"المجنون الوحيد الذى خرج من الأمة العربية" كما وصفه نزار قباني، ضربت الدماء في عروقة عندما علم أن الرئيس الراحل أنور السادات سيستقبل أول سفير للكيان الصهيوني "إلياهو بن إليسار" بأرض المحروسة بعد انعقاد اتفاقية "كامب ديفيد"، هو"سعد حلاوة" ابن القليوبية الذى يتوافق اليوم مع ذكرى رحيله بعدما ثار على أول حالة للتطبيع مع إسرائيل، بينما شب الشعب المصري على قطيعة إسرائيل، فعوقب على ثورته تلك بالقتل. ولعل أشهر أشكال التطبيع "الرياضى" مع إسرائيل كان ضم لاعب عرف عنه المهارة في اللعب وهو المهاجم الزامبي إيمانويل مايوكا، الذى تنازل نادى الزمالك عن تاريخه بعدما سبق له تمثيل فريق "مكابي" الصهيوني في الفترة من 2008 وحتى 2010، قبل الانتقال إلى صفوف فريق يونج بويز السويسري، ذلك بالإضافة إلى التفاوض مع وكيله الصهيوني نير كارين وتوقيع عقوده باللغة العبرية قبل تغييرها مرة أخرى إلى اللغة الإنجليزية. لم تكن تلك الواقعة الأولى من نوعها في تاريخ الكرة المصرية التى تتخذ فيها خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل، وذلك عندما أوضح المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد المصري لكرة القدم، في مداخلة هاتفية لبرنامج "كلام جرايد" الذي يذاع على قناة "العاصمة"، قائلًا: "إن مصر تقدمت بملف لتنظيم بطولة كأس العالم للشباب تحت 19 سنة، وليس معنى منافسة الكيان الصهيوني الانسحاب من البطولة". واقعة جديدة أعادت لنا شبح التطبيع بعدما استقبل النائب البرلماني "توفيق عكاشة" السفير الإسرائيلى "حاييم كورين" ووفدًا من السفارة في منزله مجددًا أوجاع المصريين، مبررًا تلك الزيارة المريبة بمناقشة كتاب عن إسرائيل ومشروع سد النهضة، رافضًا الانتقادات التي وجهت إليه، ومؤكدًا -عبر قناته الفضائية "الفراعين" - "أن إسرائيل مفتاح السر لحل أزمة سد النهضة"، مستطردًا: "تربطنا بإسرائيل معاهدة سلام وتبادل علاقات سياسية ودبلوماسية". انتقد العديد من الشخصيات السياسية البارزة موقف توفيق عكاشة، ومنهم الكاتب والنائب البرلمانى مصطفى بكرى واصفًا الفعل بأنه يخلو من الوطنية مطالبًا بإسقاط عضوية عكاشة من البرلمان، وهو الطلب الذى أيده أيضًا المخرج خالد يوسف عضو مجلس النواب، ووافقهما فى الرأى كل من مرتضى منصور وأسامة شرشر عضو مجلس النواب الذى وصف ما حدث بالدعارة السياسية. "هو كلام مصر الممنوعة من الكلام وصحافة مصر التي لا تصدر وكتاب مصر الذين لا يكتبون وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون ودموع مصر الممنوعة من الانحدار وأحزانها الممنوعة من الانفجار" هكذا رثا "نزار القباني" المواطن "سعد إدريس حلاوة"، الذي لم يعلم أن الوصال مع العدو الإسرائيلي سيتجدد كل حين، منذ 36 عامًا عندما قرر التعبير عن رفضه لخطوة السادات باستقبال السفير الصهيوني، وقام باحتجاز اثنين من موظفي الوحدة المحلية للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي وطمأنهما بأنه لن يمسهما بأي أذى، أخذ يصيح من خلال مكبر الصوت بطرد السفير الإسرائيلي من البلاد حتى يفرج هو عن رهائنه. ظن "حلاوة" الفلاح البسيط أن الحكومة ستتجاوب لمطلبه الشرعي والطبيعي بالنسبة إليه، كل ما تمناه هو ألا نصافح الأيدي الملوثة بدماء العروبة، بينما هو في ثورته التى لم يحضرها غيره، أمر وزير الداخلية أحد قناصته بأن ينهي تلك القصة برصاصة واحدة، ليصدر بعدها للإعلام المصري قصته على أنه مختل عقليًّا ويعاني من اضطرابات وفق تقرير طبي لأحد مستشفيات الدولة، فتلاشت قصته وسط زحام الأخبار المصرية، بينما تناقلت الأنباء العالمية قصته باهتمام بالغ. ورثاه الشاعر الكبير نزار قبانى، قائلًا: "مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم العاطلة عن العمل.. فاستحق العلامة الكاملة.. في حين أخذنا كلنا صفرا.. مجنون واحد تفوق علينا جميعًا واستحق مرتبة الشرف في ممارسة الثورة التطبيقية في حين بقينا نحن في نطاق التجريد والتنظير".