جاء لقاء الملك عبد الله ملك السعودية مع الرئيس محمد مرسى وكلمة الأمير سلمان (ولى العهد) عندما زار الرئيس فى مقر إقامته فى جدة لتثبت عمق وعى قادة المملكة بالتحولات الإقليمية وقدرتهم على التكيف مع متغيراتها الجديدة. مصر والسعودية هما أهم "محاور ارتكاز" حركة العالم العربى وتوافقهما شرط ضرورى لتحقيق أى نجاح فى مواجهة تحديات عاصفة قد تقذف بمجمل معادلات المنطقة إلى المجهول، وسط رياح ثورات ما هدأت بعد، وهى لا تبقى ولا تذر، بل وتنذر بمستقبل أكثر غموضا. إقليمطنجة - جاكرتا (هذه المنطقة الممتدة من باكستان حتى المغرب) على فوهة بركان وتتغير المعادلات الحاكمة له بمعدل أسرع من إدراك كثير من الحكام. والشعوب فيه بين من ثار ومن ينتظر. ومحاور الارتكاز الإقليمية الكبرى (إيران - تركيا - "إسرائيل") لا تنتظر حتى تهدأ تلك الرياح بل تساهم فى تشكيل مجمل حركة. التفاعلات وعالمنا العربى أقرب ما يكون إلى محل للفعل وليس مبادرا ولا فاعلا. الوقائع على الأرض والإنجازات على الأرض وليس ثمة عامل استقرار لهذا العالم إلا تعاون وتحالف مصر الجديدة مع المملكة (قادة وشعبا). فإيران (أحد أهم محاور الارتكاز الإقليمي) أصبحت جزءا من المعادلات العربية بمشاكلها وحلولها وشبكات تحالفاتها وصراعاتها، بطموحاتها وجنونها الإقليمى الذى لا حد له. وتركيا أصبحت أهم الفاعلين الدوليين فيما يخص قضايانا، وإسرائيل تجهز بدائلها للحصول على أكبر حصص توزيع الغنائم سواء من داخل المنطقة أو من خارجها على طريق ابتزاز الدول الكبرى الراغبة فى التهدئة. كل محاور الارتكاز الإقليمية الكبرى تشتغل وتدور مكائنها الإستراتيجية لإبداع حلول وبدائل تمكنها من السيطرة على مقدرات هذا العالم الذى أضحى محلا للفعل. وربما كان محور الارتكاز الإيرانى أخطر محاور الارتكاز، فالتمدد الإيرانى فى المنطقة وخارجها (حتى خارج ما تعتقده مجالها الحيوي) هو ما يفرض على السعودية لعب دور ربما لم تكن راغبة فيه. مصر وتركيا هى "المعادل الموضوعي" فى الميزان الإستراتيجى السعودى فى مواجهة إيران بعدما خرج العراق من المعادلة بل وتحوله من "منافس إستراتيجي" لإيران إلى "رصيد إستراتيجي" أضيف لحسابات القوة الإيرانية. أما تركيا فهى فى مأمن من التمدد الإيرانى بحكم: التحالف الأمريكى التركي، والقدرات الإستراتيجية التركية، بالإضافة إلى تغلغلها فى شمال العراق. أما مصر فلا جوار جغرافى لها مع إيران. وتحجيم الدور السعودى إقليميًا هو هدف إيرانى على أعلى سلم أولويات سياستها الخارجية، ولعل الوجود الإيرانى فى العراق وفى اليمن على تخوم المملكة مما يؤكد السعى الإيرانى الحثيث لمحاصرة السعودية نظامًا ودورًا. وعلى الرياض ليس فقط أن تحقق توازنًا إستراتيجيا مع طهران بهدف محاصرة النفوذ الإيرانى المتنامى واحتوائه، أو على الأقل موازنته. وإنما لعب دورًا أكثر فاعلية فى إدارة صراعات المنطقة وتوسيع شبكات تحالفاتها وتعاونها خاصة مع مصر الجديدة التى تعتقد أن أمن الخليج خط أحمر، وأنه لابد من مجابهة التمدد الإيرانى الذى يحاصرها ليس فقط على التخوم إنما يتغلغل فى نسيجها الاجتماعى عن طريق زيادة عمليات التشيع التى تعقبها مطالبات بفتح حسينيات أو ادعاء المظلومية. إن تحالف مصر الجديدة مع المملكة هو أهم خطوة فى محاولة استعادة الدور الإقليمى الذى أهدر على مدار ثلاثين سنة هى عمر نظام مبارك، ومن قبله عشر سنوات (هى عمر نظام السادات) ساد فيها الصراع مع أركان العالم العربي. لحظة تاريخية فارقة هى التى تمر بها العلاقات المصرية السعودية ولعل كلمة الأمير سلمان مما يكشف عن حجم الوعى بالدور المصرى وحاجة كلا البلدين للآخر، وإن أخذت الملفات الاقتصادية محور الحديث حث الأمير سلمان على ضرورة تكثيف الزيارات المتبادلة بين المسئولين ورجال الأعمال من الجانبين بحيث يتم عرض كل آفاق الاستثمار ودعم حركة التواصل. ومحاولة زيادة الاستثمارات السعودية فى مصر من أجل خلق فرص عمل أكثر للشباب. وإن كانت العلاقات المصرية السعودية لا يمكن حصرها فى التعاون الاقتصادي، إنما هى أكبر من ذلك، هى محاور ارتكاز إقليمية كبرى، وتوجهات إستراتيجية تحدد بوصلة العمل الإقليمى فى المرحلة القادمة. لقد كانت أول زيارة خارجية للرئيس مرسى وفى هذا ما فيه من الدلالة، حيث وضعت الزيارة فى إطار محاولة "إعادة التضامن العربي"، وكان على رأس مستقبلى الرئيس ولى العهد الأمير سلمان وعدد من أركان الدولة السعودية ولعل هذا ما يشى حقيقة ببدء صفحة جديدة فى ملف علاقات المنطقة وربما إعادة التوازن فى المعادلات الحاكمة.