جاء مقتل علي عبد الله صالح ليكتب فصلا جديدا من فصول الصراع السياسي على اليمن، ويشكل نقطة تحول في الحرب الدائرة رحاها في اليمن منذ سنين، ويفتتح مرحلة جديدة من مراحل هذا الصراع الاجتماعي الممتد وأبعاده الإقليمية شديدة الحساسية. اليمن قلعة لا يمكن أن تفتح إلا من داخلها، وكان صالح قادرا بالفعل على تغيير معادلات الصراع اليمني ومستقبله، وذلك بما يملك من شبكة علاقات قبلية، ومقدرات وإمكانيات حرس جمهوري بسلاحه وعتاده ورجاله لا زال يدين بالولاء لصالح وأبناءه وأبناء إخوانه، وقدرات مالية بالمليارات لا زال صالح يستخدمها في إدارة صراعه في اليمن وعليه مع مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية وذلك بمهارة فائقة. وعندما أدرك الحوثيون ذلك، وتأكدوا أن صالح بصدد تغيير بوصلته وولاءاته وأنه قادر كما أدخل الحوثيين صنعاء على أن يخرجهم منها كما قال كان لابد من التخلص منه ومن ثم كان قرار تصفيته ومن معه من رموز حزب المؤتمر. الحرب في اليمن هي في التحليل الأخير حربا بالوكالة بين الأقطاب الإقليمية الكبرى، والصراع على اليمن ليس صراعا داخليا بقدر ما هو صراع على موقعه وموضعه وما يمثله من أهمية استراتيجية في الصراع الإقليمي الكبير، والدعم الإيراني اللامحدود لا يعني إلا أن اليمن وهي رابع عاصمة عربية تسقط في الميزان الاستراتيجي الإيراني يمكن أن تغير معادلات الصراع في المنطقة كلها إذا تم الإمساك بمفاتيح باب المندب وما يمثله من عمق استراتيجي لمنطقة الخليج وما يمكن أن يشكله من تهديد للملاحة في البحر الأحمر.
اليمن ذو طبيعة خاصة سواء من حيث الجغرافية العصية على التطويع أو الصحراء المترامية الأطراف أو الجبال الوعرة المستحيلة الاختراق أو التكوين الاجتماعي المعقد أو الخريطة المذهبية بالغة التداخل أو التشكيل القبلي شديد الحساسية لفكرة الاختراق الخارجي ولا أقول الاحتلال الخارجي حيث يتعامل مع أي قوة مسلحة خارجية بمنطق أنها قادمة لاحتلاله أو استباحة حرماته. ومن ثم فلا بد من بناء رؤية جديدة وتصور معالم سيناريوهات جديدة غير تلك المتبعة منذ العامين، رؤية تقوم على عدد من الاعتبارات التي أتصور أن أهمها: الأولوية للداخل اليمني بمختلف تكويناته، وإعادة الاعتبار للقوى السياسية القائمة بالفعل. دعم شبكة علاقات اجتماعية ممتدة تقبل بالدور الخارجي كمرحلة انتقالية لمساعدة اليمن على التخلص من أزمته والتحرر من براثن الحوثي وتبعيته لإيران. بناء تحالفات استراتيجية مع القوى الفعالة والفاعلة على الأرض، وهي تلك القوى التي تملك مفاتيح مهمة في إدارة الصراع ومستقبله ولا يمكن تجاهلها بحال من الأحوال. إحكام الحصار حول الحوثيين بما يقطع خطوط الإمداد الخارجي من إيران تحديدا أو غيرها ممن يقدم الدعم والسلاح. احترام التعددية اليمنية سواء من حيث التكوين الاجتماعي أو القبلي أو من حيث التعدد المذهبي، باختصار احترام الواقع اليمني بما هو وعلى أي شيء يكون. إعادة الاعتبار لمفاهيم الجمهورية وحقوق الشعب والحريات العامة ومواجهة التمدد الإيراني بمفاهيمه المتعلقة بالولاية والولي الفقيه والإمامة والعصمة والتبعية المطلقة للمركز الإيراني. اعتماد استراتيجية الخطوط المتوازية، ما بين العسكري والسياسي والاجتماعي وبناء شبكات التحالف الاستراتيجية الموسعة، مع التأكيد أن السلاح وقوة قصف النيران من السماء لن تحسم الحرب، ولم تحسم أي حرب. الحروب لا تحسمها إلا قوات المشاة على الأرض، وهم هنا شبكات التحالفات الاجتماعية والقبلية والمذهبية التي يجب احترامها والتعاون والتعامل معها. الحرب ليست إلا مرحلة قصيرة في المعركة الكبرى وهي بناء اليمن الموحد القادر على إحداث تنمية مستدامة ينعم بثمارها كل اليمنيون. القبول بمساحة من الاختلاف مع الحلفاء المحليين تسمح لهم بالحركة في إطار من التحالف الاستراتيجي لحساسية الواقع اليمني من التبعية المطلقة لطرف خارجي. الحروب الطويلة استنزاف طويل ومن الضروري أن تكون الخطة لإنهاء الحرب على الندى القصير حاضرة، فالحروب ليست إلى ما لا نهاية. ضرورة العمل على استمرار حزب المؤتمر موحدا تحت قيادة جديدة تؤمن بأهمية فض تحالف الحزب مع الحوثيين وتضمن استمرار مقدرات الحزب ومواقعه الاستراتيجية ليمثل خطوة في مسيرة تحرير صنعاء من الاحتلال الحوثي. الصراع على اليمن ومستقبل هو في جوهره صراع على هوية الدولة والمجتمع اليمنيين، وليس مجرد صراعا سياسيا أو حتى مجرد حربا بالوكالة، ومن ثم فالمعركة في جوهرها معركة استراتيجية على عروبة اليمن وسنيته.