الشباب الدائم.. حلم الجميع المخفي وراء قبول المضطر لسنة الحياة.. غصة النفس عندما تهاجمنا علامات الشيخوخة معلنة أن الرحلة في طريقها للانتهاء.. رغبة الجمال المتوحشة التي تقرب البعيد وتفتح الأبواب المغلقة.. وتسيطر علي الجميع بهبة ربانية تقول للعشاق .. كن عبدي.. جاريتي محظيتي إلي أبد الآبدين.. لذلك لا عجب أن الجنسين يهرولون لنيل الصورة المثالية للأنوثة والرجولة.. فبدونها أنت مجرد عابر في طريق الحياة الباهتة.. المملة!! نعيش عصر صناعة الجمال الأسطوري المثالي.. الذي يلعب علي غريزة الإغواء والاستحواذ والتملك.. ثورة جسدية انفجرت في وجوهنا جميعا في مختلف الأعمار والجنسيات والدول المختلفة سياسيا وثقافيا ولكنهم للعجب اتفقوا دون وثيقة رسمية علي أننا نعيش عصر ثورات الجسد وتحقيق صورة خيالية في شكل الجمال ومعناه وقدرته في الحياة العامة علي تحقيق مالم تحققه الشهادات الجامعية. أو في أضعف الأحوال هو أحد مسوغات التعيين والتقدم في العمل. والله هذه ليست نكتة. ولا حتي اتهاما.. ففي شركات كثيرة يكون المظهر العام. أحد المتطلبات الرئيسية.. والجمال يعوض عن كثير من الموهبة الناقصة والتحصيل العلمي الواجب لنيل المنصب الرفيع. وقيل زمان.. إن الجمال هو أقوي ورقة توصية لدخول المجتمع وفض بكارة الرفض الاجتماعي.. وتذليل العقبات وكسر المألوف والتمرد علي المتفق عليه.. لا ليس الأمر مقصورا علي النساء فقط وتأثيرهن الرهيب علي أجدعها شنب متزمت أو حتي شيخ تزين رأسه زبيبة تعلن علي الملأ التزامه الديني.. فحتي هؤلاء.. لا يستطيعون مقاومة.. سطوة الجمال وهيمنة مقاييس الجسد.. فيحاولون أن يجدوا لهم مخرجا من هذا الطوفان الهرموني المهيمن.. المسيطر.. المحرك لموجات الرغبة الموجعة في علاقات سرية تشرعها أوراق عرفية تكتب في الخفاء.. وتمارس في الغرف المظلمة وتنتهي بانتهاء الرغبة بعثور الجسد الأنثوي علي صيد جديد يحقق آمالاً جديدة لم يعد سيدنا الشيخ قادرا عليها. هذا ليس اتهاما لبعض شيوخنا.. فهم أولا وأخيرا رجال يضعفون أمام تجبر الجمال الذي أصبح يحكم العالم ويوجهه. بل ويوجه سياساته عندما تحكم العشيقات ذوات المقاييس العالمية عقول رجال الحكم. فتصير هي الرئيس الفعلي. التي تحكم من وراء ستار وفي أحيان كثيرة لا تكلف خاطرها بالاختباء.. بل تعلن من خلال الجمال والجسد عن أنها هي الحاكم الفعلي.. ومن أراد الاقتراب من سيادة الرئيس عليه أن يقدم فروض الطاعة والولاء لهذا الجسد الآمر.. لذا .. لا تتعجبوا كثيرا. إذا هرعنا جميعا لأطباء التجميل لإصلاح ما أفسده الزمن. أو تحسين مالم تهبه لنا الطبيعة من مقاييس عالمية وتفاصيل جسدية. وملامح متوحشة وناعمة، مثيرة وطفولية.. تذكرة النساء ليجدن مكانا لهن في هذا العالم الذكوري القاسي. الذي لايعترف إلا بشيخوخة النساء فقط وانتهاء صلاحيتهن، أما الرجال فيظل في حوزتهم كرتان لا تنالهما السنون . المال والمناصب.. يشترون بهما النساء.. وفي المقابل تستعبدهم نفس النساء.. بسطوة الجسد وفورانه.. معادلة واقعية إنسانية.. ثنائية اتفق الجميع عليها. بدون عقد رسمي.. ولكن بعرف مجتمعي يجد في تلك المعادلة عدالة اجتماعية ومقايضة رضي بقسمتها الجميع.
نكتة قديمة ترددت علي مدي الأجيال إلا أنها اختلفت في تفاصيلها علي حسب تغير الفصول والأزمنة، تقول الطرفة (إن إحدي الزوجات كثيرا ما تجد قميص نومها الليلي .. مبللا في كل صباح.. تعجبت وقررت معرفة سبب هذا الأمر العجيب، فتصنعت النوم.. لتجد زوجها مستيقظا طوال الليل يشاهد الأفلام إياها.. فينظر إلي زوجته ويبصق عليها. لضعف المقارنة. بين جمال العارضات والممثلات ذات المواصفات الخاصة لتلك الأفلام الخاصة جدا«. نكتة جارحة ومؤلمة.. وتعكس جنون الرجال بالجسد النسائي حتي لو كان في أفلام (البورنو) الزرقاء التي تأنف حتي الحيوانات من تلك الممارسات... لكن السيد الزوج المحترم.. المستعد أن يعقد علي هؤلاء المحترفات إن رضين به تخيلوا السطوة والجنون استجابة لطلبات الجسد الفورية... ولم يشفع للزوجة وأم الأولاد، التي مهما بذلت من جهد للحفاظ علي مقاييس جسدها الأمومي فإنها بالقطع لن تصل لمقاييس المحترفات لكي يرضي الزوج عنها.. أو علي الأقل لا يبصق عليها حزنا علي حظه في الدنيا من النساء.. وينسي أنه هو الآخر ليس بوسامة ولا مقاييس .. زميل نفس المحترفة.. في نفس الفيلم، ومع ذلك رضيت به الزوجة وأحبته واحترمته ولم تفكر يوما في البصق علي قبحه وكرشه وصلعته وأدائه الذكوري الباهت. لأنها تعرف الفرق بين وهم الجمال والجسد المعروض علي الشاشة، وواقع الحياة الزوجية الرائعة القائمة علي جمال الروح والعشرة الحلوة.. والمودة الجميلة والجدعنة عند الأزمات والاحتواء عند الملمات.. والرعاية عند المرض والانتكاسات! ربما .. يعرف الرجل كل هذا ويضعها في مكانها تحسباً لتلك الظروف.. أما الروقان.. والاهتمام.. والهدايا والسفريات فهي لصاحبة الجمال.. وخد عندك .. التذلل والخضوع وقبول مالا يتصور قبوله من أم العيال.. فهو يلقي تحت قدمي صاحبة الجلالة كل ما لاتتخيله! ثم تستغربون.. إذا اجتاح المجتمع جنون عمليات التجميل والحفاظ علي نضارة أيام الأنوثة الأولي.. فإذا لم يحافظ ذلك علي أبو العيال وغدر بها. فإنه يكون فرصة ليلتفت إليها رجل آخر يكمل معها المشوار ويكون كارت التعارف.. هو وجه جميل ومقاييس جسدية معقولة.. وبعد ذلك يتفقون علي التفاصيل الأخري تلك هي الحقيقة الموجعة.. التي تسيطر علي مجتمعنا اليوم.. هذا المجتمع الذي كان يضرب به الأمثال في احترام قيم العائلة.. ولكن ده كان زما ن !!
(الشباب شباب القلب.. والمهم الصحة) كلام خبرناه وسمعناه ومللنا من ترديده عندما تجنح بنا سفينة العمر عند آخر مرفأ لها.. أو حتي جزيرة صغيرة ترتاح فيها من ثقل السنين. هي فعلا في زمن لا أتذكره.. كانت حقيقية .. المهم أن تشعر بفورة الشباب في قلبك وتظل مقبلا علي الحياة. حتي آخر يوم في عمرك.. أن تظل تعمل وتفرح.. وتتعلم أشياء جديدة تضيف لك بعدا جديدا في عقلك وقلبك. أن تظل الدهشة صديقا يصاحبك حتي آخر نفس .. أن تظل حواسك متيقظة لكل جديد وجميل أن يظل إحساسك بها طائرا طليقا قادرا علي التجاوب والعطاء.. وأن يظل جسدك معافي صحيحا قادرا علي مصاحبتك في عزة وقوة.. يبعد عنك .. احتياجك للئيم.. ذلك كان مفهومنا التقليدي وربما الأصيل عن شباب القلب عندما تعدو بنا السنون إلي سنوات النضج.. ونهاية الرحلة.. اليوم اختلف الحال بطريقة تثير الألم والسخرية لم يعصم منها الرجل.. الذي كان لايعيبه ألا جيبه وهي مقولة خائبة ومهينة للرجل، ولكن ما علينا حتي هذه لم تحمه من الوقوع في مصيدة صناعة الجمال وترميم ما أفسده الدهر.. والاستعانة بكل قطع الغيار اللازمة.. حتي يظل في موقعه في سوق النساء فماله وحده لن يضمن له الحصول علي الأجساد إياها فغيره عنده المال.. والوسامة!.. وحتي الشكل المقبول بعيدا عن التجاعيد الفاضحة لعدد سنوات العمر.. كأن الشيخوخة.. سبة أو عار.. وتذكرت المثل والمقولة الشهيرة.. عايرتني بالشيب وهو وقار.. ليتها عايرتني.. بما هو عار.. تلك كانت حكمة الزمن الجميل.. ولكنه راح في الوبا.. مثلا »هنادي« دعاء الكروان.. بل وصل الهزل بأن حكاما وسياسيين يلجأون إلي عمليات التجميل ليظل الوجه محتفظا.. ببقايا مظاهر شباب مع أن عملهم لا علاقة له بالوجه والشباب إنما بالعقل وخبرة السنين.. والتجارب التي تجعل الشعوب تطمئن علي حياتها ومستقبلها منطلقا من تلك الخبرة ومن عدد السنين التي مرت عليه في موقعه. تؤهله ليقود سفينة الوطن.. بأمان.. اعتمادا علي سنوات عمره الكثيرة.. ولكن .. لا.. حتي في السياسة.. الشباب أصبح هو الموضة وكنا نتصور. أن مهنة التمثيل والإعلام المرئي.. هما اللذان يحتاجان إلي هؤلاء.. فإن الوجوه الجميلة والرشاقة هما الوجه الآخر. للموهبة والذكاء.. ولكن. ده. كان.. زما... ن.!! اليوم لا أحد يريد أن يشاهد.. إلا كل ما هو مثالي.. المهم هو المظهر.. القناع الخارجي الذي نتعامل به مع الآخرين.. ليس مهما ما يعشش في نفوسنا من ظلام وعفن مصاحب له.. المهم ألا يطلع عليه أحد..
هل سمعتم عن عمليات تجميل الشخصية.. عن عمليات ترميم نقص الثقافة والمفهومية.. عن أطباء متخصصين في شحذ الذاكرة الوطنية. وإعلاء قيم القومية العربية. هل سمعتم عن مصحات متخصصة في تنمية الوعي الاجتماعي وحقوق المواطن.. والطبيب الذي يعالج نقص الانتماء وإدمان الأنانية والمصلحة الشخصية والموت للآخر المختلف عنا.. هل تهادي إلي سمعكم عن جراح نال درجة الدكتوراه في بتر فصوص في المخ الإنساني الذي يشجع علي التلذذ في تعذيب خلق الله.. علي محو مرض الشذوذ الجسدي والنفسي.. علي معالجة قلة الضمير والسيطرة بالعقاقير علي قيم الانتهازية والنفعية.. والقضاء علي فساد الضمير!! إنها عمليات التجميل التي لابد أن نخضع جميعا لها ونشجع علي التوسع فيها وزيادة ميزانية أبحاثها.. كلنا في هذا المجال.. شيوخ.. عاجزون.. مترهلون.. نحتاج إلي إعادة تجميل. فالله حقا مؤيد لذلك النوع من العمليات فهو سبحانه جميل يحب الجمال..