«الصحافة والمحاماة والطب».. أكثر المتضررين من انتهاكات البدلة الميري قد يدفعك طموحك في ارتياد عمل يؤهلك لتعذيبك أو قتلك أو على الأقل في ملاحقة عيون مخبري الداخلية ومن ثم كفوفهم العريضة وكأنك "ممسوك في مولد".. فقد بات الصحفي والمحامي وأخيرًا الطبيب، أكثر مَن يرتادون أقسام الشرطة والسجون وأحيانًا القبور، بعد أن وصلت انتهاكات الداخلية لهم دون رقيب أو محاسبة، بحسب حقوقيين. تستعرض "المصريون" أبرز الانتهاكات التي وقعت على الثلاث مهن وثار على وقعها الرأي العام.
الصحفيون "مهنة البحث عن المتاعب"، هكذا يطلق عليها العاملون فيها، وخلال السنوات الأخيرة باتت المتاعب هي مَن تبحث عن الصحفي، بعد أن أضحى الصحفيون أرقامًا في عدد القتلى، فقد قتل أكثر من 10 صحفيين منذ ثورة 25يناير، بحسب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. نالت مصر المركز الثاني بعد الأراضي المحتلة "فلسطين" من حيث الانتهاكات الأمنية الواقعة ضد الصحفيين خلال عام 2015، بمجموع انتهاكات بلغ 650انتهاكًا، بنسبة 17% من مجموع الانتهاكات، وفقا لتقرير شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي "سند". واحتلت مصر المرتبة الثانية من حيث عدد الصحفيين المحتجزين في العالم بعد الصين، بحسب تقريري لجنة "حماية الصحفيين" CPJ و"مراسلون بلا حدود"| RSF عن الصحفيين المحتجزين والمعتقلين حول العالم - تم نشره يناير الماضي - ذكرت فيه أن السلطات المصرية تحتجز 23 صحفيًا في هذا العام، مقارنة مع 12 صحفيًا في العام الماضي، وفي عام 2012، لم يكن يوجد أي صحفي سجين في مصر.
المحامون لا تختلف تلك المهنة عن سابقتها في التعرض للانتهاكات والتنكيل الذي وصل لحد القتل، كما حدث لكريم حمدي والذي قتل تحت التعذيب داخل قسم المطرية، بداية العام الماضي، حسبما ذكر الطب الشرعي. في فبراير 2015، قتل المحامي كريم حمدي، داخل قسم المطرية، بعد 24 ساعة من قيام الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة بإلقاء القبض عليه، واتهامه بالمشاركة في مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، وتم نقل جثمانه إلى مستشفى المطرية، ومن ثم إلى المشرحة. وكشف تقرير الطب الشرعي عن واقعة وفاة المحامى كريم حمدي بعد تعذيبه داخل قسم شرطة المطرية على يد ضابطي الأمن الوطني عن وجود كدمات بالرقبة من الأمام وكدمة بالصدر من الناحية اليسرى والقضيب وجرح قديم بالإلية اليمنى خمس سنتيمترات وإصابة بالأنف والرقبة من الناحية اليسرى. وبحسب التقرير الذي يحمل رقم 449 لسنة 2015 فإنه بالكشف الظاهري وإجراء الصفة التشريحية لجثة المتوفى كريم حمدي محمدان، فإن الإصابات المشاهدة بعموم الجسد حيوية وحديثة حدثت من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة أيًا كان تنوعها. غير أن حمدي لم يكن الأخير، حيث واجه محامٍ آخر الضرب بالحذاء من قبل نائب مأمور مركز شرطة فارسكور أثناء حضوره التحقيق مع موكله، أحدثت به إصابات بالغة بالرأس. وعلى إثرها نظم المحامون وقفة احتجاجية، أمام مقر النقابة، احتجاجًا على تصاعد انتهاكات عناصر الداخلية بحق المحامين، والتي كان منها واقعة ضرب المحامي عماد فهمي بالحذاء. وأضرم المحامون خلال وقفتهم النيران في صور وزير داخلية مجدي عبدالغفار، كما وضعوا الأحذية على صور الوزير داخلية، ردًا على الانتهاكات المتكررة التي يتعرضون لها.
الأطباء وتأتى واقعة سحل طبيبي مستشفى المطرية على أيد أمناء شرطة، لتضيف للمهن السابقة مهنة جديدة، لم يسلم العاملون بها لانتهاكات الداخلية. وتعود تفاصيل الواقعة ل"28 يناير" حين دخل الأمين ومعه حالة بها جرح بسيط، وقال الطبيب إن عمل غرز سيشوهها وهى بسيطة وتنتهي بالعلاج وما كان من أمين الشرطة إلا الإهانة والسب للطبيب وحين حاول استدعاء الأمن قام أمين الشرطة وآخرون بسحل الطبيب إلى قسم المطرية، بحسب الطبيب. وكانت نقابة الصحفيين أعلنت عن تضامنها مع نقابة الأطباء ومطالبها "العادلة" بإجراء تحقيق عادل وشفاف في قضية اعتداء أمناء شرطة قسم على طبيبين بمستشفى المطرية. وأعربت لجنة الحريات بالنقابة، في بيان لها، عن إدانتها لما أسمته "تصاعد انتهاكات الداخلية ضد المواطنين، التي طالت جميع الفئات وفي مقدمتهم الصحفيين الذين يمارسون مهنتهم، فضلاً عن القبض بدون وجه حق وقرارات منع السفر التي طالت باحثين وحقوقيين آخرهم المحامي جمال عيد". وطالبت اللجنة، مؤسسات الدولة "بعدم إلقاء اللوم على الضحية والإسراع بالتحقيق مع المتهمين وتأمين عمل الأطباء بمستشفى المطرية"، مبدية دهشتها من "تصاعد الضغوط على الأطباء ونقابتهم لعودة العمل بمستشفى المطرية دون تأمينها، وفي ظروف يستحيل العمل فيها بدلا من الإسراع بحل المشكلة". وعزا العميد محمود قطري، الخبير الأمني، انتهاكات الداخلية بحق المواطنين عامة والأطباء والصحفيين والمحامين خاصة، لسوء إعداد الضباط والأمناء في كلية الشرطة ومعاهد الأمناء، مؤكدًا أنهم لا يطبقون أي برامج نفسية في ضبط النفس حتى يمكنهم التعامل مع المدنيين باحترام. وقال في تصريح إلى "المصريون": "الشرطة للأسف معها السلاح وتستخدم القوة واعتادت في الفترة الأخيرة القتل وتلفيق التهم للمواطنين"، مشيرًا إلى أن الشرطة تعامل الناس كحشرات لا قيمة لها وكأنهم يتعاملون مع شياطين وأعداء وأن نظرة رجال الشرطة وخاصة الأمناء للمدنيين نظرة احتقار. وأوضح أن "هناك فرقًا بين رجال الشرطة والجيش في ضبط النفس وذلك لأن رجال الجيش يتدربون على ضبط النفس، كما أن هناك برامج تأهيلية لهم باستمرار". وتابع: "حل هذه الظاهرة السلبية من رجال الشرطة مع المدنيين وخاصة الأطباء هو إصلاح نفسية ضباط وأمناء الشرطة وتحسين معاملاتها مع الشعب".