كشفت صحيفة "المونيتور" الأمريكية، عن نية السودان في الإقدام على استثمارات زراعية جديدة في الفترة المقبلة، وخاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عنها في أكتوبر الماضي، منوهًة بأن هذا المخطط يقابله مخاوف وقلق مصري، من استنزاف حصة مياه النيل، حيث تداول هذا الأمر بالتزامن مع الانتهاء من بناء سد النهضة في إثيوبيا. وتابعت الصحيفة، في تقريرها، أن تقابل الطموحات السودانية بالتوسع في استثمارات الأراضي والمياه، مخاوف وقلق مصري من استنزاف السودان لمياه النيل، خصوصًا أن المشاريع الزراعية الضخمة تعتمد على الري من مياه النيل، وهو ما سينهي فرص مصر في الاستمرار والتصرف الكامل في إيراد مياه النيل ببحيرة ناصر الزائد عن الحصص المائية للدولتين والمقدر ب74 مليار متر مكعّب. وتتقاسم مصر والسودان وحدهما الإيراد السنوي لمياه نهر النيل باعتبارهما دولتي المصب وفقاً لاتفاقية تقاسم مياه النيل 1959، والتي تحصل مصر بموجبها على 55.5 مليار متر مكعب، والسودان على 18.5 مليار متر مكعب سنوياً، باعتبار أن الإيراد المتوسط للنهر يصل إلى 84 مليار مم، منها 10 مليارات تضيع في التبخر من بحيرة ناصر. وفي هذا الصدد، قال مسئول مصري في قطاع مياه النيل، التابع لوزارة المياه والري، فضل عدم ذكر اسمه، موضحًا: "لدينا آليات عديدة للتأكد من سحب السودان حصته المائية فقط من النيل وفقاً لاتفاقيّة 1959، وذلك من خلال قياسات لمنسوب المياه في النيل ومراقبة التصرفات في النهر من خلال بعثة الري المصرية في السودان، فضلاً عن وجود آلية للتنسيق في ملف التعاون في توزيع الحصص المائية من خلال اللجنة الفنية الدائمة المشتركة بين مصر والسودان". وأضاف: "رغم الخلاف السياسي والفني مع السودان في ملف إدارة مياه نهر النيل والعلاقة مع دول منابع النيل، بخاصة إثيوبيا والموقف من سد النهضة الإثيوبي الذي يؤيده السودان، إلا أّن حتّى الآن يوجد تفاهم مع الجانب السوداني في مسألة توزيع الحصص وهناك التزام سياسي من السودان باتفاقيّة 1959". كما توقع المسئول المصري زيادة التحديات أمام القاهرة في القريب العاجل، مؤكدًا: "طموح السودان المتزايد لاستغلال مياه النيل في الاستثمارات، والتي ستعززها زيادة الإقبال على الأراضي السودانية الشاسعة والخصبة بعد رفع العقوبات الأمريكية". و"كذلك قرب التخزين في سد النهضة الإثيوبي الذي سيجعل إثيوبيا طرفًا في توزيع وتقاسم المياه في النيل الشرقي، كل ذلك سيضع القاهرة في مأزق كبير أمام إمكانية تأمين مصالحها من مياه نهر النيل الذي يؤمّن 95% من حاجاتها من المياه". بينما من جهته، نوه الخبير والباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أيمن عبدالوهاب: "أن السودان بدأ بالفعل يستنزف كامل حصته من مياه النيل، وفقاً لاتفاق تقاسم الحصص المائية مع مصر سنة 1959، لذا في أي توسعات استثمارية في مجال الزراعات والموارد المائية سيفرض عليه تغيير موقفه من دعم سد النهضة الإثيوبي، لأنه سيكون تحديًا كبيرًا أمام السودان في إمداده بكميات أكثر من مياه النيل". وفي السياق ذاته، شدد الباحث في جامعة ساسكس، رامي لطفي حنا، على "أن السودان هو مفتاح الأمن المائي المصري، ويجب أن تكون هناك طريقة للتفكير في كيفية تضمين الاستثمارات الخاصة في آلية إدارة الموارد المائية بنهر النيل، للتأكد من أن هذه الاستثمارات تحترم معايير الاستدامة الاجتماعية والبيئية". في المقابل، يرى الخبير في الشأن السوداني بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، هاني رسلان أّن "الموقف السوداني تجاه مصر في ملف المياه أصبح عدائيًا". وأردف: "أن في الوقت الراهن يتردد حلف الكواليس السياسية وفي الرأي العام السوداني أن السودان له حصة متراكمة من المياه لدى مصر، إذ إنه لم يكن يستهلك حصته كاملة من مياه النيل طوال الفترة الماضية، وكانت تحصل عليها مصر من دون مقابل". ومع هذا قد يتطور الأمر إلى مرحلة أكثر خطورة إذا ما أعلن السودان انضمامه إلى اتفاقية عينتيبي، التي تقضي بالاستخدام العادل والمنصف للمياه من أجل تحقيق الأمن المائي من دون الالتزام بالحصص التاريخية لدولتي المصب". واختتمت الصحيفة، تقريرها، معلقة بأن مع استمرار التحديات التي تطارد القاهرة، بتصاعد الطموح السوداني لاستغلال الإمكانيات المتوفرة لديه من الأراضي ومياه النيل من أجل الاستثمار والانتعاش الاقتصادي، لا يبقى أمام الإدارة السياسية في مصر سوى التعاون ومحاولة ربط المصالح السودانية اقتصادياً وسياسياً بمصر، من أجل تحقيق الأمن المائي والغذائي معًا وألا في التهديدات ستتصاعد على النظام من كل حدب وصوب.