بقلم: عبد الباري عطوان المشهد في منطقة الشرق الأوسط ، بعد خمسة اعوام من الحرب علي الارهاب ، التي شنتها الادارة الامريكية، بالاشتراك مع تحالف الراغبين يبدو اكثر سوءا مما كان عليه الوضع قبلها، فالحرب الأهلية الطائفية تحصد ارواح العشرات يوميا، وخسائر القوات الغربية، بدأت ترتفع بشكل فلكي في افغانستان بعد عودة طالبان بقوة واعادة سيطرتها علي حوالي خمس محافظات علي الأقل، وانهيار حكومة كرزاي كلياً (اين هو وعباءته الخضراء بالمناسبة)، اما الملف النووي الايراني فما زال يحمل مشروع حرب جديدة ربما تبزّ كل الحروب السابقة. الارهاب الذي انفقت الولاياتالمتحدةالامريكية اكثر من 350 مليار دولار علي مكافحته، وخسرت حوالي ثلاثة الاف من جنودها، الي جانب مصداقيتها، وزيادة الكراهية لسياساتها في العالم الاسلامي، يزداد وتتوسع دائرته بشكل غير مسبوق، وبدأ يضرب عصفورين بحجر واحد، مثلما حدث في العاصمة الاردنية عمان قبل يومين، الأول هز استقرار الدول المتعاونة في الحرب ضده تمهيدا لاضعاف اقتصادها، والثاني رعايا الحكومات الغربية الأكثر حماسا لهذه الحرب مثل بريطانيا واستراليا. واذا اضفنا المجازر التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في لبنان، والحصار المذل بشقيه البحري والبري الذي ما زالت تفرضه، فان الصورة تبدو حالكة السواد بالنسبة الي الرئيس الامريكي وحليفه توني بلير والمحافظين الجدد الذين ورطوه في هذه الحروب. السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط وضعت العالم بأسره في حال من الفوضي وعدم الاستقرار، ومن المفارقة ان الرئيس بوش لا يريد ان يتراجع عنها، بل يصر علي الاستمرار فيها، دون اي اعتبار لنتائجها الكارثية. الرئيس بوش يصر علي التأكيد في كل خطاباته وتصريحاته الاخيرة بان حكومته تخوض حربا ضد الفاشية الاسلامية لمنعها من الوصول الي الاراضي الامريكية، بينما يقول حليفه توني بلير ان العراقيين والافغان يقاتلون من أجل الديمقراطية وقيمنا التي يشاركوننا اياها، وعلينا ان نقوي المعتدلين، والاغلبية الاسلامية في مواجهة الاقلية الرجعية . الديمقراطية التي يتحدث عنها بوش وبلير تتحول الي كوابيس مرعبة في العراق وافغانستان، وباتت محصورة في ربع كابول واقل من خمس بغداد. حيث حكومات مركزية عاجزة تماما عن توفير الأمن لاعضائها ناهيك عن شعوبها. تحالف الرئيس بوش الذي اسسه قبل خمس سنوات، بدأ يتآكل، ويفقد اهم اركانه، فقد سقط خوسيه ماريا ازنار في اسبانيا، ولحقه سيلفيو برلسكوني في ايطاليا، وها هو بلير يترنح ويتشبث بالحكم بخيط عنكبوتي بفعل الضربات التي تنهال عليه من المعارضة واستطلاعات الرأي، بل ومن داخل الدائرة الصغيرة المؤيدة له، حيث تتصاعد المطالبات بتنحيه عن السلطة في اسرع وقت ممكن، بسبب اخطار التصاقه بالرئيس بوش وحروبه علي أمن بريطانيا ومواطنيها ومصالحها. السياسات الامريكية التي تتمحور حول الرؤية الاسرائيلية، وتوظف كل اوراق القوة الامريكية من أجل خدمة مصالحها في الهيمنة والابتزاز والاحتلال، تؤدي الي نتائج عكسية تماما، اي خدمة المتطرفين وقتل الاعتدال في المنطقة بأسرها. الغالبية الساحقة من المعتدلين العرب تعيش هذه الايام اسوأ ايامها، حيث تواجه حالة من العداء غير مسبوقة من قبل الجماهير الغاضبة المحبطة الثائرة، وبات الليبراليون الجدد يرفعون رايات الهزيمة دون تردد. كيف ستخدم السياسات الامريكية الاعتدال، وكيف سيقوي توني بلير المعتدلين ويقيم قوسا منهم في مواجهة قوس التطرف النامي حاليا، وهم يقرون الحصار القاتل في الاراضي المحتلة، ويدعمون الحصار الجوي والبحري علي لبنان، ويعملون علي اذكاء نار الحرب الطائفية في العراق، ويمهدون لفصل كردستان عن الوطن الأم، ويخططون لفرض حصار اقتصادي علي ايران بسبب برنامجها النووي الخداج ، ويديرون وجوههم كلياً عن الرؤوس النووية الاسرائيلية! الادارة الامريكية تدعم انتفاضة الارز في لبنان، وهللت وطبلت لها واعتبرتها تحولا تاريخيا، وبداية قوية لانتشار الديمقراطية في المنطقة، وسقوط حكومات الاستبداد. هذا جميل، ولكن كيف تفسر هذه الادارة الحصار البحري والبري علي لبنان، ومن قبله المجازر والدمار الاسرائيليين في هذا البلد كرد فعل علي اسر جنديين، اجمع الجميع علي انه مبالغ فيه، ومفرط في استخدامه للقوة؟ حلفاء امريكا في لبنان باتوا الاضعف حجة وحضوراً، لأن الادارة الامريكية تخلت عنهم، بل لم تفكر فيهم، وأيدت وللمرة الأولي في تاريخها، هجوما من احد حلفائها علي حليف آخر اعرق ديمقراطية. جميع حلفاء امريكا الخلص في المنطقة، يدارون وجوههم خجلا واحراجا، فدول مثل مصر والمملكة العربية السعودية لا تستطيع ارسال طائراتها المدنية الي لبنان، وهي التي تقاوم المحور الايراني السوري الجديد، وتجسد تحالفها العلني مع اسرائيل في مواجهته. والسبب هو السياسة الامريكية البريطانية العمياء الداعمة لهذه البلطجة الاسرائيلية. حتي حليفة واشنطن الاحدث، والأكثر دلالا، اي ليبيا، لم تجرؤ، وهي التي طالما اشتكت قيادتها من الخذلان العربي لها ايام حصارها، علي ارسال طائرة واحدة الي لبنان، لتثبت لمن تخلوا عنها انها اكثر شجاعة ومروءة منهم. التطرف الاسلامي يتسع ويقوي، لأنه يجد بيئة خصبة من الاحباط والغضب في اوساط مليار ونصف المليار مسلم في مختلف انحاء العالم. فالادارة الامريكية الحالية لا تعلن حرباً علي الارهاب، وانما علي الاسلام والمسلمين، لمصلحة اسرائيل، وليس لمصلحة امريكا بشكل خاص والغرب بشكل عام. هذا المواطن الاردني الذي استل مسدسه واطلق النار علي سياح ابرياء في قلب العاصمة الأردنية، ارتكب جريمة ارهابية، ولا نقاش في ذلك، ولكن جريمته هذه تتواضع كثيرا امام جرائم امريكا في العراق واسرائيل في فلسطين التي يسقط ضحية لها مئات الآلاف من الابرياء ايضا، وتدمر مدن فوق رؤوس اهلها، وتتفكك بلادهم امام اعين من تبقي منهم علي قيد الحياة. الحرب علي الارهاب فشلت لأنها انطلقت من اجل خدمة اسرائيل ومجازرها، وحماية انظمة عربية ديكتاتورية فاجرة فاسدة، واعادة المنطقة الي حظيرة استعمار غربي جديد يقوم علي الاستغلال والقهر والإذلال. بلير وبوش يتحملان المسؤولية الأكبر عن هذه الفوضي الدموية، وهذا العنف والارهاب اللذان يسودان العالم حاليا، و سياسة الخوف التي يمارسانها لتبرير حروبهما علي الاسلام والمسلمين، من خلال وصمهم بالارهاب، والكشف بين الحين والآخر عن اعمال ارهابية يقفون خلفها، دون ادلة كافية لترويع مواطنيهم، وضمان تأييد حروبهم، واستمرار انفاق مئات المليارات من اموال دافعي الضرائب، لن تنقذهما من المساءلة، وربما العقاب في المستقبل القريب.