عقد مركز القاهرة لحقوق الإنسان مؤتمرا لمناقشة مدونة أخلاقية مهنية لتغطية الانتخابات أعدها الصحفي الكبير الأستاذ صلاح عيسي بمناسبة اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكنت من بين عدد من المتخصصين الذين طلب منهم التعليق علي المدونة المتماسكة والشاملة التي أعدها الأستاذ صلاح. وقد كفاني الأستاذ معد المدونة عناء عرض الملامح العامة لمدونته عندما نشرها كاملة في جريدة القاهرة، كذلك كفاني الحديث بتفصيل عن التعقيب الذي قدمته مكتوبا لأنني علمت أنه سينشره كاملا في جريدته أيضا. ولكن هناك نقطة رئيسية في التعقيب الذي قدمته أردت أن أشير لها وهي تتعلق بأننا وإن كنا في حاجة إلي مدونة أخلاقية مهنية لتغطية الانتخابات، فإننا في حاجة إلي مدونة أشمل تتعلق بالتعامل مع العملية السياسية علي أساس أن الانتخابات أحد عناصرها الأساسية. فما معني أن تظل وسائل الإعلام تشوه السياسيين طوال العام وتتعامل معهم بحيادية في فترة الانتخابات التي لا تزيد علي الشهر. وما معني أن تتجاهل وسائل الإعلام الأحزاب طوال العام اللهم إلا في حالة وجود انشقاقات أو مشكلات داخلية ثم تتذكرهم خلال شهر الانتخابات، وبالطبع فإن التغطية لن يكون لها نفس الأثر خاصة أن القارئ بالنسبة للصحف تشبع بنقد الصحف للأحزاب ونشر مشكلاتها الداخلية. علي الجانب الآخر فإن نفس القارئ يظل طوال العام يقرأ عن الحزب الوطني وإنجازاته ويقرأ أخبار قياداته، ولا يقرأ أي مادة صحفية عن خلافات داخل الحزب الوطني. وهو ما يجعل ما يطالعه في الصحف في وقت الانتخابات تحصيل حاصل، حتي ولو أعطت الصحف للأحزاب الأخري مساحات أكبر من تلك التي تعطيها للحزب الوطني ومرشحيه. ونقدم مثالا حديثا كاشفا فعندما تحدث الدكتور محمد البرادعي عن إمكانية خوضه انتخابات رئاسة الجمهورية بدأت الصحف القومية في توجيه انتقادات حادة إليه بعضها غير موضوعي، مثل أنه كان قبل الأخير علي دفعته في وزارة الخارجية ، ووجهت انتقادات أخري له حول إدارته للمنظمة الدولية للطاقة الذرية، وقالت بعض الصحف إنه يحمل جنسية سويدية، فإذا حدث وترشح الدكتور محمد البرادعي للانتخابات الرئاسية المقبلة، ستظل هذه الانتقادات غير الموضوعية والكاذبة عالقة في أذهان القراء أو مشاهدي القنوات الفضائية. ونفس الأمر ينطبق علي عمرو موسي. ومن يتابع تغطية الصحف المصرية لأي انتخابات برلمانية أو محلية أو غيرها بعيدا عن انتخابات رئاسة الجمهورية سيجد العديد من النواقص التي تستحق البحث عن وسائل للقضاء عليها. فوسائل الإعلام تهتم فقط بالدوائر التي يوجد فيها شخصيات سياسية مشهورة أو ما يطلق عليها دوائر الأزمات، وعندما تغطي هذه الدوائر لا تقدم معلومات دقيقة عنها، مثل عدد المرشحين وأهمهم، والقاعدة السياسية أو الاجتماعية التي يستند إليها كل مرشح، ولا تقدم أي معلومات حول طبيعة الدوائر الانتخابية مثل التكوين الاجتماعي والإثني ولا خريطة القوي السياسية الحقيقية للدائرة، وهذا الأمر مطلوب حتي يستطيع توقع القراء النتائج المرتقبة أو حتي يفهموا النتائج بعد انتهاء الانتخابات. وفي مجمل التغطيات لا تستعين الصحف أو وسائل الإعلام بخبراء حقيقيين في تغطية الانتخابات سواء عبر نشر آرائهم في تحقيقات صحفية أو كتابة المقالات حول الدوائر الانتخابية التي يفهمونها. ولابد من البحث عن وسيلة لإلزام وسائل الإعلام بالتعامل الأخلاقي مع العملية السياسية، فالمدونة التي اقترحها الأستاذ صلاح لن تكون ملزمة لها مثلما كان ميثاق الشرف الذي طرحه المجلس الأعلي للصحافة في الانتخابات البرلمانية السابقة غير ملزم لوسائل الإعلام التي تخضع لرقابته. فميثاق الشرف الذي صدر عن المجلس الأعلي للصحافة إبان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة كان ينص علي أمرين لابد من الإشارة إليهما: الأول يتعلق بما ذكره حول توزيع حصص البث فيما يتعلق بالإعلام المرئي أو المسموع ، والثاني الحياد في وسائل الإعلام المكتوبة، وفي التطبيق العملي التزمت وسائل الإعلام إلي حد ما من حيث الشكل ولكن من حيث المضمون كانت هناك كارثة مهنية بكل المعايير. ففي الوقت الذي التزمت فيه الصحف القومية بالمبدأ، وأفردت مساحات متشابهة للمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، كانت المساحات المخصصة للرئيس مبارك عبارة عن مساحات دعائية له والمخصصة لأحمد الصباحي عوض تدعو الناخبين إلي انتخاب الرئيس حسني مبارك، أما تلك التي خصصت لكل من أيمن نور ونعمان جمعة فكانت تطعن فيهما وأحيانا ترد علي ما يطرحانه من نقد لسياسات الرئيس مبارك خلال حكمه، وكانت أحيانا تتجاهل هذا الطعن وتنشر فقرات مما يقولونه في المؤتمرات الانتخابية عبارة عن أقوال محايدة أو بلا معني تماما. والمؤسف أن المجلس الأعلي للصحافة في تقاريره المتعددة حول تغطية وسائل الإعلام للانتخابات لم ينوه أو يشير إلي هذا القصور المهني لأن التقارير كانت عبارة عن رصد كمي تجاهلت المضمون تماما ولم تتعامل مع المادة المنشورة إلا من حيث المساحة أو التغطية الزمنية فقط. والإلزام يكون عبر تشريع قانون يعطي لجهة مستقلة الحق في فرض غرامات علي وسائل الإعلام في حال إخلالها بمبدأ الحياد في تغطية الانتخابات وتفرض عليها أن تعترف بالخطأ وأن تعلن عن ذلك لقرائها أو متلقيها. وما دام أننا في مصر بسبب سيطرة الحزب الوطني علي العملية التشريعية وهو المستفيد الأول من الانحياز السافر للإعلام في الانتخابات، فعلينا أن نبحث في القوانين الحالية بما فيها قانون حماية المستهلك عن ثغرات تحقق المطلوب ولو في حده الأدني. وأري أن أي مدونة أخلاقية أو مهنية تتعلق بتغطية العملية السياسية بصفة عامة أو الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو غيرها بصفة خاصة لابد وأن تفرد دورا ومحددات لوكالة أنباء الشرق الأوسط ليس لأنها وكالة الأنباء الرسمية، ولكن لأنها لو التزمت بواجبها المهني لساعدت الصحف الخاصة بالذات علي تجاوز عدد من الأعباء المهنية، وعلي الأخص فيما يتعلق بالاستعانة بالمراسلين، فالوكالة لها مراسلون في جميع المحافظات والمناطق وهم علي مستوي مهني عال، ولو قدمت الوكالة خدمتها المتكاملة للعبت دورا مهما في تجاوز العقبات المهنية التي تقع فيها الصحف عند تغطية العملية السياسية أو الانتخابية. وهنا تجدر الإشارة إلي أن الصحف الكبري في العالم تتجاوز هذا العامل المتعلق بعدم وجود مراسلين لها في المناطق البعيدة أو النائية عن طريق الاعتماد علي المدونات الخاصة بالسكان المحليين، وهذة المدونات أصبحت في الوقت الراهن تسبب أزمة للصحافة الورقية لأنها تسبقها في نشر الأخبار، وهناك في الدول المتقدمة مهنيا في مجال الصحافة سجلات لتقييم المدونات من حيث الدقة والمهنية ومن حيث الانحياز السياسي، وهذا الأمر يجعلني أطلب من الأستاذ صلاح عندما يضع النسخة النهائية من مدونته الأخلاقية أن يبحث في وضع معايير تلتزم بها الصحف في الاعتماد علي المدونات ومواقع الإنترنت، خاصة أن الصحف المصرية الخاصة تعتمد في جزء كبير من تغطيتها علي مواقع الإخوان المسلمين مثل "إخوان أون لاين"، والمواقع المحلية للإخوان في المحافظات بما يجعل وجهة نظرهم موجودة بكثافة في التغطيات علي عكس القوي السياسية الأخري عدا الحزب الوطني بالطبع. وهنا لابد من أن تؤكد المدونة أنه في حالة استعانة وسائل الإعلام سواء ورقية أم مرئية أم مسموعة بأي من المدونات أو مواقع الإنترنت أو مجموعات الفيس بوك أن تذكر ذلك، وفي حالة ما إذا كانت هذه الوسائل تخص تياراً سياسياً يتنافس في الانتخابات التي تقوم وسائل الإعلام بتغطيتها أن تشير إلي هذا الانتماء السياسي من أجل تقديم الحقيقة كاملة للقارئ أو المتلقي. فضلا عن أن المدونة التي يقترحها الأستاذ صلاح لابد وأن تتضمن أسس التغطية بالنسبة للمواقع الالكترونية. والذي أخشاه هو أن تصدر المدونة التي صاغها الأستاذ صلاح بعد التشاور عليها مع الاتجاهات الصحفية المختلفة ورؤساء تحرير الصحف وأعضاء في المجلس الأعلي للصحافة، ولكن ينتهي الأمر إلي التزام الصحف الخاصة بها وعدم التزام الصحف القومية الملتزمة بصورة واضحة وسافرة بالحزب الوطني. وهو ما يجعلني أقول في النهاية إن تغطية محايدة لأي انتخابات أو للعملية السياسية المصرية بصورة عامة وفي مقدمتها نشاط الأحزاب السياسية، يتطلب فصل المجلس الأعلي للصحافة عن الحزب الوطني، وأن تتحول الصحف القومية إلي قومية فعلا وليست صحفا ناطقة باسم الحزب الوطني خاصة مع ضم كل رؤساء التحرير إلي أمانة الحزب الوطني بقرار من أمين عام الحزب. وهناك قضايا قد تكون بعيدة عن العملية الانتخابية أو السياسية لكنها تدخل في صلب الموضوع علي رأسها صدور قانون يضمن حرية الحصول علي المعلومات لأننا بدون هذا القانون لن نستطيع أن نقوم بتغطية أي حدث سواء سياسياً أم اقتصادياً ولو حتي خبراً من أخبار الحوادث بكفاءة مهنية شاملة.