الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    المعارضة تقترب من حسم المقعد.. وجولة إعادة بين مرشّح حزبى ومستقل    20 مرشحًا فى مواجهة ساخنة على 10 مقاعد فردية    انطلاق أول رحلة رسولية خارجية للبابا ليو الرابع عشر نحو تركيا ولبنان    رئيس الوزراء يشهد أعمال مؤتمر إصلاح وتمكين الإدارة المحلية    وزير البترول يبدأ زيارة رسمية إلى بيرث الأسترالية لجذب شراكات واستثمارات جديدة    وزير الري يستعرض المسودة الأولية للنظام الأساسي واللائحة الداخلية لروابط مستخدمي المياه    رئيس الوزراء يقرر اعتبار مشروعات جديدة من أعمال المنفعة العامة.. أبرزها إنشاء الخط الثالث للقطار الكهربائى السريع "قنا–سفاجا–الغردقة"    مرفق الكهرباء يعقد اجتماعا مع رؤساء شركات التوزيع لمناقشة أسباب زيادة شكاوى المواطنين    رئيس التنظيم والإدارة يستقبل وزير الإدارة العامة السيراليونى لبحث نقل الخبرات المصرية    ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3% بالربع الأول من عام 2025 /2026    مصر للطيران تكشف حقيقة وقف صفقة شراء طائرات جديدة    زلزال بقوة 6.6 درجات يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    نهاية الملاذ الآمن    وزير الخارجية: اتفقنا على تعزيز التعاون لفتح مسار الهجرة الشرعية    مؤتمر سلوت: هدف أيندهوفن الثاني قتل إيقاعنا.. والحديث عن مستقبلي طبيعي بعد هذه النتائج    هاري كين: هذه أول خسارة لنا في الموسم فلا داعي للخوف.. ومتأكد من مواجهة أرسنال مجددا    رأس المال البشرى.. مشروع مصر الأهم    اليوم.. انعقاد الجمعية العمومية العادية لاتحاد الكرة    ثلوج بالجزائر وأمطار في تونس وطقس مستقر بالمشرق العربي    «الداخلية» تقرر السماح ل 45 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    انطلاق امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    طقس الخميس.. انخفاض فى درجات الحرارة وشبورة كثيفة صباحا    اعترافات سائق ميكروباص بتهمة التعدي جنسيا على سيدة داخل سيارة في السلام    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 27 نوفمبر 2025    وفاة الاعلامية هبة الزياد بشكل مفاجئ    "الكمامة" تعود للمشهد أمام المدارس في قنا    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    أحدث ابتكارات ماسك، خبير يكشف مفاجأة عن صفحات تدار من إسرائيل للوقيعة بين مصر والسعودية (فيديو)    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    باحثون يحذرون من تزايد خطر تعرض السيارات المتصلة بالإنترنت لعمليات القرصنة    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    سر ظهور أحمد مكي في الحلقة الأخيرة من مسلسل "كارثة طبيعية" (فيديو)    جنة آثار التاريخ وكنوز النيل: معالم سياحية تأسر القلب في قلب الصعيد    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق هونج كونج إلى 44 قتيلا واعتقال 3 مشتبه بهم    السيطرة على حريق شب في مقلب قمامة بالوايلي    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    ترامب: الولايات المتحدة لن تستسلم في مواجهة الإرهاب    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    المصل واللقاح: فيروس الإنفلونزا هذا العام من بين الأسوأ    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    أوركسترا النور والأمل يواصل البروفات في اليونان    أستاذة آثار يونانية: الأبواب والنوافذ في مقابر الإسكندرية جسر بين الأحياء والأجداد    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    الحماية من الإنفلونزا الموسمية وطرق الوقاية الفعّالة مع انتشار الفيروس    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    برنامج ورش فنية وحرفية لشباب سيناء في الأسبوع الثقافي بالعريش    مدارس النيل: زودنا مدارسنا بإشراف وكاميرات مراقبة متطورة    جمال الزهيري: حسام حسن أخطأ في مناقشة مستويات اللاعبين علانية    أتالانتا يفوز على فرانكفورت بثلاثية في دوري الأبطال    الكرملين: الدعوات لإقالة ويتكوف تهدف إلى عرقلة المسار السلمي في أوكرانيا    بسبب المصري.. بيراميدز يُعدّل موعد مرانه الأساسي استعدادًا لمواجهة باور ديناموز    أتلتيكو مدريد يقتنص فوزا قاتلا أمام إنتر ميلان في دوري الأبطال    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بِطاعة الرحمن تصلح الأوطان (2)
نشر في المصريون يوم 04 - 01 - 2019

ذكرنا أن عمارة الأرض من الغايات المهمة في الإسلام، وأن هذه العمارة ترتبط بطاعة الرحمن وجودًا وعدماً، وفي المقال السابق استعرضنا تأثير غياب طاعة الرحمن على جلب الفساد للأوطان وتنكّس عمارة الأرض، واليوم نذكر بعض الخطوط العريضة لارتباط عمارة الأرض وصلاح الأوطان بطاعة الرحمن في النقاط الرئيسة التالية:
بدايةً؛ لقد صرحت عدة آيات في القرآن الكريم بارتباط عمارة الأرض وصلاح الأوطان بطاعة الرحمن، كما في قوله سبحانه وتعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحْنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" (الأعراف: 96) وقوله تعالى: "فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددْكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" (نوح: 10-12).
وحتى نفهم هذه العلاقة بين طاعة الرحمن وعبادته وعمارة الأرض وصلاح الأوطان يلزم تصحيح المفهوم الخاطئ لعبادة الله عز وجل، والذي يحصرها في الشعائر والطقوس الدينية فحسب، بينما حقيقة العبادة في الإسلام أوسع من ذلك بكثير، وتشمل مجالات كبيرة جداً، ولعل تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للعبادة يكشف لنا عن عمق مفهومها في الإسلام، وعن المكنون الحضاري في دعوة التوحيد التي جاء بها كل الرسل والأنبياء لأممهم عبر تاريخ البشرية.
حيث يعرّف شيخ الإسلام في كتابه العظيم (العبودية) العبادة بقوله: (العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)، ثم يعدد شيخ الإسلام أمثلة لشمولية العبادة فيقول: (فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.
وكذلك حب الله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله، وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له).
ويتبين لنا من هذا التعريف وهذه الأمثلة شمولية العبادة، وأنها كل قول وفعل يحبه الله عز وجل ظاهراً وباطناً، فلا تقتصر العبادة في الإسلام على صلة شخصية للإنسان بربه، بل تشمل نفسه (صلاة، صيام، حب الله...) وتشمل مَن حوله (الوالدين، الجار، اليتيم، ...) وتشمل الحيوانات والجمادات، وتشمل الشأن العام (أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، والجهاد، ..).
وننطلق من هذا المفهوم الواسع والشامل لطاعة الرحمن وعبادته لبيان وتوضيح ارتباطها بعمارة الأرض وصلاح الأوطان، وأن هذه العلاقة هي علاقة منطقية لِمَن فهم حقيقة طاعة الرحمن وعقيدة التوحيد التى دعا لها جميع الرسل والأنبياء، فطاعة الرحمن تؤثر في عمارة الأرض وصلاح الأوطان على مستويين، هما:
مستوى تأثيرها في الأفراد والمجتمع والكون، ومستوى انسجام أوامرها وتشريعاتها مع طبيعة وتكوين الأفراد والمجتمع والكون بما يحقق الصلاح والعمارة.
فمتى الْتزم المسلم بشعائر الدين وعقيدة التوحيد فإن سلوكه ومفاهيمه تتجه صوب الإصلاح ومحاربة الفساد كما في قوله تعالى: "اتْلُ ما أوحِي إليك من الكتاب وأقِم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولَذِكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون" (العنكبوت: 45)، وأي فاحشة ومنكر أكبر من الظلم بالشرك او الظلم للناس والإفساد وتضييع الأمانة في العمل والوظائف.
ومتى استقام العبد على طاعة الرحمن وعبادته فإن ذلك يدعوه للإحسان لربه بالتقوى، وللناس والكون بالمعاملة، ولنا في كلمة بائعة اللبن حين رفضت أن تغش اللبن كما طلبت أمها بحجة أن أمير المؤمنين عمر الفاروق لا يراهما، فقالت لأمها: "إن كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا"، ومن هذا المنطلق جاءت كلمة الفاروق رضي الله عنه: "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن اللّه عز وجل سائلي عنها يوم القيامة"، فهذا الضمير الحي لدى الفرد والقائد المسلم هو ضمانة الإصلاح، لأن هذا الضمير نابع من عقيدة التوحيد التي تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يتصف بكمال الأسماء والصفات، ومنها صفة العلم والسمع والبصر والمعيّة.
ولقد شاهدنا قبل أسابيع موجة السلب والنهب التي عمّت عاصمة (النور) باريس برغم قوة القانون وشيوع الثقافة والمدنية بينهم، لكن بسبب غياب الوازع الديني وطاعة الرحمن فإن قوة القانون لا تجدي لوحدها، وهذا سبب تورط كثير من الساسة في السرقات والاختلاسات والفواحش الجنسية على غرار كلينتون ونتنياهو وترامب وبوتين وغيرهم.
ولو تأملنا حال الفساد والمفسدين في كل مكان لوجدنا أن فسادهم لا يتم إلا بخرق أمر من أوامر الرحمن، فالاستبداد نقيض العدل والرحمة، ونهب الخيرات نقيض الأمانة والصدق، ونشر الشر والفجور نقيض الاستقامة والديانة، والتبعية والذل نقيضا الكرامة والولاء لأهل الإيمان، وخلل الإنجاز وسوء الأداء نقيضا الإخلاص والإتقان، وهكذا فلا مكان للفساد في الأوطان والبلاد إذا التزمت طاعة الرحمن في أي مجتمع ودولة.
ونختم الكلام عن تأثير طاعة الرحمن على الفرد والمجتمع والكون لعمارة الأرض وصلاح الأوطان بملاحظة عن قلة حالات الانتحار في بلاد الإسلام برغم قسوة الأحوال الاقتصادية والسياسية بخلاف ارتفاع ظاهرة الانتحار في المجتمعات الغربية والعلمانية المتقدمة اقتصاديًا وتكنولوجياً، وبذلك بسبب بعدهم عن طاعة الرحمن وطحنهم تحت وطأة العلمانية أو الدين المحرف.
أما انسجام أوامر الله وشريعة الرحمن مع عمارة الأرض وحاجات الإصلاح للفرد والمجتمع والكون فهو واضح في الحث على العلم والأمانة والعمل والإخلاص والإتقان وإثابة المحسن ومعاقبة المسيء ورعاية الضعيف ونصرة المظلوم والتعاون على الخير والتشاور مع أهل الفهم وإقامة العدل والتزام الحق، وأن هذه كلها أقوال وأفعال يحبها الله عز وجل، وتدْخل في مفهوم العبادة، ومتى التزم مجتمع بها صلح حاله وعمرت أركانه.
ومما يوضح انسجام أوامر الله عز وجل مع حاجة الصلاح للفرد والمجتمع والكون تفحص مدى الفساد الكامن في الدعوات العلمانية المتطرفة لهدم مؤسسة الزواج بدعوى الفردانية والحرية، فهاهي دول وشعوب تشيخ وتكاد تموت على حد وصف باتريك بوكانن المستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين بسبب انفلات الشهوات ومحاربة الزواج، ويتضح هذا أكثر بأن حث الإسلام على ختان الذكور كان سبباً لقلة إصابة المسلمين بمرض الإيدز الناتج عن الشذوذ والفواحش.
إن طاعة الرحمن بتحريم الربا المدمر للشعوب والأمم مثال آخر لارتباط الإصلاح وعمارة الكون بعبادة الله عز وجل، وها نحن في الأردن من عقود الإصلاح الاقتصادي بالقروض الربوية فما جنينا الا مزيدا من الفساد، وقد اعترف كبار الاقتصاديين بالأثر المدمر للربا على الاقتصاد العالمي، ولذلك أصبحت كثير من المؤسسات الاقتصادية تدخل في مجال الاقتصاد الإسلامي برغم أنهم غير مسلمين، ولكنه الفرار من الربا المدمر.
هذه خطوط رئيسية في تلازم عمارة وصلاح الأوطان بطاعة الرحمن، وهو موضوع يحتاج إلى تفصيل أكثر بكثير، ولكن باختصار كلما صح التدين -تعلماً والتزاماً- في مجتمع كان أكثر صلاحاً وعمارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.