أحمد حمدي: لدي الثقة في الوصول لنهائي الكونفدرالية.. ودريمز منظم    مؤتمر كولر - هل يعود الشناوي في النهائي أمام الترجي    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    قبل عودة البنوك غدا.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 27 إبريل 2024    مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار في غضون 5 أشهر.. تفاصيل    صندوق النقد: مصر ستتلقى نحو 14 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة بنهاية أبريل    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    جماعة الحوثي تعلن إسقاط مسيرة أمريكية في أجواء محافظة صعدة    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل    شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزل في مخيم النصيرات وسط غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    بسبب سوء الأحوال الجوية.. قرار هام حول موعد الامتحانات بجامعة جنوب الوادي    ننشر المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي بنقابة أطباء الأسنان في القليوبية    تصرف غير رياضي، شاهد ماذا فعل عمرو السولية مع زملائه بعد استبداله أمام مازيمبي    فاز ذهابًا وإيابًا.. الترجي يكرر تفوقه على صنداونز ويضرب موعدًا مع الأهلي في النهائي (فيديو)    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    عبد القادر: تأهلنا للنهائي بجدارة.. واعتدنا على أجواء اللعب في رادس    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيطرة على حريق في منزل بمدينة فرشوط في قنا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    تعرض للشطر نصفين بالطول.. والدة ضحية سرقة الأعضاء بشبرا تفجر مفاجأة لأول مرة    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    الأمن العام يكشف غموض 14 واقعة سرقة ويضبط 10 متهمين بالمحافظات    برازيلية تتلقى صدمة بعد شرائها هاتفي آيفون مصنوعين من الطين.. أغرب قصة احتيال    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    دينا فؤاد: تكريم الرئيس عن دوري بمسلسل "الاختيار" أجمل لحظات حياتي وأرفض المشاهد "الفجة" لأني سيدة مصرية وعندي بنت    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    ناهد السباعي تحتفل بعيد ميلاد والدتها الراحلة    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    أسعار النفط ترتفع عند التسوية وتنهي سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحكيم عامر.. رجل واحد وعشرة وجوه
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 09 - 2010


كلنا سمعنا عن رجل «بوشين» لكن هذا الرجل ب10 وجوه!
تراه ضابطا مهما ومؤثرا وفي الوقت نفسه لا علاقة له بالحياة العسكرية والتزاماتها.. وتجده صديقا مخلصا لكنه يتفنن في توريط أصدقائه.. وتشاهده ثوريا حمل روحه علي كفه ليلة الثورة لكنه بعد نجاحها كان أول من طعنها في ظهرها وكان سببا مباشرا في النكسة.. وتشعر أنه مظلوم لكنك لا تستطيع أن تحبه أو حتي تتعاطف معه.. وعندما تحن لكونه يملك طيبة الرجل الصعيدي سرعان ما تتذكر أنه انقلب علي جذوره.. وتجده مشجعا كرويا يحب نادي الزمالك ويرفعه فوق الجميع لكنه يلقي بالأهلي إلي الجحيم.. وتتعجب لوفاته منتحرا بالسم رغم أن طبيعته كضابط تخالف هذه الطريقة لكن ليس عجيبا علي شخص لم يلتزم بالطبيعة العسكرية في حياته أن يلتزم بها عند وفاته.
إنه المشير عبد الحكيم عامر الرجل الذي رحل منذ 43 عاما في يوم 14من سبتمبر عام 1967 ومازالت وفاته لغزا محيرا.. وكذلك حياته!
السياسي
يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل: إن عبد الحكيم عامر نصف فنان ونصف بوهيمي ولطيف جدا ولكنه - عسكرياً - توقف عند رتبة صاغ أي أنه يستطيع أن يقود كتيبة لكنه لا يستطيع أن يقود جيشاً.
والحقيقة أن حياة عبد الحكيم عامر كانت بعيدة تماما عن الانضباط العسكري، بل لعله كان يكره في حياته هذا الانضباط، فقائد الجيش كان يأوي إلي فراشه كل ليلة مع مشارف الفجر، ويترك الأوراق المهمة والمذكرات مهملة يوقعها في أي مكان أو لا يوقعها ولابد للقائد أن يكون أشد الناس انضباطاً، وكان عندما يذهب إلي مجلس الأمة توضع أمامه «طفاية» السجائر فهو الشخص الوحيد الذي دخل هذه القاعة منذ أنشئت في عهد الخديو إسماعيل واستثني من قرار حظر التدخين - مثلما يؤكد الكاتب الصحفي عبد الله إمام في كتابه «ناصر وعامر» - فقد كان لا يطيق أن تفارقه السيجارة لحظة واحدة حتي في الأماكن التي يحظر فيها التدخين.
والحقيقة أن عبد الحكيم عامر لم يكن قادراً علي إدارة القوات المسلحة مع التقدم المذهل في المعدات والخطط الحربية ليس فقط لأنه وقف بمعلوماته عند رتبة عسكرية صغيرة وقت قيام الثورة ولكن لأنه لم يكن لديه وقت للقراءة والاستيعاب وتتبع الجديد، ففي السنوات الأولي كانت أعباؤه السياسية متنوعة وبعدها سلك طريقاً آخر إلي جانب هذه الأعباء ولم تكن شخصية عامر من النوع الملتزم الذي يقدر المسئولية فقد كان يغلب عليه طابع اللامبالاة في تحقيقات القضايا التي قدمت للمحكمة عقب النكسة اتضح أن معظم الأوراق كانت تعرض علي المشير عامر ليوقعها في منزل السيدة برلنتي عبد الحميد وأن الأوراق كانت تظل في منزله إلي اليوم التالي!
الضابط
عامر الضابط خالف كل تقاليد الرجل العسكري بجديته وصدقه ونبل غايته وحكمته التي تظهر في الأزمات، وبالتالي فلا يمكن مقارنته بالعسكريين!
فلم يكن ضابطاً بالمعني الحرفي للكلمة وبما تعنيه من انضباط وحزم وجدية وقدرة علي التحكم في النفس والسيطرة علي الانفعالات، وهذا يبدو بديهياً بعد أن اختزل أكثر من 20 سنة في العسكرية في لحظة واحدة تحول فيها الرائد الشاب الذي لم يكمل عامه الرابع والثلاثين إلي لواء ليجلس بعدها علي مقعد القائد العام للقوات المسلحة برتبة مشير، والمشير رتبة تقع في قمة الهرم العسكري والوصول إليها يشبه الأحلام، فلم يصل إليها سوي عدد محدود جداً من القادة العظام الذين يمكن حصرهم علي أصابع اليدين، كان عامر أصغرهم وأشهرهم، لكنه كان أقلهم خبرة وكفاءة، ولا يوجد دليل علي ذلك أكثر من قراره بعودة الجنود من سيناء في حرب 1967 دون خطة انسحاب.
وذلك ليس غريباً علي شخص حصل علي كل الترقيات دفعة واحدة دون أن يكون مؤهلاً لها، فكان بديهياً أن تكون خبراته متوقفة عند حدود آخر رتبة استحق الحصول عليها وهي رتبة الصاغ عبد الحكيم عامر، الرجل الذي فور تخرجه ضمن قوات الجيش المصري العاملة في السودان عام 1941، التقي هناك بجمال عبد الناصر حيث تعمقت رابطة الصداقة بينهما منذ ذلك الوقت، وحينما اندلعت حرب فلسطين عام 1948 كان عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر ضمن التشكيلات المصرية التي ذهبت إلي هناك، وبعد الحرب وما لحق بالعرب فيها من هزيمة علي يد القوات اليهودية وما أسفرت عنه من إقامة دولة إسرائيل عام 1948 عاد عبد الحكيم عامر إلي مصر ونقل إلي أحد مراكز التدريب في منقباد بصعيد مصر.
في هذا التوقيت كانت الحالة السياسية في مصر تزداد توتراً في ظل موجات من الغضب الشعبي لما لحق بالجيوش العربية من هزيمة وقيام دولة إسرائيل كشوكة في خاصرة العالم العربي، الأمر الذي ساعد علي بروز تيار داخل القوات المسلحة المصرية راغب في التغيير, وتشكل آنذاك ما عرف بالضباط الأحرار, وكان عبد الحكيم عامر عضواً في هيئتها التأسيسية التي قامت بحركتها العسكرية وأطلق عليها فيما بعد ثورة، وعرفت في التاريخ السياسي المعاصر بثورة يوليو 1952.
هنا شهدت حياة عبد الحكيم عامر بعد نجاح الثورة تغييرات جوهرية وسريعة، فتمت ترقيته وهو لم يزل في ال 34 من العمر إلي رتبة لواء، وأوكلت إليه مهمة قيادة القوات المسلحة، وأصبح في عام 1953 مسماه الجديد القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وبعد عام واحد أيضاً عين وزيراً للحربية مع احتفاظه بمنصبه في القيادة العامة للقوات المسلحة، ثم رقي إلي رتبة فريق عام 1958، وبعد قيام الوحدة مع سوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة منح عبد الحكيم عامر رتبة مشير في 23 فبراير 1958، وكانت الترقية الأخري هي ترقيته لرتبة نائب رئيس جمهورية في 6 مارس 1958، واستمر في هذا المنصب حتي أغسطس 1961، حيث أضيفت إليه مهمة رئاسة اللجنة العليا للسد العالي، ثم رئاسة المجلس الأعلي للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي في أبريل من العام نفسه.
وبعد قيام ثورة اليمن في 30 سبتمبر 1962 واعتراف مصر بها ورغبة منها في تدعيم الثوار الجدد أرسلت جزءاً كبيراً من قواتها المسلحة إلي هناك، وأسندت مهمة الإشراف عليها إلي المشير عبد الحكيم عامر بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة، وكانت أولي زياراته لليمن عام 1963تولي بعدها عامر رئاسة اللجنة العليا لتصفية الإقطاع في مايو 1966، وفي أكتوبر من العام نفسه عهد إلي وزير الحربية شمس بدران ببعض اختصاصات القائد العام للقوات المسلحة وأصبح مسئولاً أمام عبد الحكيم عامر عن كل ما يكلفه به من أعمال عسكرية وإدارية.
وفي نوفمبر 1966 وقعت مصر وسوريا اتفاقية للدفاع المشترك بعد أن زادت التهديدات الإسرائيلية لسوريا، وأبلغ الاتحاد السوفيتي والمخابرات السورية الرئيس جمال عبد الناصر بوجود حشود عسكرية علي الحدود السورية، فأصدر أوامره بالتعبئة العامة وحشد القوات المصرية في سيناء في 14 مايو 1967 بهدف تخفيف الضغط علي الجبهة الشمالية في سوريا، وفي 17 مايو 1967 تم إغلاق مضايق تيران وصنافير في وجه الملاحة الإسرائيلية، مما فجر حرب يونيو 1967 حيث كان عبد الحكيم عامر قائداً عاما للقوات المسلحة المصرية آنذاك.
وفي صبيحة يوم الخامس من يونيو عام 1967 فاجأ الطيران الإسرائيلي سلاح الطيران المصري فدمر معظم طائراته وهي لا تزال رابضة في القواعد العسكرية والمطارات المدنية، وبدت علي المشير عامر ملامح الارتباك، وفقد قدرته علي إدارة المعركة، واتخذ قراراً سريعاً للجيش المصري بالانسحاب، وتم ذلك بطريقة غير منظمة مما زاد من خسائر القوات المصرية.
الصعيدي
كان علي موعد مع الثورة منذ مولده!
فقد ولد في قرية أسطال بمحافظة المنيا في عام 19.. وشاء القدر أن يكون واحدا من أشهر قادة ثورة يوليو52!
إنه محمد عبد الحكيم علي عامر الشاب الذي بعد أن فرغ من دراسته الثانوية عام 1935 التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1939 ثم في كلية أركان الحرب عام 1948 ليشارك بعدها في حرب 1948 في نفس وحدة جمال عبد الناصر، فكانت طبيعة الرجل الصعيدي أول شيء يجمع بينه وبين عبد الناصر لأن طبيعة الصعيدي تجعله يحن لكل من يقترب منه في المسافة.
وأسيوط والمنيا متجاورتان، وقرية «أسطال» التي شهدت ميلاد عبد الحكيم - والتي يوجد بها الآن مدرسة ثانوية تحمل اسمه -، لا تختلف كثيرا عن قرية «بني مر» التي نشأ فيها عبد الناصر.
فكان بديهيا أن يكونا صديقين، وأن تجمعها أشياء كثيرة، وأن تتشابه أحلامهما وأن يسيرا سويا، حتي وإن اختلفا في نهاية الطريق.
فطبيعة أهل القرية بما تحمله من أصالة وشهامة وإخلاص وبساطة وتواضع وصلابة وصراحة الصعيد كانت غالبة علي «عبد الحكيم» حين قابله «عبد الناصر» وقرر أن يكون صديقا له رغم فارق الرتب العسكرية بينهما، لكن عامر كانت تطلعاته أكبر من قدراته وحلمه أكبر من سعيه، وعشمه أكبر من جهده، فلم يعد الشاب الذي جاء من الصعيد بالقطار وأقصي طموحه أن يلتحق بالكلية الحربية ويكون نموذجا للضابط الملتزم الذي يريد أن يحرر وطنه ويرفع رأس أهله، لكنه بمجرد أن رأي القمة وجلس بجوارها بهرته أضواؤها فلم يتحملها حتي سقط من فوقها!
الصديق
"ستظل نساء مصر يحملن ويلدن مرة وراء مرة ولكنهن ولو بعد مائة سنة لن ينجبن مثل جمال عبد الناصر» هذا هو رأي «عامر» في صديقه «ناصر» لذلك كانت العلاقة معقدة.
فقد كان الرئيس ونائبه صديقين، صداقة متينة امتدت حوالي 40 عاما أعدا تنظيم الضباط الأحرار معا وخططا لثورة معا وليلة 23 يوليو خرجا في سيارة واحدة ولم يفترقا وعندما نجحت الثورة كان ناصر هو الرجل الأول وعامر هو الرجل الثاني.
لذلك ناصر وعامر.. ليست قصة صراع بين الرجل الأول والرجل الثاني، ولا هي مجرد صدام بين رئيس ونائبه، ولا حتي خلافاً في وجهات النظر بين اثنين من القادة.. لكنها صدمة صديق في صديقه!
سيظل التاريخ يذكر قصة الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر علي أنها واحدة من أبرز القصص الدرامية التي عاشتها مصر خلال عصرها الحديث.
الصديقان القادمان من صعيد مصر بكل ما تحمله أخلاقيات الصعيدي من نخوة وشهامة واعتداد بالنفس والرأي خاصة أن أهل المنيا وأسيوط لهما نفس الطباع تقريبا فقد كان عامر قائدا محبوبا، ومقاتلا صلبا، وكان عبد الناصر قد تعرف عليه عندما عملا معا في منقباد في أسيوط ولما عادا إلي القاهرة استأجرا شقة معا وعاشا سويا شابين أعزبين جمعت بينهما الاهتمامات السياسية ثم فرقتهما شئون العمل عندما نقل عبد الناصر إلي السودان ولكنهما التقيا مرة ثانية عام 1948 عندما درسا وتخرجا معا في كلية أركان الحرب.
وكان عامر أول من جنده عبد الناصر لتنظيم الضباط الأحرار وكان أحب أعضاء التنظيم إلي نفسه، وعندما نجحت الثورة كان جمال عبد الناصر أول مدير لمكتب القائد العام محمد نجيب ثم تلاه في هذا المنصب عبد الحكيم عامر وبعدها رشحه عبد الناصر ليكون قائدا عاما للقوات المسلحة حتي يضمن ولاءها للنظام الجديد.
ويروي محمد نجيب في مذكراته مشهدا من مشاهد حب ناصر لعامر بقوله: لقد ثرت ثورة عنيفة معارضا ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة صاغ إلي رتبة لواء دفعة واحدة وتعيينه قائداً عاماً لجميع القوات المسلحة، مبينا أن ذلك سوف يخلق نقمة عامة في الجيش قد تكون صامتة ومطوية في الصدور، ولكنها ستكون قابلة للانفجار في أي لحظة وقلت لهم: إنني اعترضت علي تعيين الفريق محمد حيدر رغم أقدميته؛ لأنه كان بعيداً عن صفوف الجيش، وأنا اليوم أعترض علي ترقية عبد الحكيم عامر وتعيينه قائداً عاماً؛ لأنه ليس مؤهلاً لذلك، ولم ييأس المجلس من الوصول إلي غرضه، فتكرر الموضوع أكثر من مرة، وفي كل مرة كنت أرفض وأثور وحدي بلا نصير يقف معي وهددت بالاستقالة، فتأجل الموضوع ثلاثة أسابيع، لكني قبلت تحت ضغط وإلحاح استمر طوال هذه الفترة من جمال عبد الناصر.
عبر هذا الطريق أصبح عامر ضابطاً سياسياً - علي حد تعبير عبد الله إمام - والضابط السياسي لا يمكن أن يكون مسئولاً عن قيادة الجيوش، وجزء من مأساة 1967 كان راجعاً لحب عبد الناصر لحكيم، ذلك أن الحب حال دون أن يقتنع ناصر بدرجة كافية أن عبد الحكيم لا يصلح للقيادة.
الضحية
كان لابد من شخص يتحمل الكارثة ويدفع ثمنها،ولم يكن هناك أفضل وأنسب من عبد الحكيم عامر -القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الجمهورية والرجل الثاني في الدولة - للعب هذا الدور وتحمل هذه الفاجعة، باعتباره المسئول الأول عن الهزيمة وإن لم يكن المسئول الأوحد!
عبد الحكيم عامر كان مظلوما لكن أحدا لم يظلمه سوي نفسه، لأنه أراد أن يهيمن علي شيء ويجمع كل السلطات في يديه وظن أن صداقته لعبد الناصر ستظل درع الحماية المطلقة وأن مناصبه ستجعل منه مركز القوي الذي لا يمكن الإطاحة به ومهما حدث لن يمكنه في أي لحظة أن «يقلب الترابيزة» علي الكل وعلي عبد الناصر شخصيا.
فكانت الهزيمة، وان عليه مثلما أراد أن يحصل علي كل شيء وقت النصر أن يدفع ثمن كل شيء وقت الهزيمة، لأن الجماهير كانت مستعدة لتحاكم أي شخص إلا الزعيم جمال عبد الناصر الرجل الذي أحبته، لدرجة جعلتها تحمله علي الأعناق بعد النكسة وتري أن وجوده الضمان الوحيد للعودة من جديد وهزيمة إسرائيل، لذلك كان علي عامر أن يدفع الثمن وحده حتي وإن كان عبد الناصر علي علم بكل ما حدث لكن كاريزمته وصدقه صنعا منه بطلا لا تقهره الهزيمة ولا تنال منه أخطاء وكوارث المحيطين به لكن، لا يمكن أن يتحمل عبد الحكيم عامر وحده هزيمة 67 ولا يجوز أن يكون المقصر الوحيد.
فإن كان عبد الناصر قد علم بكل ما فعله عبد الحكيم ولم يفعل شيئا سوي تأنيبه كصديق فهذه مصيبة، وإن كان لا يعلم بكوارث عامر فالمصيبة أعظم،لأنه إذا كان الرئيس لا يعلم شيئا عن نائبه فما بالنا بمدي معرفته بتحركات عدوه، لكن عبد الناصر أدرك خطأه حين قال «اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.
صانع النكسة
مع بداية عام 1967 تقدم المشير عامر بطلب غريب إلي عبدالناصر حمله إليه شمس بدران وكان هذا الطلب أن يعين المشير عبد الحكيم عامر رئيسا للوزراء، ولم يكن ينقص عامر إلا هذا المنصب فقد استولي علي كل المناصب ومنها القوات المسلحة واللجنة العليا للإقطاع والاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب ومجلس الأمة ووزارة الخارجية علاوة علي أنه كان رئيسا لاتحاد كرة القدم ولم يبق أمامه سوي أن يصبح رئيسا للوزراء ويومها قال عبد الناصر للسادات « أنا أخذت الموضوع ببساطة وقلت لبدران قل للمشير ماعنديش مانع أنا موافق بس يسيب القوات المسلحة.. أنا هلاقي مين أحسن من حكيم يمسك الوزارة». ويقول السادات: لكن رد عامر كان الصمت فهو يعتبر القوات المسلحة مكانه الطبيعي ولا يمكن أن يتخلي عنه لأي سبب ويضيف السادات قوله: إن عبد الناصر كان يفكر في ترك الرئاسة علي أن يتولي مسئولية الاتحاد الاشتراكي لكنني قلت له» مش معقول يا جمال تسيب الرياسة وتقعد في الاتحاد الاشتراكي علشان عبد الحكيم وأعوانه يحكموا مصر إنت عارف أن عبد الحكيم أسوأ من يختار معاونيه وهم اللي تسببوا في فشل الوحدة مع سوريا ومع ذلك فهو متعصب لمعاونيه تعصبا قبليا نقوله شيل صدقي قائد الطيران يقول لك قبل ما تشيلوه شيلوني أنا».
هذه هي رواية الرئيس أنور السادات لعلاقة ناصر وعامر كما رواها في كتابه «البحث عن الذات» لكن كلمات السادات تظهر فيها رائحة «التسخين» ومحاولة الوقيعة حتي وإن كان معه الحق بل عن الرئيس الراحل يقول: في نهاية عام 1966 كان الصراع بين ناصر وعامر علي أشده فكل منهما متربص بالآخر خاصة أن عامر كان يوسع سلطاته كل يوم.
فوقعت الواقعة وضربت إسرائيل الطائرات المصرية وهي علي الأرض، وحاول المشير يومها تبرير جريمته في حق الوطن بأن قال إن أمريكا هي التي اعتدت علينا وليس إسرائيل لكن صبر ناصر كان قد نفد وقال له: لن أصدق هذا الكلام إلا إذا أتيت لي بجناح طائرة واحدة عليها العلامة الأمريكية، ووفقا لرواية نائب رئيس الجمهورية الأسبق ومؤرخ الثورة عبد اللطيف بغدادي أن عبد الحكيم عامر اتصل بأحد الضباط في سلاح الطيران ليعرف منه مدي صحة هذه الواقعة وسأله هل رأيت علامة أمريكا علي طائرات العدو؟ فأكد له الضابط أن هذا لم يحدث.. وكان هذا الضابط هو الطيار حسني مبارك.
الزوج
لو كان المشير يعلم أن زواجه من ممثلة أمر عادي ما سعي لإخفائه، وهو الرجل الثاني في الدولة ولا يمكن لأحد أن يحاسبه، لكن لأنه كان يعلم حجم المشكلة ويقدر خطورة الإعلان عنها فضل العرفي علي الرسمي! وهو ما لا يليق برجل له نفوذ عبد الحكيم عامر وحصانته وسطوته وقوته داخل الجيش وخارجه. لكن ربما خشي أن تكون حكايته حديث الصباح والمساء علي المقاهي أو شعر بحرج موقفه تجاه زوجته الأولي وأولاده وربما فضل الإخفاء لأنه لا يجوز للمشير أن يرتبط بممثلة اشتهرت بأدوار الإغراء لذلك كانت أكثر الموضوعات حساسية في قصة المشير عبد الحكيم عامر هي حكاية زواجه الثاني من الفنانة برلنتي عبد الحميد، فالمشير كان متزوجاً وله أولاد من زوجته الأولي لكنه أنجب من برلنتي ولداً اسمه عمرو لذلك فإن تناول القضية بكل تفاصيلها قد يبدو أمرا غير مستحب وربما يقول البعض إن تلك حياة الجميع وكل شخص حر في حياته ولكن قصة زواجها غيرت مقادير الأمور وكانت وراء الهزيمة حتي وإن كانت من الأسباب الفرعية وليست الأساسية.
في ليلة عودة المشير عبد الحكيم عامر من سوريا بعد الانفصال تعرف علي الفنانة برلنتي عن طريق صلاح نصر فقد أقام عدد من الضباط حفل شاي للمشير عامر لرفع معنوياته وليثبتوا أنهم معه وأن ولاءهم له وأنهم يشاركونه أزمته النفسية، ويتحدث صلاح نصر عن تلك الليلة قائلا: بعد انتهاء الحفل أراد المشير أن يقيم حفلاً ضيقاً تحضره فقط النخبة من الأصدقاء وفي هذا الحفل رأي عبد الحكيم عامر برلنتي وجلس معها لأول مرة وكانت برلنتي صاحبة نشاط بارز فهي تلتقي بالأدباء والمفكرين خاصة في فترة زواجها من أحد الماركسيين، ويبدو أن المشير عامر قد بهرته ثقافتها.
لا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كان عبد الناصر عرف بقصة زواج المشير من برلنتي أم من غيرها، لكن الثابت أنه لم يذهب إلي بيتها علي الإطلاق لكن الواقعة الوحيدة التي ربطت بين ناصر وبرلنتي كانت عقب وفاة عبد الحكيم عندما دلت التحريات علي أن الفنانة برلنتي كانت وراء طبع استقالته التي وزعت علي نطاق واسع في مجلس الأمة والنقابات العمالية وداخل القوات المسلحة وألقي القبض عليها وكان التحقيق سياسياً في مبني المخابرات العامة يجريه المهندس حلمي السعيد وعنداً أراد أن يقوم بالتحقيق مع السيدة برلنتي فرفضت وقالت: لن أتحدث إلا أمام جمال عبد الناصر أو من يرسله نيابة عنه لأن لدي معلومات مهمة.
ويروي أمين هويدي - مدير المخابرات الأسبق - هذه الواقعة بقوله: في ذلك الوقت اتصلت بالرئيس عبد الناصر وقلت له ما حدث فقام الرئيس بإرسال مدير مكتبه سامي شرف الذي أمضي معها ساعات وخرج بعدها ليقول لي «إن برلنتي متزوجة من المشير عامر بورقة زواج عرفية ويضيف هويدي قوله: كانت هذه هي المرة الأولي التي أسمع فيها عن زواج المشير من السيدة برلنتي عبد الحميد وبعد ساعة اتصل بي جمال عبد الناصر وقال لي «سيب برلنتي يا أمين.. ده مرات المشير.
بعد أن انتشرت قصة زواج الفنانة من المشير لجأت السيدة نفسية عبد الحميد الشهيرة ب«برلنتي» للقضاء من أجل الحصول علي نصيب ابنها «عمرو» في ممتلكات المشير الراحل لأن الزواج العرفي وفقاً للقانون لا تترتب عليه أيه حقوق وقد حصلت بالفعل علي ما تريد ولكن بشكل ودي مع أسرته.
الزملكاوي
الزمالك.. ومن بعده الطوفان!
كان انحياز المشير عبد الحكيم عامر للزمالك من الثوابت التي لا يجوز النقاش فيها لدرجة جعلت الأهلي مهدداً بالهبوط!
علاقة المشير بالزمالك علاقة فريدة من نوعها، فقد كان يحب القلعة البيضاء بشكل لا مثيل له، فعندما تولي رئاسة اتحاد الكرة المصري في فبراير 1958، وكان يضع مصلحة فريقه قبل كل شيء مما أعاد للزمالك هيبته التي كان قد فقدها برحيل الملك فاروق، وترتب علي ذلك تحول عدد كبير من الجماهير إلي تشجيع الزمالك، ليصبح الزمالك بمثابة الحزب الوطني والأهلي بمثابة المعارضة بل إن النادي الأهلي كان مهدداً بالهبوط للدرجة الثانية في عهده.
في هذا التوقيت كان حكام المباريات يسعون بكل الطرق لمجاملة الزمالك لدرجة جعلت الناقد الرياضي نجيب المستكاوي يكتب مقالاً في الأهرام بعنوان «هل لابد أن يفوز الزمالك؟» ويومها تصادف أن التقي المشير عامر الأستاذ هيكل بعد أن قرأ مقال المستكاوي وقال له: «هو الجدع اللي اسمه المستكاوي ده مش ناوي يجيبها البر؟» فسأله هيكل: ليه؟ خير، فشرح له المشير حكاية المقال، وفي اليوم التالي لهذه المقابلة قابل الأستاذ هيكل، نجيب المستكاوي، وقال له : هو أنا ناقص يا سي نجيب.. موش كفاية الأزمات السياسية.. أنا فاضي للأزمات الرياضية كمان!
وتساءل المستكاوي عن سبب هذا الكلام، فحكي له هيكل ما حدث، فرد المستكاوي: الحكاية أن رئيس نادي الزمالك المهندس حسن عامر شقيق المشير وطبيعي أن يحاول الكثيرون مجاملته مع أن الفريق قوي ولا يحتاج إلي مجاملة من أحد.. وتناول هيكل المقال وراح يقرأه بتأنٍ وعندما انتهي منه وجه كلامه للمستكاوي وقال: براءة يا نجيب الموضوع انتهي!
حكايات انحياز المشير عامر للزمالك وانشغاله بكرة القدم كثيرة، لكن أكثرها غرابة كانت عندما تصدرت غلاف مجلة المصور صورة اللاعب محمد رفاعي - لاعب الزمالك - وهو يمسك بتلابيب علي قنديل - الحكم الدولي والعميد المتقاعد- بيد ويرفع يده الأخري إلي أعلي ليضربه بها علي وجهه.. وفي أول اجتماع لاتحاد الكرة بعد هذه الواقعة علق اللواء عبد الله رفعت قائلاً: «أن يضرب عسكري عميداً في الجيش علي الملأ في ملعب كرة فهو أمر خطير ولا يمكن السكوت عنه، ويومها اتصل به مكتب المشير عامر ودارت هذه المكالمة (التي روي تفاصيلها عبد الله رفعت للناقد الرياضي عبد الرحمن فهمي):
- المشير: أنا وصلني كل الكلام اللي قلته في اتحاد الكرة من يومين يا عبد الله أنت فاكر الحكاية فوضي؟
- رفعت: ده برضه كان العشم يا افندم. - المشير: عشمك في إيه.
- رفعت: عشمنا في سيادتك.. إنك قلت لا يمكن تقبل هذا الوضع الخاطئ.
- المشير: إنت مش عارف العسكري ده اللي بتقول عليه بيلعب في نادي إيه، والنادي ده مين يبقي رئيسه وإن رئيسه ده يبقي أخويا؟!
- رفعت: عارف ياافندم.
- المشير: طب مادام أنت عارف.. تهاجم إزاي نادي الزمالك.. أنا بشرفي لولا إني أعرفك كويس كضابط ممتاز لكنت أمرت باعتقالك دلوقت!!
لكن في أعقاب نكسة يونيو 67 تم إيقاف كل مسابقات كرة القدم، وصدر قرار بعزل كل الضباط الذين لهم صلة بكرة القدم لدرجة أن الفريق محمد فوزي استدعي الضظوي - اللاعب الشهير حينها- وأخبره بالاستغناء عنه كملازم، فرد الضظوي: يا افندم يعني لا معاش ولا كورة.. طيب آكل منين؟ فكان رد الفريق فوزي: «أنا عندي لك حل كويس.. فيه أكل في السجن الحربي» فرد الضظوي: «السلام عليكم».
الخيانة
لقد فعل كل شيء.. لكنه أبدا لم يفعلها.. لم يخن وطنه.. لكنه خان صديقه! وخطط للانقلاب عليه، وتعود القصة إلي يوم 10 يونيو 1967 عندما عاد عبد الناصر عقب خطاب التنحي، ونشر خبر عن استقالة المشير وقامت أول ظاهرة من رجاله في القوات المسلحة حيث احتشدوا أمام منزله في حلمية الزيتون وهم يهتفون «لا قائد إلا المشير»، في هذا التوقيت قرر ناصر تعيين الفريق محمد فوزي قائدا عاما للقوات المسلحة وعبد المنعم رياض رئيسا للأركان وأمين هويدي وزيرا للحربية ليبدأ العمل في بناء القوات المسلحة من جديد. هنا كان الانقلاب من عامر علي ناصر واردا بل وجاهزا حتي أن ضابطا من أتباع المشير قال في المحكمة إنه ذهب إليه شاكيا قائلا له: لقد كشف أمرنا، وقيل أن تيتو قد زار القاهرة واجتمع مع عبد الناصر في الإسكندرية بعد النكسة وقال له لابد من مواجهة رجال المشير حتي لا تتسع العملية ويحدث صراع في وقت تعاني فيه البلاد من الهزيمة، وكانت أفضل طريقة هي اعتقال رجال المشير قبل أن يفعلوا أي شيء ولكن لم يكن الأمر سهلا، فقد وضعت الخطة علي تسوية الموقف بين ناصر وعامر فإذا تمت التسوية فإنه يلقي القبض علي كل من في منزله ويتركون القوات المسلحة ويحاكمون أيضا أما إذا فشلت المحاولة في تسوية الموقف فإنه سوف تحدد إقامة المشير عبد الحكيم عامر ويلقي القبض عليه في منزله.. وهكذا تم استدعاء عامر للاجتماع مع عبد الناصر في منزله، وكان عبد الحكيم سعيدا بهذا اللقاء فقد أحس أنه وهو في منزله مازال مركز قوة وأن عبد الناصر أرسل يستدعيه للتفاهم معه وليصحبه إلي الخرطوم وبذلك يكون قد انتصر، ولم يشعر عامر بتفتيش سيارته عند دخوله إلي عبد الناصر، لكنه بمجرد أن وصل علي حجرة المكتب أيقن أن عبد الناصر قام باستدعائه لكي يحاكمه لا ليصالحه.
الانتحار
القضية معقدة أكثر من اللازم والحسم فيها غير جائز، فكل أطراف القضية يريدون حسمها لصالحهم دون النظر للحقيقة التي أصبحت تحتمل الشيء ونقيضه!
القصة لها روايتان كل رواية لها أدلة وبراهين تجعلك تصدقها وتقسم علي صحتها، الرواية الأولي نشرت صباح يوم 16 من سبتمبر 1967 وهي أن المشير عبد الحكيم عامر انتحر بعد أن تناول كمية سامة من مادة مخدرة، ويؤكد ذلك الرئيس السادات الذي بمجرد أن علم بخبر انتحار «عامر» قال: والله إذا كان ده حصل يبقي أحسن قرار اتخذه عبد الحكيم عامر كقائد خسر المعركة لأني لو كنت مكانه كنت هعمل كده يوم 5 يونيو لأنها في التقاليد العسكرية.. أي قائد بينهزم بيعمل كده».
رؤية السادات يساندها كل الناصريين علاوة علي تقرير الطب الشرعي الذي خرج عقب الوفاة مباشرة، ويري أصحاب هذه الرواية أنه الأكرم والأفضل بالنسبة لعامر أن يكون قد وضع نهاية لحياته بعد الهزيمة بالانتحار لأن الناس سوف تحترم عامر لأنه انتحر حين كان سببا في الهزيمة لكن السؤال هنا من قال إن عبد الحكيم عامر كان يختار الأفضل؟! بل إن تاريخه كان يؤكد أنه يجيد اختيار الأسوأ وأنه كان يحب نفسه لدرجة لا يمكن معها أن يفكر في التخلص منها مهما حدث فالأسهل عنده دائما هو أن يضحي بأي شخص آخر من أجل أن يبقي كما هو في موقعه، ففي أول أيام النكسة فضل خداع الناس وبعد أن انكشفت فضل الانقلاب علي صديقه وبعد وفاته ظهر له ابن وزوجة عاش معهما في السر حتي وفاته.
هذا هو عبد الحكيم عامر الذي كان يضع مصلحته قبل كل شيء وبالتالي من الصعب عليه أن يفكر في الانتحار خاصة «بالسم» لأن طبيعة الرجل العسكري تمنعه من هذه الطريقة التي لا تتناسب مع رجل لا يسير دون سلاحه لكنه لم يلتزم بطبيعة العسكريين في حياته ليحافظ عليها عنده وفاته.
هنا ننتقل للرواية الثانية التي تؤكد أنه قد تم قتله وأن المؤامرة تمت بتدبير من الرئيس جمال عبد الناصر وأنه قام بتكليف الفريق محمد فوزي وعبد المنعم رياض ليقوما بقتله وهذا صعب لسببين أولا: أن عبد الناصر لم تكن هذه طبيعته أو طريقة تصفيته لخصومه وكان من السهل عليه أن يحاكمه ويضعه في السجن طوال حياته وكان يمكنه أن يعتقله دون محاكمة باعتباره المسئول الأول عن الهزيمة وهذا مكانه الطبيعي، ووقتها كان الشعب سيقف خلفه لأنه يسعي لتطهير الجيش وإعادة بنائه مرة ثانية.
ثانيا: إن عبد الناصر ليس غبيا لدرجة تجعله يقوم بتكليف قائد القوات المسلحة بنفسه ورئيس الأركان بذاته لتنفيذ هذه المهمة التي لا تحتاج لأكثر من طباخ عميل هذا علاوة علي أن الفريق فوزي مشهود له بالنزاهة والشرف ونفس الشيء بالنسبة للبطل عبد المنعم رياض الذي استشهد عام 1969 في حرب الاستنزاف.
من المؤكد أن الحقيقة غائبة وستظل كذلك لأن الأوراق الخاصة بالقضية تثبت الشيء وعكسه وتؤكد انتحار المشير وفي الوقت نفسه لا تستبعد قتله!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.