الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة -وإن ارتفعت تكلفتها الآن- ستكون السوق المستقبلي للطاقة، بدليل التحولات الكبرى في سياسات الطاقة بالدول المتقدمة بأوروبا وأميركا لايزال تحدي تلوث البيئة يلاحق قطاع الطاقة، وبخاصة أن العالم لا يزال يعتمد بنسبة 81% في استهلاك الطاقة على مصادر إحفورية، تتسبب في انبعاثات كربونية، ذات آثار سلبية على البيئة تمثل الطاقة عصب الحضارة الحديثة، لذلك اتجهت جهود الدول الصاعدة والمتقدمة نحو اكتشاف مصادر جديدة ومتجددة للطاقة، كما قامت بتطوير القائم منها بصورة كبيرة، ومع ذلك لا تزال الحاجة إلى الطاقة لا تنتهي، سواء من حيث حجم الطاقة المطلوبة، أو التغلب على الآثار الجانبية لاستخدام مصادر الطاقة الأحفورية المتمثلة في النفط والفحم. ونشر موقع قناة الجزيرة ما ذكره الكتاب حول أهمية استخدام الطاقة، ودخولها في مجالات متعددة، وبخاصة على الصعيد الاقتصادي، ومنها هذه المعلومات على سبيل المثال أن "العالم يستخدم 15 مليار وحدة حرارية بريطانية في كل ثانية، وهو ما يعادل تشغيل أربعين مصباحًا كهربائيًا لكل إنسان يعش في هذا الكوكب، بمن فيهم 1.6 مليار إنسان على وجه الأرض لا يستخدمون الكهرباء كونها ليست بمتناول أيديهم". ونظرًا لاعتماد اقتصاديات الطاقة في عصرنا الحديث على المال والتكنولوجيا، وهما سلاحان لا تملكهما الدول النامية، فقد اعتمد المؤلف على هذا المدخل في تسمية كتابه "الطاقة لعبة الكبار.. ما بعد الحضارة الكربونية". وهو يعول كثيرًا على أن تطوير نظم الطاقة يعتمد بدرجة كبيرة حاليًا على تواصل تقنيات الطاقة بثورة الاتصالات والمعلومات، وهو ما سيحدث ثورة في عالم الطاقة خلال الفترة المقبلة من خلال تكنولوجيا الطاقة. اشتمل الكتاب على تمهيد، وعشرة فصول، وخاتمة، وثبت بالمراجع، ووفق ما جاء في التمهيد فإن القطاع الصناعي يستحوذ على النصيب الأكبر من استهلاك الطاقة المنتجة عالميًا بنسبة 50 %، بينما يحتل المرتبة الثانية في استهلاك الطاقة قطاع النقل بنسبة 30 %، والنسبة الباقية من نصيب استهلاك المنازل والأغراض الأخرى. وتتعدد مصادر الطاقة الأولية التي يستهلكها العالم، فيتم توفير نسبة 33% من احتياجات العالم من البترول، ونحو 27% من الفحم، وقرابة 21% من الغاز الطبيعي، أما النسبة الباقية وهي 19% فيتم توفيرها من خلال الطاقة النووية والمائية، ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل الطاقة الشمسية والرياح. تحديات الطاقة يذكر المؤلف مجموعة من التحديات تواجه قطاع الطاقة بكل ما يحتويه القطاع من مواد للطاقة أو مستخدميها، أو الاستثمارات اللازمة لاستخراجها وإنتاجها من المصادر الحيوية والمتجددة. فيشير المؤلف إلى أهم هذه التحديات، والمتمثل في وجود نحو مليارين من سكان العالم لا يزالوا يعتمدون على الكتلة الحيوية في توفير احتياجاتهم من الطاقة، وجل هؤلاء السكان من الدول النامية. ويعتمد هؤلاء السكان على الكتلة الحيوية في توفير الحرارة وليس الكهرباء، ويعترى هذه الاستخدامات أساليب بدائية، تتسبب في زيادة معدلات التلوث، كما تحرم هؤلاء السكان من الاستفادة من خدمات عديدة، توثر على مستويات التنمية بالدول النامية. أما التحدي الثاني على الصعيد السكاني، فهو وصول عدد سكان العالم عام 2050 إلى نحو عشرة مليارات نسمة، وهو ما يعني زيادة موارد الطاقة اليومية إلى نحو أربعمائة مليون برميل مكافئ، أي وجود زيادة في معدلات استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 62% مما هي عليه الآن. وثالث هذه التحديات الاستثمارات الموجهة لقطاع الطاقة في المجالات الجديدة والمتجددة، وهو ما لم تتطرق إليه الدول النامية، إلا في أضيق الحدود، وإن كانت الدول الصاعدة قد اتخذت فيه خطوات جيدة، قربتها كثيرًا من وضع الدول المتقدمة. " لايزال تحدي تلوث البيئة يلاحق قطاع الطاقة، وبخاصة أن العالم لا يزال يعتمد بنسبة 81% في استهلاك الطاقة على مصادر إحفورية، تتسبب في انبعاثات كربونية، ذات آثار سلبية على البيئة " ففي عام 2011 بلغت الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة نحو 210 مليارات دولار، مقارنة بنحو عشرين مليارا عام 2004، أي أنه على مدار ما يقرب من سبع سنوات زاد حجم الإنفاق في هذا المجال بنحو 190 مليار دولار، وبنسبة زيادة قدرها 950%. وتقدر الوكالة الدولية للطاقة متطلبات الاستثمار للفترة من عام 2001 – 2030 بنحو ثلاثين تريليون دولار، تنفق على إنشاء محطات توليد الطاقة الجديدة، والقيام بعمليات الإحلال للمحطات التي تتقادم خلال تلك الفترة. التحديات السياسية، من أبرز التحديات التي تناولها الكتاب من خلال صراع الشركات العاملة في مجال الطاقة، وكذلك تحريك ملفات الطاقة للعديد من الحروب والصراعات الإقليمية والدولية، واستشهد المؤلف بما حدث في حرب أميركا وأوروبا على العراق من تدمير لمحطات الكهرباء وتركيزهم للحفاظ على آبار النفط، وكذلك تركيز سياسات الدول الكبرى في علاقاتها الخارجية تجاه منابع البترول والغاز الطبيعي. أيضًا لايزال تحدي تلوث البيئة يلاحق قطاع الطاقة، وبخاصة أن العالم لا يزال يعتمد بنسبة 81% في استهلاك الطاقة على مصادر إحفورية (البترول، والفحم، والغاز) وهي مصادر تتسبب في انبعاثات كربونية، ذات آثار سلبية على البيئة. ومن جهة أخرى فإنه على الرغم من الأساليب المتطورة لاستخراج النفط فإن حوادث التسرب النفطي كارثية على المستوى البيئي، وخير شاهد ما حدث من تسرب على الشواطئ المكسيكية أثناء استخراج الشركة البريطانية للنفط هناك، وقد تسبب ذلك في تدمير الكثير من المحميات الطبيعية والحيوانات المائية، وتلوث المياه وغيرها. مجالات جديدة للطاقة ويؤكد عبد الحافظ الصاوي، في عرضه للكتاب، إلى أنه في الوقت الذي تمثل النفايات مشكلة للدول النامية اتجهت الدول المتقدمة منذ فترة إلى إنتاج الطاقة من المخلفات بكافة أنواعها سواء كانت صلبة أو حيوية. وتقدر القدرات المركبة من الكتلة الإحيائية في إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم بعام 2009 بنحو 54 جيجا وات، وتحتل أميركا المرتبة الأولى في هذه التكنولوجيا، تليها اليابان وألمانيا، فإن الصين والهند قد دخلتا هذا المجال أيضًا. ففي الهند تغذي المخلفات والنفايات الزراعية محطات الكهرباء بقدرة 835 ميجا وات، وتغذي مصاصة القصب وحدها في الهند أيضًا محطات كهرباء تعمل بنظام الحرق المزدوج بنحو 1500 ميجاوات، من بين هذه المحطات ما هو معزول عن شبكات الكهرباء وتقوم بتغذية مناطق نائية. ويشير المؤلف إلى الجهود العلمية المبذولة في مجال النانو تكنولوجي لتوفير الطاقة، فيذكر أنه بمساعدة تكنولوجيا النانو أمكن إنتاج أقمشة ذكية يمكنها تنظيف نفسها بنفسها، وبالتالي فنحن نوفر من خلال هذه الأقمشة الماء الساخن أو البارد، وبالتالي نوفر الطاقة المستخدمة في استخراج الماء أو تسخينه. وثمة أبحاث متقدمة في مجال إنتاج الطاقة غالبيتها في الدول المتقدمة وبعض الدول الصاعدة، منها على سبيل المثال ما قام به طلاب إحدى الجامعات الفرنسية من إنتاج بلاط تغطى به الأرضيات، ويؤدي السير عليه إلى توليد الكهرباء، ولكن هذا الإنتاج العلمي لم يدخل الحيز التجاري لارتفاع تكلفته حاليًا، إلا أن الطلاب يقترحون استخدام هذا البلاط في الأماكن التي يكثر فيها السير من قبل عدد كبير من البشر مثل المطارات ومحطات السكك الحديدية وما شابهها. ويعدد المؤلف نماذج أخرى في استخدامات السيارات الكهربائية والنيتروجينية وغيرها. " الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة -وإن ارتفعت تكلفتها الآن- ستكون السوق المستقبلي للطاقة، بدليل التحولات الكبرى في سياسات الطاقة بالدول المتقدمة بأوروبا وأميركا ويشير المؤلف إلى أنه طبقا لأرقام عام 2010 فإن الطاقة الشمسية الحرارية على مستوى العالم، قد نمت نموًا كبيرًا، ووصل إجمالي المنازل المركب بها تلك الأنظمة إلى ستين مليون منزل, لتصل الطاقة الشمسية الحرارية المستخدمة للتدفئة والتسخين إلى 185 تيرا وات سنويا، كما ينتظر أن يشهد هذا السوق نموًا بنسبة 15 - 20% سنويًا خلال الأعوام القادمة. ويتوصل المؤلف إلى أن الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة –وإن ارتفعت تكلفتها الآن- ستكون السوق المستقبلي للطاقة، ويستشهد على صدق هذه النتيجة بالتحولات الكبرى في سياسات الطاقة بالدول المتقدمة بأوروبا وأميركا. كما يسوق في هذا المضمار الجهود الناجحة لتجربة دولة نامية هي الهند، التي استطاعت أن توازن بين احتياجاتها من الطاقة واحتياجاتها من الخبز، فبعد أن نجحت في إنتاج الطاقة النووية، دخلت مجال الطاقة المتجددة، وجذبت كبريات الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة، وتعد الهند الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي لديها وزارة متخصصة للطاقة المتجددة.