ساهم القرار الذى أصدره د. محمد مرسى رئيس الجمهورية بإلغاء الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر فى تخفيف حالة الاحتقان التى سادت الأوساط الصحفية عقب قرار محكمة جنايات جنوبالجيزة بحبس إسلام عفيفى رئيس تحرير صحفية «الدستور» احتياطيا على ذمة محاكمته بتهمة «إهانة» رئيس الجمهورية. وحتى لا تستمر حالة الانفلات الإعلامى التى شهدتها مصر بعد ثورة يناير، التقت «أكتوبر» مع نخبة من الخبراء وأساتذة الإعلام ليضعوا لنا «روشتة» إصلاح الإعلام المصرى، وإنقاذه من براثن حالة الانفلات التى باتت تهدده بمزيد من التراجع المهنى والأخلاقى. فى البداية يقول الدكتور محرز غالى من قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن ما حدث من بعض وسائل الإعلام مع الدكتور محمد مرسى لم يكن من باب حرية الرأى والتعبير، ولكنه كان تجاوزا مقصودا ومخططا ومشبوها، ومن ثم فان تقديم هؤلاء الصحفيين للمحاكمة مسألة عادية ومقبولة فى كل الديمقراطيات واختلافنا فقط فى نوعية العقوبة المقررة، فنحن ننحاز لحرية الرأى والتعبير، ونرفض حبس الصحفيين، فى مقابل قبولنا ومطالبتنا بتفعيل وتغليظ عقوبات أخرى مثل الغرامة المالية، وكذلك عقوبات تأديبية من النقابة تبدأ بلفت النظر مرورا بالإيقاف عن العمل فترة محددة، وانتهاء بالفصل فى حالة الإصرار على المخالفات، وإلا فكيف لنا أن نضمن التزام الصحفيين والإعلاميين بمعايير وقيم الممارسة المهنية وحق الأفراد فى حماية خصوصياتهم وكرامتهم وحث المجتمع على حماية قيمه وأعرافه. وترى الدكتورة انشراح الشال من قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة: أنه لا يوجد سيطرة من الإخوان المسلمين على وسائل الاعلام كما يقول البعض، واشارت إلى أن قرار مصادرة جريدة الدستور وإغلاق قناة الفراعين جاء لوجود سبب قوى لأن هناك حدودا للحرية وخطوطا حمراء يجب ألا نتخطاها ولقد تحولت بعض وسائل الإعلام عن مسارها الاعلامى وابتعدت عن المهنية والقواعد الصحفية وخالفت ميثاق الشرف الصحفى من تحريض وإثارة للفتن بين طوائف المجتمع و استخدام أسلوب السب والقذف العلنى وتجاوز فى حق رئيس الدولة وتوجيه الإهانات المتتالية لرأس الدولة الذى يمثل رمز الدولة المصرية، وأشارت إلى ضرورة محاسبة المخطىء لأن هذا هو الانفلات الإعلامى الذى يضر بمصلحة البلد ويهز الأمن والاستقرار الداخلى. وأضافت د. انشراح أن هناك عددا من الإعلاميين يعملون على تعكير العلاقة بين الحاكم والمحكومين ولهذا فإن أبسط حق من حقوق الدولة إغلاقها ويجب أن نقف بجانب الرئيس المنتخب للمحافظة على الاستقرار، وأشارت إلى ضرورة التزام وسائل الاعلام بأخلاقيات المهنة النابعة من الدين الاسلامى كعدم إثارة الفتن أو نشر الشائعات وأكدت د.انشراح أن مؤسسة الرئاسة لم تعصف بالأقلام ولم تسيطر على الإعلام وأبسط دليل على ذلك إعلانات ومسلسلات رمضان هذا العام والأفلام التى تم عرضها وكانت مليئة بالإيحاءات الجنسية والفحش والرقص بعكس ما كان يقال عن الإخوان بأنهم سيسيطرون على المضمون الإعلامى وأوضحت أن مؤسسة الرئاسة لجأت إلى القضاء المصرى المشهود له بالنزاهة وهذا من أجل الاستقرار للبلد . وأكد الدكتور عدلى رضا - رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة – ان الإعلام مازال يتسم بالفوضى وعدم اتباع المهنية فى الممارسة الإعلامية وشدد على ضرورة تسخير وسائل الاعلام لكل أبناء المجتمع وأن تبتعد وسائل الإعلام عن التعصب وأن تكون حيادية وتسعى إلى عرض كل وجهات النظر المختلفة واقترح د. عدلى وجود مجلس أعلى للفضائيات، بحيث يكون هذا المجلس منوطًا بالتحقيق فيما ينشر على وسائل الإعلام وهذا من أجل حماية المجتمع من وسائل الاعلام التى تسعى الى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلى وإثارة الفتنة. ومن اجل اعلام حر يخدم الصالح العام وليس فصيلا معينا او فئة بعينها. وأشار د. عدلى الى ضرورة سن القوانين التى تنظم العملية الإعلامية وتضبط أداء الإعلام، وألا تكون هذه القوانين لتقييد الحريات، وانما لتقويم الأداء الإعلامى وتوجيهه فى الاتجاه الصحيح وبالاضافة إلى ذلك إصدار قانون لحرية تداول المعلومات. وأوضح الدكتور محمود علم الدين رئيس قسم الصحافة فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة: أنه فى أى مجتمع ديمقراطى لابد أن يكون فى مقدمة أولوياته العمل على وجود صحافة تتسم بالحرية حيث لا عوائق أو قيود أمام الصحفيين فى الحصول على المعلومات، أو فى التعبير عن آرائهم، وتتسم أيضا بالتعددية حيث تفتح الباب لكل الآراء والاتجاهات ولا تتحيز لطرف على حساب طرف لآخر، وهى أيضا لابد أن تكون صحافة مسئولة أى تحترم خصوصية الفرد وحقوقه وقيم المجتمع وكل القيم المهنية، وأن تكون قابلة للمساءلة المجتمعية إن أخطأت. وأضاف: يشكل قرار الدكتور محمد مرسى بإلغاء الحبس الاحتياطى للصحفيين فى قضايا النشر بداية طيبة ومبشرة ولكن الأمر يتطلب مراجعة لكل القوانين المقيدة لحق الصحفى فى الحصول على المعلومات والتعبير عن رأيه، وفى مقدمتها إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر واستبدالها بالغرامة المالية، وهى حقوق حصلت عليها الصحافة فى الدول المتقدمة منذ حوالى مائتى عام، فلا يجوز حبس شخص بسبب آرائه مهما كانت هذه الآراء، ولا يجوز حبس صحفى بسبب القذف والسب والإهانة...فقط الدعوة للعنف والقتل هى التى تعتبر جرائم تستوجب العقاب الجنائى حماية للمجتمع. وضمان عدم الحبس فى قضايا النشر ينبغى ألا ينطبق على الصحفيين فقط ولكن على المواطن العادى الذى ينشر رأيا فى الصحف. ولا يعنى عدم حبس الصحفيين انتفاء العقوبة فى حالة السب والقذف وإنما يجب تغليظ العقوبات المالية، ومن الأمور المهمة هنا أيضا إصدار قانون لتداول المعلومات. وأضاف أن هناك مواثيق الشرف الصحفى عربية ودولية وهى تمثل قواعد السلوك المهنى وقد بدأت فى بداية العشرينات من هذا القرن، وهناك الآن عدد قليل من الدول - أقل من خمسين دولة فقط فى العالم - لديها نظم متطورة فى الإعلام والاتصال ذات مواثيق شرف صحفية وإعلامية. وهناك بعض المبادئ الرئيسية التى تحتوى عليها مواثيق الأخلاقيات أو معايير السلوك المهنى هى أن الإعلام مسألة مقدسة وينبغى أن يكون دقيقًا، غير محرف، وغير مخادع أو مكبوت وضرورة الفصل بين المعلومات أو وظيفة الأخبار، والتعليق وإبداء الرأى وأن يخدم النقد والتعليق المصلحة العامة لا أن يكون هدفه مجرد الافتراء أو تشويه السمعة، وتتضمن كل المواثيق فقرة تتصل بالحفاظ على سر المهنة. ومن جانبه أوضح الدكتور حسن عماد مكاوى عميد كلية الاعلام جامعة القاهرة أن مهنة الإعلام افتقدت الضوابط واصبحت بلا نظام خاصة بعد الثورة وكل القوانين الموجودة الآن هى قوانين النظام السابق التى تكبل الحريات وتتيح للحكومة وللاشخاص العاديين ان يرفعوا قضايا على الاعلام وغلق الوسيلة وأصحابها، وشدد دكتور مكاوى على ضرورة وجود ضوابط جديدة وإعادة بناء وتشكيل النظام الإعلامى، وأكد د. مكاوى ان هناك قوانين سيئة السمعة تكبل حرية الإعلام. وأشار إلى أن قرار إغلاق صحيفة او قناة يكون من خلال القضاء وليس بقرار إدارى حتى لا تكون هناك سيطرة من النظام الحاكم على وسائل الاعلام وشدد على ضرورة التكاتف والتعاون بين الاعلاميين من كافة التيارات والاتجاهات للدفاع عن حرية التعبير حتى يتم تشكيل دستور جديد يفعل تلك الحريات ولا يقيدها، وأضاف انه يجب تفعيل الميثاق الإعلامى بصورة حازمة حتى لا تكون الحقوق والحريات مستباحة من الطرفين، وأن تكون وسائل الإعلام مسئولة عن تحرى الدقة والاستناد إلى الوثائق الصحيحة . ويقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: إنه من أجل مستقبل إعلامى أفضل يجب رفع الأداء المهنى وتدريب الصحفيين والإعلاميين للارتقاء بأدائهم، و تطوير منظومة القوانين لتتماشى مع الحريات التى ننشدها، كما يجب تعظيم الأداء النقابى، وأن تتولى النقابة محاسبة المخالفين ووضع ميثاق للعمل المهنى، ويؤكد د. صفوت العالم أننا بعد ثورة 25 يناير نريد إعلاما حرا لا ينافق أحدا وأضاف أنه يطالب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بأن تحدد العلاقة بين السياسات والممارسات الاعلامية والنظام السياسى، وذلك بوضع مواد فى الدستور الجديد تنص على حماية الإعلام ولا يستطيع أحد إرهابه.