الحديث اليوم ليس عن ثورة يوليو ولا عن عبد الناصر ، فنحن لا نذكر اليوم إلا الأحلام التى تبددت والوعود التى ذهبت أدراج الرياح ، لا أذكر أبداً اليوم إنتصاراتنا وصمودنا وصوت عبد الناصر الجسور الواثق وهو يحلق بأحلامنا فى الفضاء . فقط أذكر إنكساراتنا وكرامتنا التى سلبت فى 67م وعينى عبد الناصر الكسيرتين وهو يتلو خطاب التنحى ! لا أذكر اليوم كبرياء السادات وشموخه وتحديه وشجاعته ، ولا أذكر إنتصارنا وبطولاتنا وعبورنا وتحطيمنا للسدود والموانع وسحق الغرور الإسرائيلى فى 73م . لكنى أذكر فقط خذلان قلبى وإنكسار نفسى وأنا أشاهد الزعيم الذى أحببته يوماً وهو بين أعدائنا وفى عقر دارهم عازفاً على لحن السلام ! نايب فى البرلمان " المصرى " حاز عدداً كبيراً من الأصوات يستقبل السفير الإسرائيلى فى منزله بنبروه - الدقهلية ! لن نجد صعوبة فى فهم مغزى فرحة نتنياهو وبيريز وهم يقطعون بالسكين قبل أعوام قليلة تورتة مرسوماً عليها علم مصر ، ولن نجد صعوبة فى فهم مغزى نظرات بيريز للسفير المصرى وهو يلتهم قطعة التورتة التى ترمز لمصر ثم ( يبلعها ) بكأس ويسكى !
بعد " ثورة " يناير 2011م نجح الشاب الشرقاوى المصرى أحمد الشحات فى تسلق 17 طابقاً بالمبنى الذى يضم السفارة الإسرائيلية ليصل إلى العلم الإسرائيلى ليسقطه على الأرض ليحرق وتدوسه الأقدام . كان هذا الحدث من أروع إنجازات هذا الحراك – بغض النظر عن التفاصيل والخلفيات التى وظفته لمطامع ومشاريع غربية مجهزة - . ودل على أن الشعب المصرى لا ينسى أبدا جراحاته وشهداءه ولا يقبل أبداً إهانته وإحتقاره وإذلاله . وأن مصر ترفض جرائم إسرائيل وتمرير إنتهاكاتها ، والصمت مقابل صلفها وإستخفافها وتطاولها وإعتداءاتها . حاصر المصريون مبنى سفارة إسرائيل ومنزل سفيرهم بالقاهرة وطالبوا بطرد السفير بعد أن نجحوا فى إسقاط العلم الصهيونى ؛ وهذا معناه أن مصر لن تقدم بعد اليوم تنازلات ، وليس هناك فى المستقبل مجال لتقديم هدايا مجانية بلا مقابل . أما اليوم فيتجول السفير الإسرائيلى بين مدن مصر ومحافظاتها ليصل من القاهرة إلى نبروه بمنتهى الأريحية كأنه " واحد مننا " ويجالس " عضو برلمانى " لثلاث ساعات ، وبعد أن هزمنا العدو فى ست ساعات – بحسب الخطاب التاريخى للرئيس السادات أمام مجلس الشعب المصرى – تنهار أهم إنجازات يناير فى ثلاث ساعات ، وترسل رسالة غاية فى البؤس والتدنى مفادها – إن لم يعلن مجلس النواب موقفاً حاسماً – أن مجلس النواب الممثل للشعب المصرى فى جيب الصهاينة وسفيرهم فى القاهرة . أحمد الشحات الذى تسلق المواسير والشرفات بمبنى السفارة الإسرائيلية وهو يخاطر بحياته ، ناداه أحدهم قائلاً : ( بتعمل ايه يا مجنون ) ؟؟!! كما كان سعد إدريس حلاوة " أجمل مجنون فى مصر " ، و " مجنون مصر الجميل " الذى كان أجمل منا جميعاً وأفصح منا جميعاً ، كما وصفه الشاعر السورى العربى الكبير نزار قبانى . لم يصدق الشاب سعد حلاوة الفلاح المصرى البسيط إبن قرية أجهور بمحافظة القليوبية أن مصر يمكنها يوماً إستضافة سفير صهيونى على أراضيها .. ليأتى أحدهم – بعد جلوسه على كرسى البرلمان – ليحاول إثبات أن " مصرى " يمكنه إستضافة السفير الصهيونى فى بيته ! لم يصدق حلاوة أن سماء مصر الطاهرة سيرفرف فيها علم إسرائيل ذو النجمة السداسية والرموز الإستعمارية التوسعية على حساب الحقوق العربية .. ليسعى أحدهم اليوم محاولاً أن ينسينا ويذيب جبال العداوات والثارات وتاريخ الجرائم والإنتهاكات وسرقات الأوطان والثروات ، وألا مانع من تطبيع العلاقات وتصبح علاقتنا بإسرائيل سمناً على عسل . الياهو بن إليسار جاء فى فبراير 1980م لمقابلة الرئيس السادات وتقديم أوراقه كأول سفير لإسرائيل فى مصر ، وسعد حلاوة المواطن المصرى البسيط العادى رفض العيش فى هذا الكابوس وأراد أن يعلن عن غضبه وإحتجاجه فإفتعل مشهداً تمثيلياً مثيراً يكفى للتغطية وخطف الأضواء من مشهد وصول أول سفير صهيونى إلى القاهرة . وبعضهم اليوم يعيش فى أزمة ما ويعانى من تهميش فى المشهد السياسى – رغم ضخامة وتخامة ما يحوزه إعلامياً وسياسياً - ويشعر بأن ما حصل عليه أقل من مستوى ما يستحق ، ويريد أن يرتفع بكرسيه الذى حصل عليه درجة أو درجتين فيفتعل هذه الإستضافة الملوثة ، فربما دفعته إلى أعلى بعد أن فشل فى تحقيق ذلك بوسائل أخرى . سعد إدريس حلاوة – أجمل مجنون فى مصر - .. لم يكن هذا المصرى الغيور على وطنه ليقتل مصرياً أبداً ، وهذا هو الذى لم يفهمه ويستوعبه القناص الذى أخذ الأمر من اللواء النبوى إسماعيل الذى تلقاه بدوره من الرئيس السادات بقتل " حلاوة " . ليس خوفاً على حياة الرهائن الذين إحتجزهم سعد فى الوحدة المحلية بالقرية التى توافدت إليها وكالات الأنباء وسلطت عليها أضواء العالم ، وإنما انقاذاً للحكومة المصرية من الحرج البالغ الذى وقعت فيه أمام العالم بأسره بسبب هذا الفلاح المجهول المغمور . غافل أحد القناصة سعد حلاوة وهشم جمجمته بالرصاص الذى أطلقه من رشاشه ، وهذا هو ما أراده سعد ولذلك طلب من والدته أن تقرأ الفاتحة على روحه . لم يرد سعد إيذاء أحد وما كان ليؤذى أحداً ، ولكنه أراد أن يموت هناك معلناً للعالم رفضه وإحتجاجه وغضبه ، وكان ما أراد . مات سعد حلاوة ( المختل عقلياً الذى إحتجز رهائن فى إحدى قرى القليوبية ) كما ذكرت وقتها الصحف والإعلام ! مات سعد إدريس حلاوة أجمل مجنون فى مصر ، كما وصفه نزار . مات " المجنون " ، لأنه لم يرغب فى أن يحيا الواقع المؤلم ، وعلم إسرائيل يرفرف فى سماء القاهرة . حتى يضمن واقعاً بعد 36 عاماً يحياه " عاقلون " يتقبلون إستضافة السفير الإسرائيلى فى نبروه .. فى منزل أحد نواب الشعب المصرى .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.