أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ينايرالماضي، وبموجب القرار 151 /65 اعتبار سنة 2012 السنة الدولية للطاقة المستدامة للجميع.. تمثل السنة الدولية للطاقة المستدامة فرصة ثمينة لزيادة الوعي بأهمية الحصول المستدام والمتزايد على الطاقة، والوعي بكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة على الأصعدة المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.. ولخدمات الطاقة أثر عميق فى الإنتاجية، والصحة، والتعليم، وتغير المناخ، والأمن الغذائي والمائي، وخدمات الاتصالات، ولذلك فإن عدم إمكانية الوصول إلى مصادر طاقة نظيفة ومعقولة التكلفة وموثوق فيها يعيق التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، ويشكل عقبة أمام تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ولا يزال هناك 1.4 مليون شخص لا يحصلون على مصادر طاقة حديثة ، في حين يعتمد 3 مليارات شخص في البلدان النامية على الكتلة الإحيائية التقليدية والفحم كمصدر رئيسي للطاقة، وفي أغراض الطهي والتدفئة، كما أن 1.5 مليار شخص بلا كهرباء، وحتى لو توافرت خدمات الطاقة، فإن ملايين الناس من الفقراء غير قادرين على دفع تكاليفها. ولذلك هناك صلة مباشرة بين الطاقة والتنمية المستدامة من جهة وبين أهمية وجود طاقة عصرية أنظف وأكفأ.. من جهة أخري، في سبيل القضاء علي الفقر والحصول على خدمات الطاقة الحديثة بتكلفة معقولة في البلدان النامية أمر أساسي لتحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا، بما فيها الأهداف الإنمائية للألفية، والتنمية المستدامة، وهو ما من شأنه أن يساعد على الحد من الفقر وتحسين أحوال ومستويات معيشة غالبية سكان العالم. لذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية الاستثمار في سبل الحصول على خيارات تكنولوجيا الطاقة الأنظف وتأمين مستقبل للجميع يمكن فيه مواجهة تغير المناخ وضرورة زيادة إمكانية الحصول على خدمات وموارد طاقة يمكن الاعتماد عليها وتحمل تكاليفها وتكون مجدية اقتصاديا ومقبولة اجتماعيا وسليمة بيئيا تحقيقا للتنمية المستدامة، وتأخذ في الاعتبار اختلاف الأوضاع في البلدان، ولا سيما البلدان النامية، وسياساتها الوطنية والاحتياجات الخاصة بها. وشددت أيضا على أهمية الاستخدام الأوسع لما هو متاح من أو يضاف إلى مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة الأنظف واستكشافها على نطاق أوسع يتطلب نقل التكنولوجيا وانتشارها على نطاق عالمي عبر سبل تشمل التعاون بين بلدان الشمال والجنوب، وفيما بين بلدان الجنوب نفسها والتعاون الثلاثي الحاجة إلى اتخاذ تدابير إضافية لحشد الجهود اللازمة لتوفير موارد مالية كافية، ذات جودة مرضية متأتية في الوقت المناسب، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية وذلك للسماح باستخدام مصادر الطاقة، لا سيما مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، استخداما يتسم بالكفاءة وتوسع النطاق. وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية السياسات والاستراتيجيات الوطنية التي ترمي إلى الدمج، على نحو مناسب، بين الاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وتكنولوجيات الانبعاث المنخفض للكربون، بما فيها تكنولوجيات الوقود الأحفوري الأنظف، والاستخدام المستدام لخدمات الطاقة التقليدية، وتعزيز القدرات الوطنية على تلبية الطلب المتنامي على الطاقة، على نحو مناسب، بدعم عبر التعاون الدولي في هذا المجال وعبر تشجيع العمل على تطوير ونشر استخدام تكنولوجيات طاقة مناسبة، ويمكن تحمل تكاليفها، ومستدامة، بالإضافة إلى نقل هذه التكنولوجيات بشروط يتفق عليها بالتراضي. ويضطلع برنامج الأممالمتحدة للطاقة، وهو مجموعة تنسيق من 20 وكالة من وكالات الأممالمتحدة بمبادرة عالمية جديدة هي "الطاقة المستدامة للجميع"، وتشرك المبادرة الحكومات، والقطاع الخاص، وشركاء المجتمع المدني على الصعيد العالمي في العمل من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية بحلول عام 2030 ، وهي كفالة إمكانية حصول الجميع على خدمات الطاقة الحديثة؛ الحد من كثافة الطاقة بنسبة 40% ؛ زيادة استخدام الطاقة المتجددة على نطاق عالمي بنسبة 30% . والطاقة المتجددة، هي الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد أو التي لا يمكن أن تنفد (الطاقة المستدامة)، ومصادر الطاقة المتجددة، تختلف جوهريًا عن الوقود الأحفوري من بترول وفحم وغاز طبيعي، أو الوقود النووي الذي يستخدم في المفاعلات النووية. ولا تنشأ عن الطاقة المتجددة في العادة مخلفات كثاني أكسيد الكربون أو غازات ضارة أو تعمل على زيادة الانحباس الحراري كما يحدث عند احتراق الوقود الأحفوري أو المخلفات الذرية الضارة الناتجة من مفاعلات القوي النووية.. وتنتج الطاقة المتجددة من الرياح والمياه والشمس، كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر أو من طاقة حرارة أرضية وكذلك من المحاصيل الزراعية والأشجار المنتجة للزيوت. إلا أن تلك الأخيرة لها مخلفات تعمل على زيادة الانحباس الحراري.. وحاليا ًأكثر إنتاج للطاقة المتجددة ينتج في محطات القوي الكهرمائية بواسطة السدود العظيمة أينما وجدت الأماكن المناسبة لبنائها على الأنهار ومساقط المياه، وتستخدم الطرق التي تعتمد على الرياح والطاقة الشمسية طرق على نطاق واسع في البلدان المتقدمة وبعض البلدان النامية ؛ لكن وسائل إنتاج الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أصبح مألوفا في الآونة الأخيرة، وهناك بلدان عديدة وضعت خططا لزيادة نسبة إنتاجها للطاقة المتجددة بحيث تغطي احتياجاتها من الطاقة بنسبة 20 \% من استهلاكها عام 2020. وفي مؤتمر كيوتو باليابان إتفق معظم رؤساء الدول علي تخفيض إنتاج ثاني أكسيد الكربون في الأعوام القادمة وذلك لتجنب التهديدات الرئيسية لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري، بالإضافة للمخاطر الاجتماعية والسياسية للوقود الأحفوري والطاقة النووية. وأظهر التقرير العالمي حول أوضاع الطاقة المتجددة لعام 2011، الذي أصدرته "شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين" في أبو ظبي، أن الاستثمارات في هذا القطاع سجلت رقماً قياسياً بلغ 211 بليون دولار العام الماضي، ما يزيد على الثلث مقارنة بعام 2009. وأشار التقرير إلى ازدياد الأموال المستثمرة في شركات الطاقة المتجددة وفي عمليات توليد الكهرباء على نطاق المرافق الخدمية ومشاريع الوقود الحيوي لتبلغ 143 بليون دولار، مع تفوق البلدان النامية على الدول المتقدمة للمرة الأولى في هذا المجال. وبلغت حصة الصين من هذه الاستثمارات 5.48 بليون دولار أي أكثر من ثلث إجمالي الاستثمارات العالمية في القطاع، لكنّ دولًا نامية أخرى شهدت تطورا كبيرا في القطاع أيضا من حيث السياسات والاستثمارات واتجاهات السوق والتصنيع. وشهدت مناطق كدول أمريكا اللاتينية و20 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى تطورا في هذا المجال. وأظهر التقرير أن قطاع الطاقة المتجددة يواصل أداءه الجيد على رغم استمرار الركود الاقتصادي وخفض الحوافز وانخفاض أسعار الغاز الطبيعي، وأن قطاع الطاقة المتجددة قدم في عام 2010 نحو 16% من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم وساهم في توليد نحو 20% من الطاقة الكهربائية على نطاق عالمي.. وأورد التقرير أن الطاقة المتجددة تشكل نحو ربع الطاقة الإنتاجية لتوليد الطاقة الكهربائية في العالم. وقال رئيس شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين "محمد العشري": كان الأداء العالمي لقطاع الطاقة المتجددة إيجابياً وثابتاً على رغم الأوقات العصيبة التي مر بها العالم، ويستمد اليوم مزيد من الناس حاجاتهم من الطاقة من المصادر المتجددة التي تستمر قدراتها في النمو وأسعارها في الانخفاض مع استمرار زيادة حصتها في إجمالي الإنتاج العالمي للطاقة. ورأى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة عدنان أمين أن تحقيق النمو المنشود في قطاع الطاقة المتجددة يعتمد على وجود السياسات الحكومية الداعمة له، ومع ذلك فإن قطاع الطاقة المتجددة يتجه بالفعل إلى خفض تكاليفه إلى مستويات منافسة للمصادر الأخرى. وتزايد في الفترة الأخيرة ما يعرف باسم "تجارة الطاقة المتجددة" التي هي نوع من الأعمال التي تتدخل في تحويل الطاقات المتجددة إلى مصادر للدخل والترويج لها، وعلى الرغم من وجود الكثير من العوائق غير التقنية التي تمنع إنتشار الطاقات المتجددة بشكل واسع مثل تكلفة الاستثمارات العالية البدائية وغيرها، فإن ما يقرب من 65 دولة تخطط للاستثمار في الطاقات المتجددة، وعملت على وضع السياسات اللازمة لتطوير وتشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في العديد من المناطق حول العالم، يواصل المجتمع الدولي التزامه بإيجاد السبل الكفيلة بتنويع مصادر الطاقة وجعل الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة بديلاً مجدياً ومكملاً للوقود التقليدي (الأحفوري). ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي مواجهة مجموعة من التحديات التي تقع ضمن ثلاثة مجالات، أولها: التكنولوجيا، فهل تمتلك الأنظمة والمواد اللازمة لتسخير الطاقة اللامتناهية التي تأتينا من الشمس والرياح والأمواج بشكل فعال وتوزيعها من أجل استخدامها في البيوت والمكاتب والمراكز التجارية والمصانع؟. أما التحدي الثاني فهو التكلفة، إذ أن الأبحاث والتطوير في مجال التكنولوجيا الجديدة والمتطورة هي أمر مكلف جداً وينطوي على قدر كبير من المخاطرة، فالابتكارات الجديدة تتطلب سنوات من العمل الدءوب من قبل علماء ومهندسين من أصحاب الكفاءة العالية في مختبرات ومراكز أبحاث متقدمة لكي يكتمل تطويرها وتصبح جاهزة للطرح في الأسواق. بالإضافة لذلك، تواجه التقنيات الحديثة للطاقة المتجددة التحدي المتمثل في أن السوق لا تزال محدودة للغاية، إذ إن الطاقة المتجددة تمثل 20% فقط من سوق الطاقة على نطاق عالمي. ويعد الجزء الأكبر منها متعلقاً بالطاقة الكهرومائية.. فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي وسلاسل التوريد المرتبطة بكل منها تواجه جميعها تحدي صغر حجم السوق بالمقارنة مع مختلف أنواع الوقود التقليدي (الهيدروكربوني)، كذلك العوائق الكبيرة المتعلقة بالاستثمار لتطوير البنى التحتية في الأسواق. أما النقطة الأخيرة والأساسية في هذا المجال فهي السياسات، إذ أن المجتمع الدولي يعترف ويلتزم بالعمل على إيجاد حلول لظاهرة الاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد، وأمن الطاقة. غير أن التحدي يكمن في إيجاد أفضل السبل لاستخدام أدوات السياسات، مثل الحوافز والضرائب والتشريعات والقوانين، من أجل تطوير التكنولوجيا وبناء السوق والحد من التأثيرات السلبية.