■ كتبت: ندى البدوي من قلب غابات الأمازون المطيرة في مدينة بيليم البرازيلية، انطلق مؤتمر الأطراف الثلاثين لتغيُّر المناخ (COP30) في لحظة حاسمة يواجه فيها العالم أخطر تداعيات التغير المناخي، حيث يجتمع عشرات الآلاف من صناع القرار والخبراء والمراقبين والناشطين البيئيين لبحث سبل مواجهة الأزمة، وسط تحديات جيوسياسية تهدد بتقويض الالتزامات الدولية، خاصةً فيما يتعلق بحشد التمويل اللازم لتنفيذ خطط خفض الانبعاثات والتكيف مع التغير المناخي. يتزامن المؤتمر، المنعقد في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر الجاري، مع مرور عقد كامل على اتفاق باريس للمناخ الذي وُصف بأنه «حجر الأساس» للعمل المناخى، فى وقت يحذر مراقبون من أن التباطؤ فى تنفيذ الالتزامات يزيد من صعوبة الإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية. وسبق انطلاق المؤتمر انعقاد الشق رفيع المستوى الذى غاب عنه قادة أكبر الدول المصدّرة للانبعاثات، وهو ما أرجعه مراقبون إلى غياب الإرادة السياسية لدفع العمل المناخي. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في كلمته الافتتاحية من خطر فشل الدول في الوفاء بتعهداتها، مؤكدًا أن «عدم الالتزام بخفض الانبعاثات يمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الكوكب والأجيال القادمة». ◄ التمويل العادل كما دعت منظمة جرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى بيانٍ على هامش مؤتمر المناخ COP30 قادة المنطقة وصنّاع السياسات على الصعيد الدولى، إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هدف اتفاق باريس وتعزيز التمويل المناخى العادل، الذى يقضى بتحمّل الدول المتقدمة مسئوليتها التاريخية عن الانبعاثات، ودعم الدول النامية للتخفيف من آثار التغير المناخى. ملفاتٌ عدّة تتصدّر أجندة مؤتمر الأطراف هذا العام، تُعبر فى مجملها عن أولويات الدولة المضيفة البرازيل المتسقة مع أهداف العمل المناخى عالميًا، حيث تحتل قضية التمويل وخفض الانبعاثات جوهر المفاوضات المناخية، حيث أطلقت رئاسات مؤتمر الأطراف 29 و30 خارطة طريق لتوفير 1.3 تريليون دولار أمريكى لتمويل المناخ، التى تم التوافق عليها العام الماضى خلال COP29. ◄ اقرأ أيضًا | «جوتيريش»: كابوس العنف في السودان يجب أن ينتهي فورًا ◄ رئة العالم كما تأتى حماية الغابات فى صلب أولويات COP30 خاصة فى ضوء التحديات التى تواجهها «رئة العالم» من قطع الأشجار والتوسع الزراعى والصناعى، حيث فقدت غابات الأمازون خلال العقود الثلاثة السابقة ما يزيد على 17% من مساحتها الأصلية، بحسب تقرير للصندوق العالمى لحماية الطبيعة. وفي استجابة لهذه المخاطر أعلنت رئاسة البرازيل عن إطلاق «مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد « (TFFF)، وهو صندوق استثمارى يهدف إلى تعبئة التمويل المخصص للغابات الاستوائية، وجمع نحو 125 مليار دولار لدعم الدول النامية التى تحافظ على غاباتها. ◄ حارس التنوع البيولوجي وتحظى مشاركة الشعوب الأصلية فى المؤتمر بأهمية استثنائية خاصة مع انعقاده فى حوض الأمازون، الذى يعد حارس التنوع البيولوجى العالمى والموطن التاريخى لمئات القبائل المحلية، حيث أصبحت أصوات السكان الأصليين أكثر حضورًا وتأثيرًا فى المفاوضات المناخية، بينما تلفت هذه المشاركة الأنظار حول الدور المحورى للمعارف التقليدية فى إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على التوازن البيئى، حيث طوّرت هذه المجتمعات على مدار قرون أنظمة معيشية مستدامة تحافظ على البيئة وتتناغم معها. ويرى هشام عيسى المنسق المصري السابق لاتفاقية الأممالمتحدة لتغيُّر المناخ أن اختيار بيليم التى تعد بمثابة بوابة غابات الأمازون، لاستضافة المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الغابات، رغم التحديات اللوجستية والاقتصادية لاستضافة المؤتمر فى مدينة صغيرة ومحدودة الإمكانات. ويشير في تصريح ل«آخرساعة» إلى أن حماية الغابات لا يمكن فصلها عن التنمية المستدامة، فغالب دول حوض الأمازون وعلى رأسها البرازيل، تعتمد بشكل كبير على تصدير الأخشاب والتوسع الصناعي على حساب الغابات، وهذا ما يهدف إلى معالجته الصندوق. ويوضح عيسى أن قضية التمويل المناخى وخاصة الموجّه إلى دعم الدول النامية لخفض الانبعاثات والتكيُّف مع مخاطر التغير المناخى، تواجه تحدياتٍ كبيرة تتمثل بالأساس فى تباين المصالح السياسية للدول، والأزمات والصراعات الجيوسياسية التى أدّت إلى تشتيت مخصصات التمويل الغربى والحد من الأموال الموجّهة لمشروعات المناخ. ◄ أوكرانيا وغزة ويلفت إلى أن الحرب فى أوكرانيا وفاتورة إعادة إعمار غزّة، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها عدد من الدول الأوروبية ساهمت فى تعميق هذه التحديات. ويضيف: يمكننا قراءة هذا المشهد فى ضوء غياب دور الولاياتالمتحدة عن العمل المناخى، والخطاب المناهض له الذى يتبناه الرئيس الأمريكى دونالد ترمب وسياسات الحزب الجمهورى، مع خفض الاتحاد الأوروبى التزاماته المناخية أيضًا. ويوضح عيسى أن طبيعة مؤتمرات الأطراف وآلية اتخاذ القرار بها، تقوم على مبدأ الإجماع لا الأغلبية، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى توافقات سريعة، مؤكدًا أن أولويات الدول النامية ترتكز بالأساس على تسهيل الوصول إلى التمويل وزيادة مخصصاته لمشروعات التكيف مع آثار التغير المناخى، إلى جانب دعم مبادرات خفض الانبعاثات والطاقة المتجددة. ◄ صندوق الخسائر من جانبه يرى هارجيت سينج، الناشط المناخي والمؤسس المشارك لمؤسسة «ساتات سامبادا للمناخ» أن COP30 يمثل فرصة حاسمة لإعادة العدالة الاجتماعية إلى صميم العمل المناخي بعد عقود من الجهود المجزأة، موضحًا أن الأولوية المطلقة للمجتمع المدني هى الدعوة إلى مضاعفة تمويل المناخ لتلبية احتياجات الدول النامية، التى تُقدر بأكثر من 300 مليار دولار سنويًا، ووضع آلية عادلة لتمويل صندوق الخسائر والأضرار. كما يشدد فى حديثه ل«آخرساعة» على الحاجة إلى استجابة عالمية لسد الفجوة الحالية، من خلال تقاسم الأعباء العادل، ومطالبة الدول المتقدمة ومنتجى الوقود الأحفورى بمراجعة خططهم المناخية غير الكافية، والموافقة على مسار عالمى متوازن لإنهاء استخدام الوقود الأحفورى. ويلفت إلى ضرورة البناء على الرأى الاستشارى التاريخى للمحكمة الدولية للعدل (ICJ) ، الذى يمثل نقطة تحول فى العمل المناخى، حيث أكد أن التحرك الطموح ضد تغير المناخ ليس خيارًا سياسيًا بل التزام قانونى لجميع الدول، مستندًا إلى القانون الدولى وحقوق الإنسان، ويُلزم الدول بالتصرف وفق مبدأ «المسئوليات المشتركة لكن المتفاوتة» لمنع الضرر المناخى.