هذا كلام فى وقته للإخوان من متعاطف قديم عندما كانوا فى حالة استضعاف قولاً وكتابة، والآن معارض للسلوك السياسى وليس للمنهج الفكرى، وبداية لابد من دعوة الجميع إلى هدنة طويلة وليست مائة يوم، كما يفعل الأمريكان، مع أى إدارة جديدة، فقد جرب المصريون كل أنواع نظم الحكم شرقها وغربها، الثورى والمحافظ الوطنى والأجنبى، الاشتراكى والرأسمالى، العاقل والمتهور، ولهذا من الظلم التربص بالإخوان منذ اللحظة الأولى وشحذ المطاوى والسنج، والمنطق هو الصبر والتسامح فى البداية ومنحهم الفرصة لتكون حجة عليهم، والأهم حتى لا تتكرر تجربتى الإنقاذ فى الجزائر وحماس فى غزة وهدم المعبد فوق كل الرءوس وهناك من يسعى بمنتهى الإصرار والخبث لجرجرة الإسلاميين للصدام مرة مع القوى السياسية ومرات مع القوات المسلحة، وفتح جبهات مع الإعلام والقضاء وائتلاف الثورة والشرطة وللأسف هناك من الحمقى من يلتقط الطعم، برعونة، وأذكر أنه منذ أسبوعين كنت خارجًا من الاستوديو فى مدينة الإنتاج الإعلامى وفجأة ظهر موكب ضخم من السيارات بالأضواء المبهرة، يحيطه عدد من البودى جاردات، وقبل أن أسأل كان عدد من شباب الإخوان يهرولون فى استقبال المرشح محمد مرسى، ووقفت ومن معى فى ذهول متسائلا عن شكل الموكب بعد انتخابه، وإذا بواحد منهم يقول فى غرور لا نريد أصواتكم، وعندما مر من أمامنا محمد مرسى يحيطه حراسته وأعضاء حملته، ابتعدنا عنهم مذهولين من الغطرسة المبكرة، وهذا مجرد مثال لآلاف مثلها ارتكبها المتحدثون باسمه فى الفضائيات أبو بركة وغزلان والبرنس، وبينما كان المشاهدون والمتعاطفون مع الإخوان ينتظرون إجابات واضحة وراشدة، بدون لف ولا دوران، لم يكن هؤلاء المتحدثون يشفون غليلهم، ولا يريد الإخوان التواضع وفهم أننا حين ننتقدهم لا نقترب من الإسلام، وأننا فى إطار اللعبة السياسية نتحاور كبشر أسوياء متساوين فى المواطنة، وحتى بالمعيار الدينى وأمام الله فإن المعيار هو التقوى وليس المنتمى للجماعة أو حزب الحرية والعدالة، وفى إطار الانتخابات فإن كل ما صدر من تصريحات بحلوها ومرها يجب وضعها فى إطار التجربة السياسية الوليدة ليس للإخوان فقط، ولكن للمصريين ولا حساب بعد إعلان النتيجة لأن ما سبق هو ضربة البداية لماراثون طويل ولهذا فقد كان شيخ الأزهر موفقًا عندما سئل قال عن اكتساح الإخوان قال هو اختبار، وأقول هو ابتلاء، كما أخبرنا الله تعالى فى سورة الأحزاب "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولا" والمقصود بالأمانة هنا هو التكليف، وأظن أن هناك فرصة ذهبية للإخوان ولا أقول للرئيس مرسى لإجراء مصالحة تاريخية مع السلطة والدولة، ثم مع هؤلاء المؤلفة قلوبهم، وذلك لتصحيح كثير من المواقف والحوادث التى تطارد الإخوان أينما ظهروا، وقد لا تتكرر مرة ثانية فرصة التمكين الراهنة، ويخطئ الإخوان والرئيس إن غفلوا عن أن الأبصار شاخصة إليهم ترصد بدقة نبضات وهمسات الجماعة والحزب وقصر الرئاسة، وما كان مقبولا وهى جماعة محظورة لم يعد كذلك، وهى تدير بلدًا بحجم مصر، وما كان مسموحًا لها ولأفرادها وهم فى المعارضة لم يعد مقبولاً، وقد مكن لهم الله، وما كان مغفورًا وهم فى السجون ويعملون تحت الأرض أصبح ذنبًا وجريمة، وهم فى قصور الحكم، المهم أن الإخوان مطالبون الآن بتصحيح تلك الفرية التاريخية فى أنهم كانوا دائمًا عبئا لاجمًا فى العملية الديمقراطية فى مصر، وبدلاً من استخدام شعبيتهم وثقلهم لقيادة عملية الانتقال للحكم الديمقراطى كان يحدث العكس، والمقام لا يتسع لشرح أو تفسير ذلك ولكن الأهم هو إثبات العكس والبدء فورًا فى إجراء المصالحة الوطنية لأن نتائج التصويت فى جوهرها تستدعى ذلك وبسرعة لتنفيذ مشروع النهضة أولاً، ثم ترميم كوارث المرحلة الانتقالية، التى جعلت الناس تكفر بالثورة والثوار فى ظل غياب الأمن والانهيار الاقتصادى، وتغذية المخاوف عند الأقباط ودفعهم للهجرة بتصريحات حمقاء، وشيطنة كل الرموز المصرية تحت المسمى السفيه "فلول" إلى الدرجة التى جعلت الكثير مقتنعًا أن الثورة هى السبب فى كل ما نعانيه ثم الديون الداخلية ومشاكل البنزين والسولار.. أمام الإخوان الآن مطالب يومية ل 90 مليون مصرى منهم 42% تحت خط الفقر و20% منهم فى فقر مدقع مع ديون داخلية وخارجية نحو 239 مليار دولار أى أن نصيب الفرد نحو 2900 دولار، إضافة لعجز الموازنة نحو 23 مليار دولار، مع أقل نمو للناتج المحلى فى التاريخ وصل إلى 1.8% ومحاولات مستميتة لوقف تدهور قيمة الجنيه دفع فيه البنك المركزى 20مليار دولار من الاحتياطيات فتراجعت الآن إلى نحو 15 مليارًا، وهو رصيد يكفى بالكاد نحو 3 أشهر لتغطية الواردات.. واعتذر عن الإطالة فى الوضع الاقتصادى وعذرى أن الجميع صاروا قانونيين وسياسيين، وأهملوا الاقتصاد.. ووسط كل هذا يتسلم مرسى وحزبه وجماعته قيادة البلد، وهم منزوعو الأسلحة والاختصاصات نتيجة الصدام مع المجلس العسكرى، وأعرف أن الذى بدأ كان الإخوان وتلك قصة طويلة، وخلاصة الأمر أن كل لحظة تمر من عمر هذا البلد فى ظل سيطرة الإخوان أو الإسلاميين ستخصم منهم الكثير إن لم يقدموا النموذج الراقى ليس للمصريين، ولكن لكل العالم الذى ينتظر المبادأة والشجاعة والتسامح والصبر والخروج من شرنقة القوى السياسية، التى تعتقد كل واحدة منها أنها تمثل الشعب المصرى كله، ولابد من العودة إلى الجامعات والمزارع والمصانع ونبذ التشرزم والاهتمام بالقضايا الثانوية ووقف الدعوات إلى تلك المليونيات، التى أخذت من عمر الوطن والثورة والجماعة أكثر مما أضافت ونزعت عنهم أحلى ما فيهم، ولكن كل ذلك لن يتحقق بعدالة دون إعلان الهدنة ومنح الإخوان والإسلاميين الفرصة قبل النقد والحكم عليهم.