ما حدث فى الأيام الماضية من قرار حبس رئيس تحرير جريده الدستور، إسلام عفيفى، ثم قرار الرئيس مرسى بالإفراج عنه وإلغاء الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر، إنما هو انعكاس للحالة المجتمعية الرافضة للعبث بحرية الرأى والتعبير. وفى الواقع يعانى المجتمع المصرى، منذ عهد عبدالناصر والسادات ومبارك، كثرة القوانين التى تقمع حرية الرأى والتعبير والنشر، نصاً فى المواد التى توجد فى قانون العقوبات. وفى المجمل اتصفت هذه العصور بسوء إدارة التعامل مع أى انتقادات أو إساءات توجّه للرئيس أو لغيره من الشخصيات العامة. فمن الصعب التعامل بنفس الطريقة التى كان يطبقها النظام القديم من مصادرة صحف وحبس صحفيين مع رئيس جاء عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. فعندما تمت مصادرة جريدة الدستور فى الحادى عشر من أغسطس بتهمة التحريض على الفتنة وإهانة رئيس الجمهورية، ثم تم حبس رئيس التحرير لنفس السبب احتياطيا لحين الجلسة الأولى لمحاكمته، امتعض الرأى العام المصرى والعالمى وألقى بظلال الشك على مستقبل الحريات فى ظل النظام الجديد. وهنا نتطرق إلى نقطتين فى غاية الأهمية: الأولى هى حماية حرية الرأى والتعبير وحدود هذه الحرية، والثانية هى أنواع العقوبة الملائمة التى من الممكن أن تفرض على الصحيفة أو الصحفى. فمعظم الدساتير فى الدول الديمقراطية تضمن حرية الرأى والتعبير، لكن مع وضع بعض الضوابط حتى لا تكون حرية مطلقة وغير مسئولة. وطبقا للمادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، فحرية الرأى والتعبير مكفولة، لكنها ترتبط بممارسة الحقوق المنصوص عليها بواجبات ومسئوليات محددة. لذلك لا توجد حرية مطلقة دون ضوابط تحكم حركتها وإلا انقلبت إلى فوضى من سب وقذف وتعرض لحياة الناس الخاصة إلى اغتياب وتجنٍّ على أعراض الآخرين. وأكثر ما يعانيه الصحفى فى مصر من كثرة القيود التشريعية والرقابية على حرية الرأى والنشر هو الخوف من عقوبات سالبة للحريات مثل الحبس وازدياد الرقابة الذاتية للصحفيين التى تتعارض مع حرية التعبير والنشر؛ لذلك تجب إعادة النظر فى القوانين التى تفرض الحبس على الصحفيين لمجرد إبداء رأيهم ويكتفى بدفع غرامة مالية، على أن تحدد قيمة الغرامة على قدر الخطأ. كما يجب على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ضمان حرية الرأى والتعبير والنشر وتوخى الحذر من استخدام المصطلحات الفضفاضة التى يساء استخدامها لتكميم الأفواه وقمع أى انتقادات لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة وسياستها. وفى نفس الوقت يجب أن تكون هذه الحرية مسئولة، وإلا انقلبت الأمور إلى فوضى محتمعية من خلال الادعاءات والأكاذيب، وذلك من خلال تقديم النقد بموضوعية وتطبيق المهنية دون استخدام الألفاظ التحريضية التى يعاقب عليها القانون فى كل دول العالم. وعلى نقابة الصحفيين تفعيل ممارسة المهنية مثلها مثل كثير من الدول المتحولة ديمقراطيا أو المثيلة أو المتقدمة التى قد أنشأت معظمها ما يسمى مجلس الصحافة، المنوط بوضع المعايير والضوابط التى تضمن ممارسة المهنية الصحفية بمعايير دولية، ويكون ذلك من خلال إعداد «مدونة سلوك» أو «مدونة ممارسات» ووجود برامج لتوعية العاملين بها فى المجال الصحفى وترسيخ مبادئها ومواثيقها. وتكون من سلطة هذا المجلس أن يلزم الجريدة المخطئة بأن تنشر اعتذارا أو إيضاحا عن خطئها المهنى، وإلا مع مرور الوقت سوف تفقد الجريدة مصداقيتها. والمجلس هنا يعمل كأداة مراقبة جودة وضغط من أجل تفعيل المهنية. لقد أصبح فرض الرقابة من خلال مصادرة صحف أو حبس صحفيين شيئا مزعجا فى عصر انتشرت فيه وسائل المعرفه ووسائل الصحافة الحديثة (مدونات، فيس بوك، تويتر)؛ حيث أصبح كل مواطن صحفيا قادرا على إبداء رأيه، خاصة أن نسبة القراءة للجرائد المطبوعة فى تضاؤل مستمر بالمقارنة مع عدد مستخدمى وسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة. إن قرار الرئيس مرسى بإنهاء الحبس الاحتياطى للصحفيين قرار صائب نتمنى أن تتبعه إعادة النظر فى القوانين التى تجرم الحريات فى بلد يتحول ديمقراطيا.