة الكورية، أما مستعمرات جنوب شرق آسيا الأخري، باستثناء تايلاند فقط، فقد لجأت إلي القوة العسكرية طلباً للاستقلال. \r\n \r\n حتي الآن ما زالت الصين عاجزة عن مواجهة تاريخ مانشوكو وتاريخ حربها الأهلية، ناهيك عن فتح الملفات السرية بشأن قرار ماوتسي تونج بإرسال ما يقرب من مليون جندي إلي الحرب الكورية. ومؤخراً فقط فتحت كوريا الجنوبية المحادثات مع الحكومة اليابانية بشأن استرداد رفات العبيد الكوريين. وفي ضريح ياسوكوني باليابان كان أكثر من عشرين ألف جندي تايواني ومثلهم من الكوريين الذين ماتوا من أجل اليابان الإمبراطورية يتلقون فروض العبادة. ومؤخراً بدأت بعض الجمعيات الأهلية في كل من الدولتين في المطالبة بإعادة رفات أولئك الجنود الذين دفنوا في ياسوكوني. \r\n \r\n تعكس هذه اليقظة التايوانية المتأخرة الاعتماد المبكر للحكومة القومية هناك علي الحماية من قِبَل الولاياتالمتحدة والمساعدة من قِبَل اليابان. ولم يكن أمام شيانج كايشك خيار سوي الرد علي الشر بالخير حين وعد بالتنازل عن مطالبة اليابان بالتعويض، وحين رتب سراً لرئيس أركان جيش كوانتونج السابق الانضمام إلي جهود تايوان الرامية إلي صد الشيوعيين. والحقيقة أن اليابان لم تعتذر قط عن استعمار تايوان، كما لم تسنح لأهل تايوان الفرصة للنبش في صفحات التاريخ خلال ثلاثين عاماً من الأحكام العرفية المفروضة علي تايوان. \r\n \r\n في هذا الربيع اشتعلت المظاهرات المناهضة لليابان في نفس الوقت تقريباً في كل من الصين وكوريا، في إطار المساعي التي تبذلها الدولتان من أجل استغلال ذكري الهيمنة اليابانية في خدمة بناء هوية وطنية جديدة وتأسيس موقف إستراتيجي جديد. ومثل الأحداث التي جرت في شهر مايو احتفالاً بمرور ستين عاماً علي نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، فلنا أن ننتظر من احتفالات الخامس عشر من أغسطس إحياءً لذكري نهاية الحرب في منطقة الباسيفيكي، أن تكشف عن حساسيات تاريخية ما زالت باقية وما زالت قاسية ومؤلمة. ولكن بخلاف أوروبا فإن الذكريات التاريخية في آسيا ما زالت تقترن بطموحات إستراتيجية حالية. \r\n \r\n منذ مائة عام أدي صعود نجم القوة العسكرية اليابانية إلي تغيير مصير آسيا. ومنذ ستين عاماً أدي زوال قوة اليابان إلي تغيير مصير آسيا مرة أخري. واليوم مع نهوض الصين علي صعيدي الثروة والقوة لكي تنافس اليابان، فإن آسيا تحبس أنفاسها في انتظار تبدد أشباح الماضي. \r\n \r\n \r\n \r\n أنطونيو شون-نان شيانج \r\n \r\n كان نائب الأمين العام \r\n \r\n لمجلس الأمن القومي التايواني \r\n \r\n في الفترة من عام 2000 إلي عام 2004. \r\n