التغطية الانتخابية تتطلب المصداقية والحياد سيتصبب العديد من الصحفيين والمشتغلين في الإعلام عرقاً من الخجل إذا ما طالعوا هذا الدليل: "الإعلاميون والانتخابات .. مدونة مهنية وأخلاقية".. فهو لا يقدم مجرد خريطة مهنية وقانونية للتغطية المحايدة والموضوعية للانتخابات في مختلف النوافذ الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة، وإنما يلقي الضوء علي الممارسات غير الدقيقة وربما غير الأخلاقية التي تقع فيها شريحة عريضة من الجماعة الصحفية المصرية قصداً أو جهلاً، فتخلط بين التحرير والإعلان، وتشكك في نزاهة العملية الانتخابية أو تقر بصحتها - حتي قبل أن تبدأ - في مصادرة صريحة لحق الناخبين في الاختيار، ناهيك عن الرفض المطلق والعام للنتائج أياً كانت دون سند ملموس.. "نحن الصحفيين المصريين أسرة مهنية واحدة تستمد كرامتها من ارتباطها بضمير الشعب، وتكتسب شرفها من ولائها للحقيقة، وتمسكها بالقيم الوطنية والأخلاقية للمجتمع المصري".. مبادئ أساسية تتصدر ميثاق الشرف الصحفي الذي وافق المجلس الأعلي للصحافة علي إصداره في السادس والعشرين من مارس عام 1998 باعتباره دستوراً لأصحاب القلم والرأي ولجميع المنتمين لبلاط صاحبة الجلالة (سواء المشتغلين في المطبوعات الصحفية أو كانوا ممن يمارسون الإعلام التلفزيوني أو الإذاعي).. قبل أن يؤكد الميثاق بوضوح: "..واعترافاً بحق القارئ في صحافة موضوعية تعكس بأمانة وصدق نبض الواقع وحركة الأحداث وتعدد الآراء وتصون حق كل مواطن في التعقيب علي ما ينشره الصحفي وعدم استغلاله في التشهير أو الابتزاز أو الافتراء أو الإساءة الشخصية.. وإدراكاً منا لواجبات الزمالة وما تحتمه من علاقات مهنية نزيهة تحفظ لكل صاحب حق حقه دون ضغط أو إكراه أو تميز أو تجريح بين أفراد الأسرة الواحدة رؤساء كانوا أو مرؤوسين.. نعلن التزامنا بهذا الميثاق ونتعهد باحترامه وتطبيقه نصاً وروحاً في كل ما يتصل بعلاقتنا بالآخرين وفيما بيننا".. هكذا يحدد الميثاق أخلاقيات المهنة.. غير أن الممارسات العملية علي أرض الواقع تبدو مغايرة إلي حد كبير؛ فالفوضي حلت محل حرية التعبير، والإساءة والتطاول والتشهير باتت في عرف البعض مرادفاً لآليات النقد والمراقبة، فيما أصبح التحزب والانحياز والجهر بالانتماء والطعن في ذمم الزملاء هو السمت العام للاختلاف.. يحدث هذا علي نطاق محدود في الأوقات العادية، وعلي نطاق مبالغ فيه في أوقات المنافسات العامة كالانتخابات.. وعليه ومنذ الصفحة الأولي في دليل "الإعلاميون والانتخابات .. مدونة مهنية وأخلاقية" الصادر حديثاً عن مؤسسة الأهرام بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، يتضح للجميع ماهية الدور الرئيسي الملقي علي عاتق وسائل الإعلام بشكل عام وفي وقت الانتخابات بصفة خاصة والذي لا يجب أن يقتصر علي دعم حق الناخبين في المشاركة الانتخابية وحسب، بل يتعد ذلك إلي توعيتهم، وإقناعهم بأهمية المشاركة الإيجابية، فالإعلام وقت الانتخابات ينتظر منه أن يكون شاهداً محايداً ورقيباً علي كافة أطراف العملية الانتخابية، الأمر الذي لا يتحقق بشكل كبير في ظل حالة الاستقطاب والهجوم المتبادل التي تمارسها وسائل الإعلام القومية والخاصة والحزبية تجاه بعضها البعض، والتي انتقلت من أرضية الاختلاف المهني لساحة التناحر الشخصي والسياسي.. ومن ثم اعتبر القائمون علي إعداد الدليل أنه بمثابة مرشد للصحفيين والإعلاميين لتغطية صحفية وإعلامية عادلة ودقيقة ومتوازنة ومحايدة ومسئولة للانتخابات وغيرها من الاستحقاقات العامة بما يعزز القيم الديمقراطية ويشجع الحوار والنقاش والمتابعة.. الدليل أعده فريق بحثي متخصص في رصد وتحليل العمليات الانتخابية برئاسة الدكتور عصام الدين فرج، وكيل أول الوزارة بالمجلس الأعلي للصحافة، وإشراف الدكتورة هويدا مصطفي، أستاذ الإعلام جامعة القاهرة، المحرر العام للدليل.. وهو يتكون من أربعة فصول، يستعرض الأول النظام الانتخابي في مصر، من حيث الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلسي الشعب والشوري ونظام إدارة الانتخابات والقواعد المنظمة للدعاية الانتخابية، كما يتناول النظام الحزبي في مصر وكذا تطور الحياة الحزبية والسياسية علي امتداد تاريخ مصر المعاصر. كما تفرد مساحة في هذا الفصل لبيان الخريطة الإعلامية في مصر بالتفصيل.. ويتوقف هذا الجزء أيضاً أمام العديد من مؤشرات حرية الإعلام المصري فيما يخص غياب أي رقابة مسبقة والتعددية الواضحة والاحتكام للقضاء للفصل في أي تجاوزات تخص العمل الإعلامي. وفي الوقت ذاته تطرح العديد من المقترحات لتعميق تلك الحرية، ومنها: ضرورة تفعيل مواد القانون لضمان حرية حصول الإعلامي علي المعلومات من مصادرها الأصلية، ووضع آليات لضمان تدفق المعلومات بدقة وموضوعية، وإعادة النظر في جميع القوانين المتعلق بقضايا النشر، ودراسة تعديل العقوبات بها من الحبس أو السجن في قضايا النشر والرأي لتصبح غرامات وتعويضات مالية لردع المتجاوزين. وأيضاً دراسة قانون اتحاد الإذاعة والتلفزيون لعام 1980 لمواكبة المتغيرات التي طرأت علي الساحة الإعلامية محلياً وعالمياً، وتشجيع إقامة نقابة للإعلاميين بالراديو والتلفزيون لتأسيس ميثاق شرف مهني لهم، مع دعوة مستخدمي الإعلام الإلكتروني إلي إنشاء روابط واتحادات لوضع مواثيق التزام مهني ينظم العمل داخل هذا الفضاء الإعلامي الواسع. أما الفصل الثاني فيبقي الفصل الأبرز بين جميع أجزاء الدليل باعتباره مأخوذاً من تساؤلات الصحفيين والإعلاميين، ومردوداً إليهم.. أكثر من ستين سؤالاً مهماً شغلت طويلاً أعضاء الجماعة الصحفية والإعلامية المعنية بتغطية الانتخابات من خلال الممارسات العملية في السنوات الأخيرة، تم جمعها والإجابة عليها استناداً لمرجعيات قانونية ومعايير مهنية وأخلاقية.. ومن تلك التساؤلات التي يمثل الجهل بإجابتها أو تجاهلها مطبات صعبة في طريق التغطية النزيهة ما يرتبط بأشكال انتهاكات التوازن في وسائل الإعلام، وهو ما يربطه الدليل بإقدام الإعلامي علي بعض السلوكيات من شاكلة طرح وجهة نظر واحدة للموضوع، والمبالغة في وصف النتائج، وتأجيج العواطف في طرح القضايا الجدلية، والتعميم دون سند.. ومن أمثلة ما نشر في هذا الصدد مانشتات من شاكلة:"الشعب أدلي برأيه" .. "الأقلية فشلت في الحصول علي تفويض من الشعب" .. "ودقت طبول الحرب في الشرقية" (الأهرام 20 مايو 2010..) في أسيوط الحسم لصالح والعمدة مالك يواجه الوفد والغد" (الرأي للشعب 31 مايو) 2010 .. "ناصر عيسي رجل الأعمال المعروف أقوي المرشحين لعضوية مجلس الشعب بدائرة بندر أسيوط فئات" (جريدة اليوم 1 يونيو (2010 .. "المهندس حمدي الشاذلي اسم كبير في سماء السياسة بأبوتيج« (جريدة اليوم 1 يونيو 2010 .. ") قنا تغازل المستقلين وجعبورو السنيسي في خطر" (الجمهورية 8 يونيو 2010 .. ) ويلفت الدليل إلي أن الهجوم علي لجنة إدارة الانتخابات أو التشكيك فيها أو الطعن في إجراءاتها علي غرار ما كتبته جريدة الأحرار "اللجنة العليا للانتخابات خيال مآته" (7 يونيو 2010 ) هو نوع من التحيز ضد المصلحة العامة للمجتمع، فبينما يكفل القانون حق النقد المباح، لكن ذلك يتطلب الالتزام بتقديم الأدلة والوثائق.. كما أن الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام قد تلعب دوراَ في تضليل الرأي العام بعدم مراعاة الدقة بتشويه الخبر أو حذف بعض عناصره أو نشرها بصورة مشوهة أو حتي اختلاقها، الأمر الذي يؤدي في حالة الانتخابات لعملية اغتيال معنوي لمرشح أو مجموعة مرشحين لصالح مرشح آخر. كذلك فإن لجوء بعض النوافذ الإعلامية للتسرع في نشر نتائج الانتخابات قبل أن تعلنها لجنة إدارة الانتخابات هو نموذج صارخ لعدم الدقة، وباب سحري للتشكيك في نزاهة الانتخابات ومصداقيتها وإثارة البلبلة. وحول أخلاقيات التعامل مع المصادر الصحفية يشدد الدليل علي أهمية عدم تلقي أية هدايا أو مقابل أو مكاسب معنوية أو مالية، وعدم تسليم الصحفي أو الإعلامي مواد غير منشورة للمصدر أو لغيره، أو منحه وعوداً بشأن محتوي التقرير الإخباري أو إطلاعه عليه قبل النشر فيما عدا الجزء الخاص بنص تصريحاته أو المعلومات التي تتعلق به إذا وردت علي لسان آخرين. كذلك يجب ألا يعني وجود إعلانات لمعلن بإحدي الصحف أو القنوات، أن تنحاز هذه الوسيلة لمصلحة المرشح أو تتجاوز عن تغطية عادلة للمنافسين له، أو تعطي له ميزة في مساحة أو قيمة الإعلان أو عناصر الإبراز فيه، أو تتجاوز عن حقائق سلبية تتعلق به ولا تنشرها.. مثال علي ذلك ما نشرته جريدة الوفد في حملة مرشحها للرئاسة عام 2005 من إعلانات لم ترع معايير ومبادئ التغطية الإعلامية للانتخابات مثل: "زهقنا، حكومات بتروح وبتيجي، ومفيش تغيير، هي دي أوضاعنا الاقتصادية".. علي جانب آخر يبقي التلويح بالأديان أو استغلالها من خروقات التغطية الإعلامية الموضوعية للانتخابات ودعوة للتأثير علي الناخبين لمصلحة مرشح أو حزب بعينه: "د. رفعت العجرودي مرشح حزب الوفاق: جدي الكبير حارب مع الإمام علي بن أبي طالب" (جريدة المساء 23 أغسطس 2005..) إضافة إلي أن عمليات التلاعب بالصور والتحكم في إلوانها وإضافة شئ إليها أو حذف جزء منها إنما يمثل إحدي صور التضليل والخداع للرأي العام.. كما أن التنافس بين أبناء المهنة الواحدة لا يبرر تجاوز حدود الأخلاق والإساءة المتبادلة والتجريح: "ملف نصف الدنيا علي نمط إسماعيل يس: رئيسة التحرير تصورت أنها تحرر مجلة حائط في مدرسة إعدادية للبنات" (جريدة الدستور 31 أغسطس (2005.. أما عن كيفية وشكل التغطية الإعلامية يوم الانتخابات فمن الأجدي أن تقتصر علي الحقائق والأحداث التي لا تؤثر علي اتجاهات التصويت، بينما يعتبر من انتهاكات تلك التغطية البث الحي المباشر الدائم لمتابعة تفاصيل الاقتراع لصالح أحد الأحزاب أو المرشحين والدعوة للتصويت لهم عبر القنوات التلفزيونية أو مواقع الإنترنت أو أن يصاحب هذا البث إعلان توقعات وتنبؤ بسير عملية التصويت لصالح أحد المرشحين أو لصالح حزب معين.. ويجب كذلك أن تلتزم بها وسائل الإعلام وجوب منع الصحفيين أو الإعلاميين المرشحين في الانتخابات في نفس الوقت أو لهم أقارب مرشحون من تغطية العملية الانتخابية وتجنب تكليف الصحفيين أو الإعلاميين بتغطية الانتخابات في دوائر يقطن فيها أقاربهم أو ذووهم أو عصبتهم ضماناً للنزاهة ودرءاً للشبهات.. كما لا يحق لمسئولين حكوميين مرشحين في الانتخابات أي معاملة تفضيلية نتيجة أعمالهم الرسمية، ولا يجب علي وسائل الإعلام المملوكة للدولة التحيز لهم، ولا ينبغي الدعوة أو التحريض أو التهديد بارتكاب أعمال عنف أو اضطرابات أو شغب في العملية الانتخابية من خلال المادة الإعلامية بالصحف ووسائل الإعلام مما يمثل مساساً وتدميراً للعملية الديمقراطية.. لا ينبغي كذلك عرض برامج أحزاب أو مرشحين يحرضون ضد قيم المجتمع وآدابها، أو نشر ما يدعو ضد ترشيح المرأة أو الأقباط.. ولا يجب السخرية من بعض المرشحين علي أساس المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو اللون أو العمر أو الدين أو نوع الجنس أو الطائفة أو العرق. ويحظر بشدة شراء أو بيع معلومات ينوي الإعلامي تناولها أو قبول ضيافة المرشحين في الانتقالات والمآدب أو الحصول علي هدايا أو العمل كمستشار إعلامي لحزب أو مرشح.. ويبدو بالطبع أمراً غير أخلاقياً بالمرة الحصول علي عمولات إعلانات أو قبول إعلانات تمس بعض المرشحين المتنافسين، أو تسجيل حديث الاتصالات الهاتفية وغير الهاتفية بدون موافقة المصدر وهو ما ينطبق إيضاً علي مسألة التصوير. مع الامتناع عن نشر أخبار مجهلة أو شائعات تسيء للمرشحين. وفي المقابل يجب علي الإعلامي والصحفي عرض جميع وجهات النظر بموضوعية وتوازن، والدقة في اختيار العناوين وعلاقتها بالنص، وسرعة نشر أي تصحيح يرد في ذات الصفحة أ والبرنامج، والالتزام بضوابط نشر استطلاعات الرأي العام في الانتخابات والالتزام بالجوانب القانونية للعمل الإعلامي والصحفي. واستكمالاً للوجبة المهنية الدسمة التي يقدمها دليل "الإعلاميون والانتخابات" خصص الفصلين الثالث والرابع مجموعة من الملاحق والوثائق إعلانات مبادئ وقيم التغطية الصحفية صادرة عن المجلس الأعلي للصحافة ووزارة الإعلام، إضافة إلي عدد من التقارير الدولية التي يمكن الإفادة منها في دعم مهارات الصحفي والإعلامي.