ترف المراقبون للشؤون السياسية بأنهم لم يندهشوا من التحركات السياسية لأكبر جماعتين فى تيار الإسلام السياسى «الإخوان والسلفيين» بقدر اندهاشهم من التحركات الاقتصادية والتى تقترب من أن تصبح تحولات مفاجئة عما هو متوقع، فى فكر الجماعتين، حيث كان القلق الأكبر على الحريات العامة وعلاقات الخارجية من وصول الإسلاميين لسدة الحكم يتوازى مع المخاوف الاقتصادية من أن تخضع لغة الأرقام المتغيرة والقابلة للتفاوض لسلطة الفتاوى الثابتة والقياس الجامد الذى يخضع لفهم صاحبه بالدين، فجاءت لقاءات ممثلين عن حزب الحرية والعدالة الجناح السياسى للإخوان مع بعثة صندوق النقد، وما تبعه من بوادر تفاؤل بشأن إقراض مصر ما يزيد على 3 مليارات دولار، ومن بعده زيارة رئيس الحزب لاتحاد الصناعات، ثم لقاء المرشد بالسفيرة الأمريكية فى القاهرة والتحاور بشأن المنح والقروض، لتدلل بقوة على أن جماعة الإخوان بعد أن استقرت السلطة بين ذراعيها بدأت البحث فى الجيوب الاقتصادية واختبار المعطيات المالية حتى تصل لنتائج لا تقل عما تطمح إليه الجماعة فى السلطة. حزب النور السلفى أيضا انتبه لما يفعله الإخوان فبدأ هو الآخر فى محاولة اللحاق بما يمكن أن نطلق عليه مجازا «رحلة استكشاف المنابع الاقتصادية للدولة المصرية»، فكان التفكير أولا بإنشاء كيانات اقتصادية «إسلامية» أو توسعة ودعم الموجود منها بالفعل - والتى لم تصبح سرية بعد الثورة - ثم زيارات إيجابية من ممثلى الحزب للبورصة أعلنوا فيها عن دعمهم للتداولات «الحلال» بل وتخصيص جائزة لكثر الأسهم مراعاة لمبادئ الشريعة، تفاجأ مجتمع المال بزيارة غير مسبوقة من نادر بكار عضو الهيئة العليا للحزب للمجموعة المالية هيرميس كبرى شركات تداول الأوراق المالية فى مصر، وكان السبب المعلن هو مناقشة مناخ الاستثمار، مما يؤصل لفكرة أن التيار الإسلامى بدأ الانتقال فعليا مما يعرف عنه بأنه «مراهقة سياسية» لمرحلة وضع «أفكار للدولة المقبلة». وفى هذا الشأن بالذات إذا استبعدنا ما تستدعيه نظرية المؤامرة بوجود تنسيق بين الجماعتين، فإن المسارين اللذين تمشيان فيه اقتصاديا قد لا يلتقى إلا فى الأهداف والغايات، بينما الظاهر يبدى ما تفرقت به السبل بينهما فى الوسائل والإجراءات، لأن جماعة الإخوان ممثلة فى حزبها الذى سيشرع ويحكم بطبيعة الأمر على يقين بأن تطبيق نظرية الاقتصاد الحر، وهم على مقاعد السلطة تختلف عن تطبيقها، وهم جماعة مضطهدة يدعمها رجال أعمال فى الخفاء، وهدفهم الأكبر هو البقاء على قيد الحياة والحفاظ على كياناتهم المالية، بينما فى الحكم أنت مطالب بتحقيق معادلة صعبة تجمع بين جذب إغراء المستثمر ومواكبة السوق من جانب ومراعاة الأبعاد الاجتماعية من جانب آخر، كما أن الجماعة لديها علاقات مع الغرب تجعلها الأقرب للتأثر بالواقع الاقتصادى الخارجى، بينما حزب النور يعلم أنه بما حصل عليه من مقاعد فى البرلمان سيكون مجبرا على لعب دور المعارضة الأقرب للأغلبية، فهو بالتالى يبحث عن بدائل لما سينتقده من سياسات وتوجهات اقتصادية، وستكون لديه فرصة للتوسع فى الاقتصاد الخاص وفرض أيدولوجيته عليه بدلا من التصادم مع الكيانات الاقتصادية التى تسيطر عليها الأغلبية «الإخوان». وفى كل الأحوال سيصبح الاقتصاد فى المستقبل القريب هو المضمار الذى ستدور فيه المنافسة - سواء فى السياسات أو الأفكار - بين جماعتى الإخوان والسلفيين، فالأخيرة ستعيد النظر بالتأكيد فى مواكبة النظريات الفقهية التى تعتمد عليها فى التطبيق الإقتصادى، والتى يقوم أغلبها على فكرة الحرام والحلال والعلاقة بين الغنى والفقير، ويقتصر فى الجدل حول المضاربات والزكاة وتعاملات البنوك، بينما يتفوق الإخوان فى هذا الجانب الأسباب عدة ربما الخبرة السياسية على رأسها، لكن الأبرز فيها قدرة الجماعة على مسايرة الواقع ومخالفتها فى الخط الفكرى للسلفيين فى الارتكان إلى النظريات الفقهية فقط، وباختصار أكبر أصبحت المنافسة الآن بين الاثنين سيدور حول أيهما أسرع تطبيقا لنظرية «دعه يعمل.. ودعنا نمر».