لأن العينة كما يقول المثل الشعبى بيّنة، فلا شىء يهم، ولا ثمرة مرجوة من حملة الزيارات التى قررت جماعة الإخوان المسلمين، أن تقوم بها إلى مقار الأحزاب السياسية المدنية الديمقراطية، التى بدأت فى الأسبوع الماضى بزيارة إلى حزب التجمع، وأخرى إلى الحزب الناصرى..اقتصرتا - طبقاً لما نشرته الصحف من تصريحات - على دردشة سياسية عامة، ولم تسفرا عن أى تفاهمات أو حتى عن اتفاق على مواصلة اللقاء، وتلك هى العينة المبينة التى تدعو لاستنتاج أن الدردشة السياسية التى ستجريها وفود من الإخوان مع ممثلين لحزبى الجبهة الديمقراطية والحر الدستورى، خلال هذا الأسبوع، لن تسفر عن شىء مهم. وليست هذه أول مرة يسعى فيها الإخوان أو تسعى بعض الأحزاب المدنية الديمقراطية، لحوار بين الطرفين، تتوهم خلاله هذه الأحزاب أن هناك إمكانية للتواصل مع الإخوان، وإقامة تحالف معهم، يخدم هدفاً سياسياً مشتركاً، ثم تكتشف فى النهاية أن الإخوان كانوا يسعون لاستخدامهم كحصان طروادة، وللاستفادة منهم دون إفادتهم، ويعملون طوال الوقت لحسابهم وحدهم، ولخدمة أهدافهم السياسية التى تتناقض جذرياً مع أهداف أى حزب مدنى ديمقراطى. والذين درسوا تاريخ التحالفات السياسية للإخوان المسلمين، منذ دخلوا الساحة السياسية عام 1938 بعد عشر سنوات من تأسيس الجماعة، يعلمون أن القاعدة الأساسية فى تكتيكاتهم السياسية، هى التحالف مع القوى السائدة والمسيطرة والعمل لحسابها ونيابة عنها فى تحطيم خصومها السياسيين، والاستفادة من هذا التحالف فى العمل لحسابهم الخاص، وتقوية أنفسهم، انطلاقاً من إيمانهم بأن الجميع كفرة، وأنهم حزب الله الذى لا يجوز أن يوجد معه حزب آخر.. وكان ذلك ما فعلوه حين ساندوا حكومات الأقليات الموالية للقصر الملكى بين عامى 1938 و1942 ضد حزب (الوفد)، وما كاد الوفد يصل إلى الحكم عام 1942، حتى تحالفوا معه، فتركتهم حكومته يبرطعون فى أنحاء البلاد، وينشئون مئات الشُعب فى القرى، مقابل أن يفضحوا فى المساجد الدعاية النازية التى كانت تشيع أن «هتلر» قد أسلم، وتَسمَّى باسم «الحاج محمد هتلر».. وما كادت هذه الحكومة تقال عام 1944 ليحل محلها تحالف من أحزاب الأقلية المعادية للوفد بقيادة «الحزب السعدى»، حتى نقلوا ولاءهم إليه، وعملوا لحسابه.. فى محاولة لتحطيم الوفد والقضاء على جماهيريته، بينما كانوا طوال الوقت يعملون لحسابهم الخاص، ويشكلون ميليشيات مسلحة تستعد للانقضاض على الجميع.. وحين تنبه السعديون لذلك حلوا الجماعة، فرد عليهم «الجهاز الخاص» باغتيال «النقراشى».. ورد عليهم بوليس الحكومة باغتيال «حسن البنا». وكانت هذه القاعدة الانتهازية هى أساس تحالفات الإخوان مع ثورة 23 يوليو.. فقد تحالفوا مع مجلس قيادة الثورة فى البداية، وأيدوا قراره بحل الأحزاب السياسية بعد أن استثناهم من الحل، ولما توهموا أن الجو خلا لهم طالبوا مجلس الثورة بتشكيل لجنة تراجع القوانين والقرارات التى يصدرها للتأكد من مطابقتها للشريعة الإسلامية كما يفهمونها، فلما رفض واعتبر ذلك وصاية عليه، انتقلوا إلى معارضته، لكن العلاقة الودية بين الطرفين عادت أثناء أزمة مارس 1954، فتخلى الإخوان عن مساندة القوى الديمقراطية التى كانت تطالب بعودة الحكم المدنى.. لينفرد مجلس قيادة الثورة بالحكم، ثم يعود ليصفى حسابه معهم، بعد أن حاولوا اغتيال «عبدالناصر» فى ميدان المنشية.. وكان ذلك أيضاً ما فعلوه حين تحالفوا مع «السادات» فى بداية عهده، وعملوا لحسابه فى تصفية المعارضة اليسارية والناصرية! ولا تبدو حتى الآن دلائل كافية تكشف عن أن الإخوان قد عدلوا هذا المنهج الخاطئ والانتهازى فى رسم تحالفاتهم السياسية، مع أنه كان السبب فى كل ما تعرضوا له من مصاعب يصطلحون على تسميتها بسنوات المحنة (1948 و1954 و1965) فضلاً عن أنه عزلهم عن المجرى العام لحركة القوى الديمقراطية المصرية وهو منهج ينطلق من الخطأ المحورى الذى أدى إلى تحويل الجماعة - منذ عام 1938- من جماعة دينية تدعو المسلمين إلى اتباع تعاليم دينهم، إلى حزب سياسى يخلط بين ما هو دينى وما هو سياسى، ويسعى لإقامة دولة دينية، أثبتت كل تجارب الماضى والحاضر أنها تسىء للدين والسياسة وتفسد كليهما. مختصر الكلام: أساس أى حوار أو تحالف مع «الإخوان» تسعى لإجرائه أحزاب أو حركات مدنية ديمقراطية، لا يجوز أن يقتصر على المطالب الديمقراطية المطروحة الآن.. والتى لا خلاف عليها بين قوى المعارضة، بل ينبغى أن يبدأ بطرح السؤال الأساسى وهو: هل «الإخوان المسلمين» حزب أم حركة مدنية ديمقراطية تسعى لإصلاح النظام السياسى القائم ليكون نظاما ديمقراطيا طبقاً للمعايير الدولية.. أم هى حزب دينى يسعى لاستبدال النظام القائم بسلطة دينية استبدادية لا صلة لها بالديمقراطية؟! ذلك هو السؤال الذى يجب على هذه الأحزاب والحركات أن توجهه إلى الإخوان، حتى لا يتحول الحوار معهم إلى دردشة، أو ينتهى بأن يصبحوا حصان طروادة، الذى يقودنا من نظام نصف استبدادى.. إلى نظام مستبد بالتلاتة شافعى ومالكى وأبوحنيفة.