ختمت مقالي أمس المعنون، "مصر أفضل بالديمقراطية الحقيقية والتنافسية الانتخابية"، بالفكرة التي تقلق كل المخلصين للوطن بأنه ليس في صالح مسار الديمقراطية - حتى لو كان هذا المسار دون المأمول -، ولا في صالح صورة مصر الخارجية، ولا في صالح المرشح الأبرز للرئاسة "السيسي" ألا يكون هناك مرشحون جادون يخوضون سباقاً وتنافساً حقيقياً في رئاسيات 2018. أن تتحول الانتخابات إلى ما يشبه الاستفتاء بأن يكون أمام السيسي مرشح ضعيف وشكلي للديكور، ولمنح الانتخابات وضع التنافسية فقط، فإن الفوز هنا لن يكون له طعم، والديمقراطية الانتخابية ستكون مجرد شعار بلا معنى، والرئيس القديم الجديد ستظل تلاحقه مسألة أنه لم يُختبر جدياً، وأن ما جرى لا يختلف كثيراً عما لو كان تم إجراء تعديل دستوري للتمديد له لأربعة أعوام أخرى، وأن الإنفاق المالي والوقت المستهلك كانا بلا فائدة في بلد يعاني الفقر وعجز الموازنة وقلة العمل والبطالة، ولن أتحدث عن الشرعية والتشكيك فيها، لأن الشرعية ستكون مستوفاة شكلاً وقانوناً، لكنها في المضمون والجوهر ستظل ورقة في أيدي خصوم السياسة للاستفادة منها في التشويه. وفي التعامل الخارجي والعلاقات الدولية فإن الفارق يكون واضحاً بين حاكم جاء بمعركة انتخابية تابعها العالم باهتمام وإعجاب ولم يعرف من الفائز فيها حتى لحظة إقفال الصناديق، وبين حاكم محسوم فوزه ومؤكد حصوله على فترة رئاسية جديدة قبل إجراء الانتخابات، في الأولى يكون له وضعية خاصة دولياً، ويكون مسنوداً بقوة فوز حقيقي جاء بالجهد والتعب والاختيار الشعبي الحر النزيه حتى لو بفارق صوت واحد فقط عن منافسه الخاسر، وهذا سينعكس على قراراته ومواقفه وتعاملاته مع العالم، وسيتخذ ما يشاء دون أن يهاب شيئاً أو أحداً أو يشعر أنه بحاجة لرضا قوى وعواصم معينة ذات تأثير ونفوذ، وفي الثانية سيكون النظر إليه والتعامل معه باعتبار أن الرئاسة جاءت بما يشبه التعيين في المنصب الرفيع، أو كما لو كان يندرج في خانة الشرعيات التقليدية الملكية الوراثية. قل في الرئيس الأمريكي ترامب ما شئت من كونه فاقداً للأهلية لقيادة الدولة العظمى والتحكم في مصير العالم، كما جاء في كتاب مايكل وولف "نار وغضب"، وصفه بما تشاء من أنه مهرج ومتهور ومثل طفل في سلوكياته، وأن إدارته فوضوية مرتبكة، وأنه لا يليق بأمريكا، لكن لا تنسى أن الذي يجعل العالم يهابه ويجعل أي قراره يصدره يثير ضجة وردود أفعال هائلة ويقلب موازين محلية وإقليمية ودولية أنه رئيس منتخب في ظل ديمقراطية تنافسية لا تقبل التشكيك ولا التلفيق، هذه أهم ميزة يتمتع بها ترامب، وهي نفسها الميزة الأولى التي يتمتع بها كل حاكم منتخب في العالم الديمقراطي الحر قبل مصادر القوة المادية والناعمة لبلاده. نريد للرئيس القادم لمصر أن يكون قوياً شعبياً، فهذا هو سلاحه الأهم، وإذا كان السيسي يعتقد أنه الأجدر بالقيادة لفترة ثانية ليكمل ما بدأه في دورته الأولى، فليكن ذلك في سياق انتخابي، لا استفتائي، وفي سياق تنافسي محموم، لا في سياق غياب للتنافس والإحجام عن الذهاب للتصويت ليكون المشهد محرجاً عالمياً في اللجان الخالية، ويكون أكثر إحراجاً لو اُستخدمت أساليب ترهيب وترغيب سياسي وقانوني وديني لدفع الناس للتصويت، وربما اللجنة الوطنية للانتخابات استشعرت مسبقاً إمكانية الإقبال الضعيف فثبتت بدعة 2014 بجعل التصويت لمدة ثلاثة أيام، لسنا بلداً قارة، وليس عدد الناخبين عندنا يزيد على 800 مليون مثل الهند حتى يكون التصويت لثلاثة أيام، التصويت في الديمقراطية الأمريكية الأهم عالمياُ ليوم واحد فقط، وكذلك في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وكل ديمقراطيات العالم القديمة والعريقة والحديثة. ربما جاء إعلان حزب مصر العروبة ترشيح رئيسه الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق للرئاسة هدية للسيسي والنظام، وعليهم تشجيعه، لا إحباطه، ودفعه لمواصلة الترشيح، لا محاصرته، لأنه سيكون اسماً مهماً يمنح جولة 2018 ميزة تنافسية، ولو كنت من النظام لشجعت الفريق أحمد شفيق على الترشح، وسهلت له الطريق لأنه اسم كبير وكفيل بجعلها انتخابات مهمة، وشجعت أيضاً كل من يريد الترشح من مختلف التيارات السياسية الشرعية لتكون المعركة هذه المرة تفوق وتجب معركة انتخابات 2012، وحتى لا تبقى 2012 مضرباً للمثل، وتصير "عقدة" سياسية، ولسحب هذه الورقة من أيدي من يتاجر بها من الإخوان. أن يفوز السيسي بالرئاسة في وجود منافسين أقوياء يجعله رئيساً شديد القوة السياسية، وشديد القوة في التعامل مع مختلف الملفات والقضايا في الداخل، وشديد القوة في التعامل مع الإقليم والعالم، والتأكيد بأن مرشح الضرورة في 2014 لايزال هو المرشح المرغوب فيه بعد 4 سنوات، ولمدة 4 سنوات أخرى، وللقياس الواقعي لمسألة الشعبية، لأن مستوى الشعبية سيكون هادياً في ترتيب أولوياته، والتعرف على سلبيات وإيجابيات الفترة الأولى، وحتى يُنهي دستورياً عهده بأنه تولى منصبه بجدارة في انتخابات فعلية، وأن كل صوت حصل عليه في الفترتين كان بإرادة واختيار شعبي حر. [email protected]