ما زال الثوب العلمى لمنهجية الحركة الإسلامية مُرقعًا به ثقوب، وفراغات كثيرة أدت إلى انحراف المسير، وزيغ الركب، فى محطات كثيرة من حياتنا ويحتاج إلى وقفات معمقة.. صحيح أن الحركة الإسلامية أجرت كثيرًا من الوقفات على منهجها غير أنها وقفات مع (فروع وتفاصيل) الخلل ولكننا بحاجة إلى نقد (المنهج) وهو علم دقيق أتقنه المغاربة مفهومًا وتحقيقًا وتطبيقًا، ولعل من أهم تلك الثقوب مسألة تحقيق المناط وأثر ذلك على الاجتهادات التى خاضت غمارها الجماعات الجهادية مثلاً، ومنها منظومة إجراء الأحكام الشرعية وإسقاطها على الآحاد حتى وجدنا ولأول مرة من يقول مثلاً بكفر الكيان دون كفر آحاده وأشياء من هذا القبيل المضحك غير أن أعظم هذه الثقوب هوة وأكثرها اتساعًا هو ثقب (المصطلح) فى المنهجية العلمية للصحوة التى لم تقصر فى شىء كتقصيرها فى الاعتناء بعلم المصطلح (وليس علم مصطلح الحديث) فذاك شأن آخر وفى هذا يقول الشاطبى (أهم الطرق الموصلة إلى العلم معرفة اصطلاحات أهله) لأن المصطلح هو اللبنة الأولى من كل علم وأدق أنواعه المصطلح الشرعى؛ لأن البحث فيه هو بحث فى الدين نفسه فهمًا أو تجديدًا ولا أدل على ذلك من أن الشاطبى حينما عمد إلى تجديد الدين كان المصطلح الأصولى طريقه ولعل من أجلى صور الاعوجاج الفكرى التى تسببت فيها جهالة المصطلح هو ذلك التخبط والاختلاف الذى وقع وما زال بشأن مصطلحات سيد قطب والأستاذ المودودى رحمهما الله كالجاهلية والانعزال وغيرها مما ورد فى كتبهما ولك أن تتصور أن الحركة الإسلامية خاضت حروبًا وبذلت دماء وأشلاء وأعمارًا، ووقود هذه الحروب مصطلحات مغلقة لا يعرف مدلولها سوى أصحابها وقد ماتوا تلك حقيقة!! مات الرجلان واحتفظا بسر مفاهيم ما ساقاه من مصطلحات ومستحيل أن يعرف أحد ماذا أرادا من إطلاقها، خذ مثالاً آخر مصطلح التبديل الذى فهم على أصل وضعه اللغوى وهو مجرد تغيير حكم الله وخاضت بهذا المفهوم الحركات الجهادية معركتها مع أنظمة الحكم ثم عند البحث بمنهجية (الدراسة المصطلحية) التى يتقنها المغاربة نجد أن مفهوم التبديل هو الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله وليس مجرد التبديل غير أن أفدح هذه الجرائم هو جريمة إدخال المصطلح الوافد إلى منظومة المصطلحات الشرعية وإسباغ الشرعية الاصطلاحية عليه فتلك جريمة تصل عند (متشددى) علم المصطلح إلى المحاكمة فى ميدان عام وعلى سبيل المثال لا سيما فى الحراك السياسى المصرى أعجب مصطلح (المعارضة فى الإسلام) الكثير ممن يتشوق لتزيين كلامه بالعصرى من الألفاظ وللأسف تم قبول هذه المصطلح وإدماجه بصورة غريبة فى منظومة الفقه السياسى المعاصر كنوع من الإبداع، فصارت تعقد ندوات ومؤتمرات عن المعارضة فى زمن الرسول وفى عهد الصحابة حتى وجدنا من يصرح بأن الصحابة عارضوا رسول الله!! أى وربى وجدنا مَن يقول ذلك، وهكذا دون أن يتم إخضاع المصطلح ذاته لعملية تشذيب تتم فيها (أسلمة مهنية) بالمعنى الخاص للأسلمة، أى إدخال التعديلات اللازمة عليه بالتنقيح والتصحيح حتى يصير مقبولاً مستساغًا، لا يتنافر مع الرؤية، ولا يتنافى مع الخصوصية الثقافية للأمة. ولك أن تتخيل مثلاً حجم المضحكات ونحن نشّرح هذا المصطلح سنكتشف مثلاً أن أصل مادته تدل على الاحتجاج والمخالفة والممانعة وهى معانٍ من المفترض – إسلاميًا - أن تتنافى مع حق الطاعة للإمام وحتى عند الساسة تعنى انتقاد حزب من الأحزاب أو فئة برلمانية لأعمال الحكومة والتصدى بإظهار عيوبها وسنكتشف أيضًا أن دلالة المصطلح مرتبطة بأصل فكرة الديمقراطية وهى فكرة نفعية (براجماتية) انتهازية غير مرتبطة بقيم عليا ولا مبادئ سامية (يعنى معارضة من أجل المعارضة) كما سنكتشف أن المعارضة (دور) وليست كما فى الإسلام (موقفا) هدفه فى نهاية الأمر (تقويم) الحاكم وليس فضحه واستثمار أخطائه والمزايدة على اجتهاداته بهدف القفز على السلطة كما هى فى المنظمة الغربية وأن النصح والهجر والإقدام والإحجام وإبداء الرأى مكفول داخل مؤسسة اتخاذ القرار من خلال الشورى فالحاكم فى حقيقة الأمر ليس بحاجة إلى معارضة حتى تأتيه من حزب نفعى آخر هى موجودة أصلاً فى نظامه الذى أقامه من خلال أهل الشورى وأختم هنا بكلام شيخنا الأستاذ الشاهد البوشيخى عن دراسة المصطلح (من أوجب الواجبات وأسبقها لا يقدر عليها تاريخ ولا مقارنة ولا حكم عام ولا موازنة لأنها الخطوة الأولى للفهم السليم الذى يبنى عليه التقويم السليم والتاريخ السليم).