نشهد الآن كثيرًا من الانتهاكات المهنية في معظم وسائل الإعلام المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة، وهناك فريق ينادي بضرورة وجود إجراءات وعقوبات صارمة لكل من ينتهك المعايير الإعلامية، والفريق الآخر يطالب بعدم التعرض لأي من الوسائل الإعلامية وتعزيز مبدأ الحرية المطلقة. ولكن إذا نظرنا إلى الدول الأكثر ديمقراطية، التي نتخذها كنماذج لحرية الرأي والتعبير، سنجد أن معظمها يطبق مبدأ الحرية المسؤولة، بالإضافة إلى وجود المواثيق الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير، لكن تحت ضوابط وليس بصفة مطلقة. فطبقاً للمادة 19 في العهد الدولي لحقوق الإنسان، تنص المادة على أن «لكل إنسان حقًا في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها». ولكن يأتي الجزء الثاني من نفس المادة على أن هذا الحق يستتبع مسؤوليات وواجبات خاصة لذلك، ومن الممكن فرض قيود على أن تكون منصوصًا عليها في القانون، ومنها حماية الأمن القومي والنظام العام وغيرهما. وتأتي المادة 20 من هذا العهد لتنص على أن «تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف». فهناك فرق بين حرية الرأي والتعبير وما تتضمنها من حرية مسؤولة وبين حرية مطلقة أو عشوائية. فمعظم الدول الديمقراطية تُجرّم خطاب الكراهية وتنص عليه في القوانين المختلفة. ولذلك قامت فرنسا بغلق قناة المنار التابعة لحزب الله عام 2006 ومنعت بثها داخل الأراضي الفرنسية، لأنها اعتبرت أن ما تقدمه برامج «الدعاية الإسلامية» تعكس صورة سيئة عن الإسلام وتنشر الكراهية. إذن فالحرية هنا ليست مطلقة ولكنها تعمل تحت ضوابط تضمن حق المشاهد في الحصول على مضمون متوازن، لا يعمل على تزييف وقلب الحقائق أو إرهاب الناس وتحريضهم بالقيام بأعمال عنيفة. وفي الأسبوع الماضي أيضًا، قام جهاز التنظيم للبث المسموع والمرئي(Ofcom) في المملكة المتحدة بفرض غرامة تكلفتها 30 ألف جنيه إسترليني عندما قامت إحدى المحطات التليفزيونية في منطقة بيرمنجهام باستخدام بعض الجمل التحريضية بطريق غير مباشر. فمبدأ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لا يتناقضان، فلا بد عرض الرأي والرأي الآخر وتعزيز مبدأ التعددية وعدم منع أو تكتيم أصوات وآراء متناقضة، ولكن في الوقت نفسه حرية الرأي والتعبير لا تعني استخدام وسائل الإعلام كمنابر للسب والتحريض بالعنف. ولكن يجب أن تكون هناك وسائل لضمان الحرية المسؤولة حتى لا يسوء استخدامها، ولكي تكتمل أركان الحرية المسؤولة يجب إنشاء جهاز مستقل يضع الأكواد التي تلزم القنوات بالتغطية المهنية وتكون هناك عقوبات تدريجية، تبدأ من إرسال إنذارات للقنوات التي تخالف الضوابط وتصل إلى سحب الترخيص ومنع البث لمدة محددة. ومن حق صاحب القناة اللجوء إلى القضاء في حال شعوره بالتعسفية من قبل جهاز التنظيم. ويجب العمل على وجود ميثاق الشرف الإعلامي الذي يهدف لوجود قواعد للعمل الإعلامي بمختلف اتجاهاته من أجل ممارسة المهنية والمصداقية، فالتناول الإعلامي يجب أن يكون على أسس وقواعد مهنية وليس من خلال أسلوب فوضوي تنتج عنه مشاكل مجتمعية.