بمناسبة حديث هيكل مع المذيعة المتشنجة دائمًا المستنفرة غالبًا حول الوضع المهين الذي آلت إليه سيناء والذي ثرثر فيه المستشار الأول للفقاعة الناصرية كثيرًا دون أن يشير إلى الدور الرئيسي والأساسي لهزيمة 67 والتي هي هزيمة ناصرية بامتياز فيما وصلت إليه الأحوال في سيناء، بهذه المناسبة أعيد على مسامعه الأسئلة التي سألها له منذ عدة سنوات واحد من أقدم أصدقائه ويبدو أنها لم تصله، لعله يسمع وهو على أبواب قبره فيجيب قبل أن يدخل إلى قبره : (( لقد عاش هيكل بالقلم وغير القلم.. معًا! وكانت حظوته لدى عبد الناصر لا تعرف الحدود، ولا القيود، ولا التقاليد، ولا المسافات! وكان أقرب إلى عبدالناصر من أفراد أسرته! وكان المؤتمن الوحيد على كل أسراره وعلى كل «قراراته»! نعم كل قراراته! أكرر كل قراراته! ومن بين هذه «القرارات» قرار دخول حرب حزيران «يونيو» 1967 ضد «إسرائيل» مع ضياع القدس والضفة، وسيناء، والجولان. هيكل الصديق العزيز الصحافي المتميز كان على علم تام بكل الظروف والأحوال والملابسات والأسرار المحيطة بأحداث شهر حزيران «يونيو» 1967,. التى أطلق عليها هيكل كلمة «النكسة» كلها، من أولها إلى آخرها، بمقدماتها، بفصولها، بالخلافات مع الأردن والسعودية، بالأخطاء القاتلة فى الحسابات، كلها، بلا زيادة ولا نقصان ولا حذف! كلها بما فيها أسرار الحشود المصرية، وقرار إغلاق المضايق، وخلاف عبدالناصر مع عبدالحكيم عامر - وفضائح عبدالحكيم يومذاك مع الممثلة برلنتى عبدالحميد - وموقف المسيو يوثانت، واختلاف وجهات النظر بين قيادة الجيش المصرى والرئيس عبد الناصر! كلها!.. كلها!.. بكل أهوالها وأخطارها وفصولها! وهذا - بالضبط - ما يهمنى وأنا أكتب عن «زملائى المحترمين» فى مهنة الصحافة على مدى الخمسين سنة الماضية! هذا كل ما بقى يهمنى من ظاهرة هيكل فى السياسة المصرية! يهمنى أن أقف لحظة واحدة فقط لكى أسأل صديقى وزميلى هيكل..... ومن هو المستشار الأول والأكبر والأوحد، لأكبر وأشهر وأهم رئيس عربى فى غمرة أخطر فترة من تاريخ العرب الحديث المعاصر؟ - من؟ أجد أن من حقى أن أتلوى ألمًا، وأتحرق غيظًا وكمدًا، بانتظار أن يصلنى من زميلى وصديقى محمد حسنين هيكل، مستشار عبدالناصر، أى المسئول الأول والأكبر عن هزيمة 1967، ما يجيب عن أسئلتى ويرد على الكلمتين الاثنتين اللتين تحجرتا كالصخر فوق لسانى منذ 1967 حتى اليوم، وهما: من المسئول؟! من المسئول؟! يا صديقى هيكل من المسئول؟ من؟ من؟ - هل تسمعنى؟! - هيكل هل تسمعنى؟! إذ ليس مهمًا أن نبرر النكسات، أو نفسر النكبات، أو نفلسف الهزائم والضربات! أو نلقى الخطب والمحاضرات! .... المهم هو أن نعرف من كان أكثر الناس أثرًا وتأثيرًا على جمال عبد الناصر؟ من كان أضخم المستشارين نفوذًا لدى عبد الناصر؟ ومن كان الرقم الأول فى التمتع بأوفر ثقة وأوفر المحبة لديه؟ ومن كان يستهين بالمواقف، ويهزأ بالإنذارات، ويضحك من التهديدات لكى يبقى على مكانه لدى جمال عبد الناصر؟ من الذى كان يؤكد لكل الناس أن إسرائيل لن تحارب ولن تكون صاحبة الضربة الأولى ضد مصر أو سوريا أو الأردن، وأن العملية مجرد لعبة «بوكر» سلاحها قوة الأعصاب لا قوة الحرب، ولا قوة السلاح! من الذى كان يستهين بالمواقف الحرجة القاتلة ويؤكد أن إسرائيل - إذا قامت بالحرب - فإنها إنما تقوم بحفر قبرها بيدها؟! من الذى كان يردد كلام فلان وفلان بأن لقاء العرب القريب قد أضحى فى قلب تل أبيب؟! إننى أتلفت اليوم حولى - يا زميلى العزيز - فلا أرى إلا يهودًا! وأبحث عن القدس فلا أجدها! .... ! لقد سقط الكل! ضاع الجميع! ومازال هيكل يكتب، ومازال هيكل يخطب، ومازال هيكل يفلسف الأحداث، ... ومرة أخرى: - يا أخى ويا عزيزى ويا رفيق العمر الصحفى! لقد ضاعت بلدى.. فى عهدكم وعلى يديكم! فمن هو المسئول؟ من؟ من؟ من؟ كنت أنت، أنت المقرب الأوحد إلى عبد الناصر، وكنت أنت، أنت المؤتمن الأوحد على كل أسراره وعلى كل قراراته..! وكنت أنت أقرب إليه من أفراد عائلته،... وكنت أنت، أنت المستشار الأول، والأوحد، والأكبر لكل نبضة فكر فى عقله وتفكيره. فمن جرنا إلى الكارثة الأعظم فى تاريخ العرب والإسلام؟ من؟ من أضاع بلدى.. من يا هيكل؟ أردد دائمًا على رؤوس الأشهاد أن مصر هى البطل الحقيقى لمعركة «عين جالوت» وأن مصر هى التى أوقفت زحف التتار، وأن مصر هى التى أنقذت المغرب العربى من مصير بغداد وحلب، وأن الغزو الصليبى ما كان بالإمكان تصفيته لولا الشجاعة المصرية، وأن صلاح الدين حارب وانتصر بعسكر مصر، وقطز وبيبرس، والناصر قلاوون.. لا! لن أقول ما يردده أعداء مصر عن حرب يونيو 67.... ولكنى أسأل: - من المسئول عن الحرب قبل المسئولية عن الهزيمة؟ من يا هيكل؟ حسنًا أن نلوم أنور السادات على الانحراف المعيب فى عملية «السلام»، ولكن الأحسن أن نعرف من يستحق اللوم فى انحرافه، بل فى هزيمته فى ساحة «الحرب»! إن فى انحراف المستسلمين، ما يبرر لهم سلامهم واستسلامهم بعد استسلام المحاربين! إن أنور السادات لم يأت من فراغ، وإنما جاء من هزيمة عسكرية دامية كان بطلها - يا هيكل - من تعرف أنت، وأعرف أنا. أقولها، وكلى دمع ودم وألم وزفرات لا تسامح، ولا تنسى! .. ولا تغفر!؟ (( انتهي السؤال المؤلم الكبير الذي سأله الكاتب والأديب المقدسي الكبير ناصر الدين النشاشيبي لصديقه المستشار الناصري الكبير، وأتصور لو أن هذا السؤال سمعه مستشار (( النكسة!!)) هذا لبقي صامتًا حياءً وندمًا وجزعًا حتى يلقي ربه، إلا أن المستشار العجوز الذي بلغ من العمر عتيا يصر والناصريون معه على تحميل الآخرين نتائج هزائم الناصرية وببجاحة يحسد عليها ،!!، ولكن ماذا نقول: قد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي!! [email protected]