رفض النظام المصري كالعادة مطالب وجود رقابة دولية على الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر المقبل مكتفيا برقابة المنظمات المدنية المحلية, فهل الرقابة الدولية هى " شرمستطير " يسعى النظام بكل ما أوتي من قوة لمنعه من دخول البلاد ؟,وهل لو تنازل النظام ووافق يوما عليها فهل يمكن لتلك الرقابة أن تجعله يلتزم في إجراء الانتخابات - أي انتخابات - بالمعايير المتعارف عليها عالميا في الانتخابات الديمقراطية لجهة النزاهة والشفافية والحرية, أم أن الممارسات الانتخابية المتراكمة خلال سنوات طويلة كفيلة بتحويل تلك الرقابة إلى تحصيل حاصل ليكون وجودها كالعدم ؟. ابتداء فان الرقابة الدولية على الانتخابات لم تعد قضية حساسة تخيف وتقلق الأنظمة في كثير من بلدان العالم طالما أن الانتخابات تتم في أجواء ديمقراطية تنافسية شريفة ,بل إن رقابة الانتخابات من منظمات مدنية دولية أصبح تقليدا مرحبا به في كثير من الديمقراطيات الناشئة والى حد أن بعض الحكومات تطلب بنفسها المراقبين لتبرهن للعالم أنها جادة في السير على طريق الإصلاح وفي التحول الديمقراطي الحقيقي لما لذلك من انعكاسات ايجابية على صورة بلدانها في المحافل الدولية وفي نيل ثقة الاستثمارات العالمية والجهات المانحة . ومثلما أن هناك لوحات شرف للأفراد المتميزين , فهناك لوحات شرف أيضا للبلدان التي تتحول من الحكم الفردي الشمولي إلى الحكم الديمقراطي التعددي. لكن للأسف الشديد فانه يحدث في بلداننا أن يتم الربط بين الرقابة الدولية على الانتخابات وبين كون أن هذه المطلب يمثل انتهاكا أو انتقاصا أو تدخلا في سيادة واستقلال وكرامة البلد , هذا الربط هو من قبيل اللعب بهذه المعاني الوطنية لترهيب من يطالبون بالرقابة ورميهم بشكل غير مباشر بتهم تنتقص من وطنيتهم وإظهارهم أمام الجمهور بأنهم كما لو كانوا يسعون لتدخل أجنبي في شئون بلدانهم الداخلية, وإمعانا في التشويه الكاذب فإنهم يستحضرون في خلفية الصورة الحالة العراقية المنكوبة باحتلال أمريكي جلب الخراب والدمار ولم يجلب أي ميزة للعراقيين ولا حتى الديمقراطية المنشودة والتي لو كانت قد تحققت لكانت خففت من وطأة الكوارث التي ترتبت على الاحتلال . في هذا السياق الأعوج فان الحكومة المصرية تظهر من ينادي برقابة دولية على انتخابات البرلمان كأنه ينادي على القوات الأمريكية أو على تحالف دولي بقيادة أمريكا لاحتلال البلد والعياذ بالله . فكرة السيادة ذاتها ومحاولات ضرب أسوار عالية متخيلة من الحماية للشعوب لمنعها من التفاعل مع شعوب العالم الأخرى خاصة العالم الحر باتت أفكارا وسياسات وإجراءات قديمة, ولم تعد صالحة أو مجدية في زمن العولمة وانفجار ثورة المعلومات والانترنت والبث الفضائي, ومهما حاولت بعض الأنظمة فرض القيود على وسائط الإعلام الجديد فإنها لن تفلح في حجب شعوبها عن التواصل مع العالم الذي لم يعد يعترف بالحدود الوهمية ولا بالمسافات ولا بالحواجز الطبيعية أو البشرية .مثلا في إيران وكوريا الشمالية وميانمار وكوبا فانه رغم الإجراءات الغليظة من أنظمة تلك البلدان لقمع شعوبها وكبت حرياتها ومنعها من التواصل مع العالم الخارجي بتقييد وتكميم الإعلام الجديد وخصوصا الانترنت لكن ما يحدث في الداخل يجد طريقه للخارج كما أن رسائل الخارج تجد طريقها للنفاذ إلى هذه الشعوب عبر وسائل وأدوات مبتكرة . أمريكا وهى صاحبة تجربة ديمقراطية عريقة وانتخابات نزيهة لايشك احد في شفافيتها تستضيف مراقبين دوليين في مناسباتها الانتخابية المختلفة في سلوك اعتيادي دون أن يخرج احد في البيت الأبيض أو الكونجرس ليقول إن سيادة الولاياتالمتحدة انتهكت أو أن هذا الفعل هو تدخل فج في الشأن الداخلي الأمريكي, ويحدث الأمر نفسه في دول غربية عريقة في الديمقراطية, أليس - إذن - حري بدول تجاهد لتثبت للعالم أنها جادة في إصلاحاتها أن تطلب وتلح في ضرورة وجود مراقبين لتتباهى أمام العالم بأنه ليس لديها ما تخفيه أو تخاف منه في انتخاباتها. المثل المصري العبقري الذي يقول أن من على رأسه " بطحة " فانه " يحسس " عليها باستمرار, يعكس الحالة المصرية الرافضة بشراسة والمقاومة بكل ما أوتيت من قوة لوجود أي نوع من أنواع الرقابة الدولية على الانتخابات ؟. فماهو الذي تخشى الحكومة أن تكشفه تلك الرقابة ؟. هل تخشى مثلا أن تصدر لها شهادة دولية موثقة بالتزوير وانعدام الشفافية وما قد يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على صورة النظام ووضعه بل وماهو أكثر من ذلك ؟. يبدو أن هذه النقطة هى مثار القلق الحقيقي والرفض الدائم لوجود مراقبين . لكن عندما يتعهد الرئيس مبارك في الأشهر الأخيرة أكثر من مرة في خطابات رسمية بان مصر ستشهد انتخابات حرة ونزيهة, ألا يعني ذلك انه ليست هناك أي مشكلة من وجود مراقبين طالما أن رأس الدولة قطع هذه التعهدات أمام شعبه والعالم. والمفترض - حسب ذلك - أن تجري انتخابات مجلس الشعب القادمة في أجواء نزيهة فعلا ,وبالتالي فان وجود مراقبين من الخارج إضافة إلى رقابة المنظمات المحلية سيجعلهم يعاينون بأنفسهم هذه النزاهة التي أكد عليها رأس الدولة لتكون شهادة المراقبين هنا لمصلحة النظام ودليلا على مصداقيته وإصراره على محو الصورة السيئة لسجله في الانتخابات التي أجريت في عهده باستثناءات نادرة. لكن إذا كان الحديث عن النزاهة لمجرد الحديث الروتيني المعتاد مع قرب كل مناسبة انتخابية أو كان حديث الرئيس صادقا وجديا بينما من يأتون في الصفوف التالية في النظام والحزب والمكلفين بإدارة العملية الانتخابية ووضع تعهدات الرئيس موضع التنفيذ يخالفون هذه التوجهات أو هم غير مؤمنين بالنزاهة والشفافية أو لم يتم تربيتهم سياسيا عليها أوهم قلقين منها على وضع مرشحي الحزب الحاكم فهذه تكون قضية أخرى وموقف آخر يجعلهم فعلا يرتعدون عندما يسمعون من يطالب بالرقابة الدولية فيحولونه إلى خائن أو عميل وينزعون عنه صفة الوطنية وكأنهم وحدهم أصحاب البلد والحريصين على سيادته ومصلحته,وكأنهم وحدهم الوطنيين أو من يمنحون الآخرين صكوك الوطنية. من متابعتنا للنظام الجديد الذي وضعه الحزب الوطني لاختيار مرشحيه للبرلمان يظهر انه إذا طبق بنزاهة فانه سيضمن اختيار القواعد الشعبية الحزبية لمرشحين مرغوبين وجيدين قادرين على المنافسة بأسمائهم وسمعتهم وسجلهم الحسن في الدوائر المختلفة لان آفة مرشحي هذا الحزب في أي انتخابات سابقة أن كثيرا منهم لم يكونوا جديرين بان يرشحهم لذلك عندما كانت تجرى انتخابات ولو بقدر محدود من النزاهة كما حدث في الجولة الأولى من انتخابات 2005 فانه كان محتما هزيمة هؤلاء المرشحين على أيدي المنافسين سواء كانوا من الإخوان أو الأحزاب أو المستقلين حتى لو كان هؤلاء المستقلين ينتمون للحزب الحاكم ولهم سمعة طيبة لكن تم تجاهل ترشيحهم لأسباب لاعلاقة لها بأسس الاختيار الصحيح , إذا تحقق كلام صفوت الشريف الأمين العام للحزب واحمد عز أمين التنظيم بان مرشحي الحزب سيكونون من العناصر النظيفة وانه لابد أن يكونوا قد اجتازوا مراحل التقييم والاختبار والانتخابات الداخلية فان هذا يعني تقديم مرشحين مقبولين قادرين على المنافسة بجانب أن ورائهم حزبا حاكما مسيطرا وبالتالي فان فرص فوز اكبر عدد منهم قائمة حتى لو جرت الانتخابات بحياد تام من الحكومة ومؤسساتها وأجهزة الأمن وفي مناخ شفاف ونزيه وحر وهنا من مصلحة هذا الحزب ومن مصلحة النظام - وهما متهمان بعدم الديمقراطية وتزوير الانتخابات وقمع المعارضين بكافة أطيافهم - أن يرحبوا بأي رقابة خارجية وان يفتحوا مصر كلها أمام الإعلام المحلي والعربي والدولي لينقل مباشرة وقائع العرس الانتخابي الديمقراطي ليشاهد العالم لحظة بلحظة الحراك الديمقراطي والانتخابات التي تليق بمصر تاريخا ومكانة, لكن غير المفهوم ألا يتم ذلك بل هناك تشددا مع المطالبين بالرقابة ومهاجمتهم والتقليل من شانهم وكذلك مهاجمة من يحثون الحكومة عليها حتى لو كانوا مسئولين كبارا من أصدقائهم الأمريكان . هنا قد يبدوا معقولا إلى حد معين ما يدعيه البعض بان هجمة الحكومة على الإعلام بإغلاق صحف وفضائيات ووضع قيود مشددة على رسائل ال sms وعلى الفضائيات خصوصا الإخبارية بشان النقل المباشر للأحداث قد يبدو أن كل ذلك وما قد يستجد من إجراءات إضافية في الأيام القادمة هدفه التغطية على عملية كبرى تتعلق بالانتخابات المقبلة مضمونها أن الكعكة سينفرد بها الحزب الحاكم كالعادة مع ترك بعض الفتات منها لعدد من الأحزاب التي توصف بالشرعية, وإقصاء كامل لجماعة الإخوان المسلمين ليكون آخر عهد لهم بالبرلمان هو المجلس المنتهية ولايته, وربما ذلك يفسر الموجة الجديدة من التصعيد ضد الإخوان بالاعتقالات وتجفيف المزيد من المنابع الاقتصادية والمالية لهم علاوة على الحرب الإعلامية المعتادة.